news_article_17921_17236_1427360514

الأونروا

سياسة

المدارس غير مؤهلة لاستقبال وإيواء النازحين في غزة

النظافة معدومة وهناك شح في المياه الصالحة للشرب أو للاستخدام الشخصي

أربعون ألف نازحًا أصبحوا بلا مأوى جراء القصف الإسرائيلي، ولم يجدوا أمامهم خيارًا سوى النزوح إلى مدارس تابعة للأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين)، والتي تم تفويضها منذ تأسيسها عام 1949 لتقديم المساعدة، والحماية للاجئين الفلسطينيين.

حسب "الاستجابة الطارئة" إحدى برامج الأونروا الخاص بفترة الصراعات، فإن حزمة المساعدات قد تتضمن المساعدات الغذائية الطارئة وضمان الوصول إلى مياه الشرب الآمنة، وتوفير مأوى مؤقت، أو دعم سكني لإيواء اللاجئين المشردين خلال نزاع مسلح، أو عملية تشريد قسري أو هدم. بالإضافة إلى مساعدات نقدية طارئة، والتي قد تمكن العائلات النازحة التي دمرت مساكنها خلال العمليات العسكرية من العثور على سكن مؤقت بديل.

إعلان

بعد هدم وقصف منازلهم لجأ الآلاف إلى مدارس الأونروا، التي يتم تحويلها لأماكن إيواء جماعية للنازحين، ولكنهم فوجئوا بعدم جاهزية هذه المدارس لاستقبالهم. وقد عبر نازحون خلال مقابلات أجرتها كل من إذاعة القدس وصوت الشعب المحليتين في غزة، عن غضبهم بسبب عدم توفر أي أساسيات في مراكز الإيواء هذه، النظاقة معدومة وهناك شح في المياه الصالحة للشرب أو للاستخدام الشخصي، ويفتقرون إلى الألحفة والفرش مما يضطرهم النوم أرضًا، كما أنهم لم يتلقوا أي طرود غذائية. كما تتكدس العائلات في صفٍ مدرسي واحد ولا يوجد أي امكانية للتباعد ولا تتوفر المعقمات في ظل جائحة كورونا ومع تسجيل إصابات جديدة خلال الأربع وعشرون ساعة الماضية. 

في مقابلة مع الراديو، قال الدكتور محمود العزامي وهو من سكان شمال غزة وبيت لاهيا تحديدًا، الذين نزحوا من بيوتهم أن المدارس التي هرعوا إليها غير مجهزة حتى بأقل متطلبات الحياة من مياه صالحة للشرب، والاستخدام الآدمي. وأضاف: "احنا مهانين ما في إنسانية ولا كرامة، حتى الحمامات غير مؤهلة، ولا المي متوفرة، ما في اشي موجود إلا الزبالة." ووجه إغاثة عبر الإذاعة لعل نداءه يصل إلى الوكالة التي تلتصق باسمها كلمة الغوث. "وين وكالة الغوث الدولية، وين الدنيا كلها تشوفنا ما في حد مدور علينا، لا في أكل ولا شرب ولا فراش."

تدخلت مواطنة أخرى نزحت إلى مدرسة الفاخورة، التابعة لوكالة الأونروا والتي تقع في مخيم جباليا: "أمورنا صعبة للآخر، ما بدنا إلا تنجدونا بالمي." وناشدت أخرى: "ما في مي للشرب ولا مي في الحمامات." توالت شكاوي المواطنين الواحد تلو الآخر، كلها تشابهت في الملاحظات والاستغاثات، وختموا جميعًا المكالمة وبصوت واحد:" 15 عيلة في الغرفة اللي احنا فيها." كذلك، لا يُخفي النازحون الذين لجأوا إلى مدرسة الفاخورة للاحتماء بها، خوفهم من احتمالية قصف المدرسة من قبل إسرائيل كما حدث في حرب عام 2014. وقد توصل تحقيق أجرته الأمم المتحدة، إلى أن إسرائيل قصفت 7 مدارس تابعة للأمم المتحدة خلال حرب غزة عام 2014، مما أدى إلى مقتل ٥٠ فلسطينيًا كانوا قد احتموا ببعض هذه المواقع.

إعلان

تواصلت مع المستشار الإعلامي للأونروا، عدنان أبو حسنة لفهم الصورة بشكل أوسع والذي أخبرني عبر مقابلة هاتفية أنه "تم افتتاح 48 مدرسة كمراكز  إيواء لحوالي 38 ألف مواطن مدني، وأن الأرقام مرشحة للزيادة بالطبع إلى أن يتم السيطرة على الوضع. أما إداريًا، فقد تم تعيين مدراء للمراكز، وتم تزويد مختلف المراكز بالمياه فيما سيتم رفع سقف المساعدات خلال الأيام القادمة." كما أوضح إلى أن المساعدات تشمل الصحية منها كمواد التنظيف والمعقمات في ظل انتشار فيروس كورونا.

وفي استفسارنا حول إدعاءات النازحين في مدرسة الفاخورة، أفادنا بأن الأونروا قامت بتجهيز 50 مدرسة استعدادًا لهذا الظرف، لكن المواطنين قاموا بالذهاب إلى المدارس غير المجهزة-التي لا تزال تحتاج إلى شهور لتجهيزها. وفيما يتعلق بحل هذه المعضلة قال أبو حسنة: "سنضطر إلى نقلهم إلى المدارس المجهزة، أو سنحاول توفير الاحتياجات اللازمة، لكن لا نعلم كم المدة الزمنية اللازمة لذلك." 

قررت زيارة بعض المدارس التي حُولت لأماكن إيواء، في مدرسة بنات الزيتون الابتدائية التابعة للأونروا في حي تل الهوا جنوب غرب مدينة غزة، التي ضمت حوالي ألف نازح. هناك التقيت مع مؤمن عريف، وهو نازح من منطقة النزاز بالشجاعية، وأخبرني أنه فر هو وأهله من المنزل فور اشتداد القصف على المنطقة ليلًا منذ ستة أيام ونزح لمدرسة بنات الزيتون، وأضاف: "طيلة الست أيام ما حدا تطلع بوجهنا، ما في غير اليوم قدمت لنا مؤسسة شوية أكل."

كما حدثني فادي أبو العطا، نازح آخر من الشجاعية للمدرسة، بأنه اضطر للنزوح بسبب تسبب القصف الإسرائيلي باشتعال الحريق في منزله وتحطم زجاج نوافذه. وقال هناك ما يقارب 1،400 مواطن نزحوا إلى المدرسة، وأن عدد الأفراد بالصف الواحد (لا تزيد مساحته عن 60 متر مربع) قد يصل إلى 30. أما فيما يتعلق بضروريات الحياة، فأكد لي مرور سبعة أيام على نزوحه إلى المدرسة دون قدوم الأونروا لتفقدهم، أو إمدادهم بالمعونات، مما اضطره هو ومجموعة من النازحين إلى جمع تبرعات من حسابهم الشخصي:" والله خاطرت بحالي وطلعت بسيارتي علشان أوفر للعائلات النازحة الطحين والسكر والخبز"

إعلان

أصرت امرأة من عائلة البحطيطي على التعبير عن مشاعرها قائلًة: "انقصف بيتنا وابني تصاوب بايديه ورجليه ورأسه، وضعه خطير، ابني الصغير يده التهبت محتاجين الى علاج مش قادرين نشتريه، وإذا ما أخذ العلاج ممكن ايدو يتم بترها." وأضافت بحرقة أن عائلتها المكونة من 10 أفراد يتكدسون في صف واحد، ولم يأكلوا منذ أسبوع سوى القليل من الزعتر والماء. وتشير إلى أن المساعدات الغذائية التي قدمتها إحدى المؤسسات مساء أمس كانت عبارة عن 7 علب لكل 15 شخص، والعلبة الواحدة تحتوي على 3 أرغفة خبز، وعلبة حمص، مع قليل من الجبن والمرتديلا، مما اضطرهم إلى إيثار أطفالهم عن أنفسهم.

سمعت العديد من الإفادات المتشابهة في زيارتي لمدرسة البحرين المجاورة لمدرسة الزيتون الإبتدائية. أخبرني شاب من عائلة السرسك، وهي إحدى العائلات النازحة من حي الشجاعية، أن عائلته مكونة من 3 أسر، وكل أسرة تتكون من 7 أشخاص تقريبًا، جميعهم في ذات الصف، وأن المدرسة لا تصلح للعيش أبدًا لافتقارها للضروريات. بعدما فرغت من المقابلات، لحق بي طفٌل أحب أن يضيف لي معلومة يراها ذات أهمية قائلًا:"انا كل يوم بنام على ايدي على الأرض."

تدعم وكالة الأونروا نحو 5.7 مليون لاجئ في غزة، والضفة الغربية، والأردن، وسوريا، ولبنان، وتقدم لهم الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية، ولها دور مهم جداً وأساسي في دعم اللاجئين والنازحين، ولكن تواجه "الأونروا" أزمة مالية على خلفية قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تعليق مساهمات الولايات المتحدة، الممول الأكبر للأونروا (360 مليون دولار سنوياً). وكانت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن أعلنت عن نيتها استئناف المساعدات إلى الفلسطينيين، ولكن يبدو أن الأمر سيحتاج وقتاً للتنفيذ.

وقد تسبب القصف الإسرائيلي بقتل ٢١٣ شخصاً بينهم ٦١ طفلاً. وقدرت الخسائر المادية بإجمالي أولي ٢٤٠ مليون دولار نجمت عن قصف ١١٧٤ وحدة سكنية بشكل كلي، وتدمير ٧ آلاف وحدة سكنية بشكل متوسط، وقَصف ١٥٦ برجًا ومبنىً سكنيًا و٧٣ مقرًا حكوميًا، وتضرر ٥٦ مدرسة وعيادة رعاية صحية. وأعربت شركة توزيع الكهرباء عبر مؤتمر صحفي عن وجود 5 خطوط ناقلة رئيسية متعطلة منذ بدء القصف، مما يهدد بتوقف عمل قطاعات الصحة والمياه والصرف الصحي.

وقد حولت إسرائيل قطاع غزة إلى أكبر سجن مفتوح على الأرض" بفعل الحصار المشدد المفروض منذ ١٥ عاماً. ويعتبر القطاع واحدًا من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، حيث يعيش ما يقارب المليوني فلسطيني في مساحة 360 كلم مربع. ويعاني القطاع من عدم توفر الكهرباء نتيجة لتوقّف عمل محطة التوليد، بكامل قدرتها الإنتاجية، بسبب المنع الإسرائيلي لدخول الوقود اللازم لتشغيلها. وتصل عدد ساعات وصل التيار الكهربائي إلى 4 ساعات أو أقل يوميًا.

وقد تسبّبت الحروب والحصار الذي تفرضه إسرائيل في شلّ نظام الرعاية الصحية في غزة، حيث تم استهداف المستشفيات خلال حروب ٢٠٠٨، ٢٠١٢ و٢٠١٤، كما تمنع إسرائيل دخول الكثير من المعدات الطبية. وقد استنفذ القطاع الصحي موارده خلال أزمة فيروس كورونا، وتهدد الحرب الإسرائيلية الحالية بكارثة إنسانية بكل معنى الكلمة. وقد تنصلت إسرائيل من مسؤوليتها كدولة محتلة بتوفير اللقاح للسكان الذين تحتلهم. ولم يحصل على اللقاح سوى نحو 5% من الفلسطينيين بحلول نهاية أبريل، مع عدم تلقي العديد من عمال الرعاية الصحية حتى جرعتهم الأولى من اللقاح.