هوية

على النساء ترك المايك: أن تكوني امرأة عابرة ومحبطة من كلمات هشام سليم

الأشخاص الذين ولدوا ذكورًا، ويُريدون تعريف أنفسهم كنساء، لا يتم قبولهن اجتماعيًا بسهولة، لأنهن بالنسبة للمجتمع والعائلة تخلّوا عن امتيازات الرجال، ونزلوا درجة أقل ليصبحنّ نساء
عبور جنسي

هشام سليم وابنه نور. الصورة من برنامج جعفر توك

في إحدى البرامج الرمضانية، صرّح الفنان المصري هشام سليم أن ابنته نورا عبرت جندريًا لتكون ابنه نور، وهو ما تم الاحتفاء به كأب داعم لابنه، فيما احتفل آخرون بهذا التصريح كبداية لمناقشة قضايا العابرين جنسياً بمصر والعالم العربي بشكل علني ومفتوح. ولكن على الرغم من "الايفوريا" كان البعض كان متردداً في اعتبار هذا التصريح نقلة نوعية في هذه النقاشات الجندرية، وكان هناك من تساءل من البداية إذا كان السبب في دعم سليم العلني هو أن نورا البنت، أصبح نور الولد. طبعاً، لأن الرجل يربح مجدداً.

إعلان

تأكدت هذه المخاوف بشكل ما، بعد ظهور سليم مع ابنه في برنامج "جعفر توك" حيث صرّح أن المجتمع الشرقي يقبل الرجال أكثر من النساء، ولعل ذلك كان سببًا في دعمه لابنه لأنه نتاج هذا المجتمع كرجل شرقي في مجتمع محافظ. قالها نصًا: "وأنا بفكر في الموضوع، قولت الحمدلله. دة كان ممكن أبقى أنا جايب ولد ويقلب أنثى." قد يختلف البعض حول ما قصده سليم في هذه الكلمات، هل يعني ذلك أنه سيتصرف بشكل مختلف لو كان نور يريد تعريف نفسه كنورا، أو أنه يعبر عن قلقه كأب من مجتمع لا يرحم النساء، فما بالك بالعابرات جندريًا. تدريجيًا، الاحتفاء يتحول إلى انقسام بين فريقين. الأول (وأغلبهم من أشخاص ليسوا عابرين/ات جندريًا) اعتبروا أن سليم شخص متسق مع نفسه ويُجاهد أفكاره المحافظة ويتحدث عنها علانية. والثاني (وأغلبهن نساء عابرات جندريًا) اعتبر كلامه مشوشًا غير واضح: هل يدعم ابنه لأنه أصبح رجلًا بالمفهوم الاجتماعي، أم يدعمه بغض النظر عن هويته الاجتماعية الجديدة؟

أن تكوني امرأة عابرة جندريًا
لكل انسان جنس بيولوجي يُحدد عند الولادة، وهوية اجتماعية يتم ربطها به. فإن كان الجنس ذكر، فالهوية الاجتماعية رجل. إن كان الجنس أنثى، فالهوية الاجتماعية امرأة. هناك أفرادًا يتوافق جنسهم البيولوجي مع هويتهم الاجتماعية (جندر)، ويعرّفون أنفسهم/ن اجتماعيًا: رجالًا أو نساء. يعتبر ذلك امتيازًا اجتماعيًا؛ لأنهم/ن لا يخوضون معارك حول الهوية الاجتماعية على الصعيدين الشخصي والمجتمعي. يُرمز لهؤلاء بالسيز جندر (Cis-gender)، كناية استخدمت للمرة الأولى في التسعينات للإشارة لأشخاص تتوافق هويتهم الاجتماعية مع جنسهم البيولوجي. هناك آخرين/ات لا يتوافق جنسهم مع هويتهم الاجتماعية، وقد يقومون بتعريف أنفسهم/ن خارج تلك الثنائية (Gender non-binary). أو غيرهن/م يعرفون/ن أنفسهم/ن بهويات اجتماعية مخالفة للجنس البيولوجي، سواء تخلله جراحة لتغيير الأعضاء الجنسية أو لا. يُرمز لهؤلاء بالعابرين/العابرات جندريًا (Transgender).

إعلان

في حالة العبور الجندري تكون التنميطات المحيطة بالرجال والنساء حاضرة بقوة، فالأشخاص الذين اختاروا تعريفهم اجتماعيًا كرجال رغم ولادتهم إناثًا، قد يتم قبولهم اجتماعيًا، وفي بعض الحالات يتم الاحتفاء بهم. يرجع ذلك لتمتع الرجال بامتيازات اجتماعية أكبر من النساء. والعكس بالعكس، فالأشخاص الذين ولدوا ذكورًا، ويُريدون تعريف أنفسهم كنساء، لا يتم قبولهن اجتماعيًا بسهولة، لأنهن بالنسبة للمجتمع والعائلة تخلّوا عن امتيازات الرجال، ونزلوا درجة أقل ليصبحنّ نساء. بالطبع، القبول الاجتماعي للعابرين/ات والمعارك التي يخوضونها ليست سهلة في مجتمعات لا ترى الأشخاص إلا بجنسهم البيولوجي وهويتهم الاجتماعية المرتبطة به. لكن هناك دائمًا تمييز مزدوج إن كان العبور من رجل لامرأة. مرة لأن النساء العابرات يتعرضن للرفض المجتمعي الناتج عن تغيير الهوية الاجتماعية (Transphobia). والأخرى، لأنهنّ يختبرنّ التمييز ضدهنّ كنساء في مجتمعات تتحيز للرجال (Sexism).

لماذا كلام هشام سليم مُحبطًا؟
في سياق مليء بالتمييز ضد العابرات، تلعب العائلة دور هام في رحلة العبور الجندري. العائلة هي حائط الصد الثاني في هذه الرحلة، بعد الصراع الشخصي مع الهوية المفروضة عند الولادة. إما أن تكون العائلة كيان داعم للأبناء، وقد يكون الدعم بعد محاولات رفض وتعنيف تصل إلى الطرد من المنزل والتبرؤ الاجتماعي والحرمان من المساهمات المالية، ومحاولات الانتحار كنتيجة لهذا الرفض كما حدث مع نور هشام سليم. أو تظل كيان مُعادي رافض. نحنُ نكبر داخل نظام العائلة الغيرية، وحتى لو كنا ساخطات/ين عليه، فقد تمثل الأسرة عامل في استقامة الظهر حتى لو أنهم ليسوا عمودنا الفقري.

إعلان

قالتها صديقتي العابرة: "الفيديو دة أقدر أوريه لأمي." ولكن تحطّمت آمالها على صخرة التصريح الثاني والذي عبّر فيه سليم أن دعم العبور الجندري من امرأة إلى رجل، أسهل عليه من العكس، حيث علّقت الصديقة مرة أخرى: "الفيديو دة مينفعش أمي تشوفه"

عندما صرّح سليم دعمه لابنه، كانت تلك فرصة لعابرات/ين ليُشاركوا كلماته مع أسرهن/م، لعله يكون عونًا في قبول الأسرة لهن/م. فالحديث علانية عن دعم الأبناء العابرات/ين، يستوجب شجاعة، وكانت تلك المرة الأولى التي يُعلن فيها شخص معروف دعمه للعبور الجندري. المرة الأولى التي تصطف فيها أسرة لديها ابن/ابنة عابر/ة جندريًا معًا في جبهة واحدة يقف عليها آلاف العابرين والعابرات في مجتمعاتنا. قالتها صديقتي العابرة: "الفيديو دة أقدر أوريه لأمي." ولكن تحطّمت آمالها على صخرة التصريح الثاني والذي عبّر فيه سليم أن دعم العبور الجندري من امرأة إلى رجل، أسهل عليه من العكس. شعرت النساء العابرات بالتشوّش والتخبّط، وبأن ما كان يمكنهنّ مشاركته مع أسرهنّ، أصبح الآن نقطة إضافية ضدهنّ. ثم علّقت الصديقة مرة أخرى: "الفيديو دة مينفعش أمي تشوفه."

لم تأمل النساء العابرات لإجابات نموذجية، قدر ما أملنّ في الإجابات أكثر وضوحًا في قضية هي حياتهنّ كلها، وقدر ما أملنّ أن تساهم كلمات سليم في سد فجوة ما مع الأسرة. ما كان يُمكن أن تقوله صديقتي لوالدتها بعد الفيديو الأول: "شايفة ياماما، بيدعم ابنه." أصبح ترقبًا لما يُمكن أن تسمعه الصديقة من والدتها: "أهو دلوقتي راجل، وانت بتقلب ست."

معركة الامتيازات: التنحي والتمسك للنهاية
في خضم تعبير النساء العابرات عن إحباطهنّ وتخبطهنّ من كلمات هشام سليم، كانت على الضفة الأخرى تعليقات النساء غير العابرات (السيز) غريبة. هؤلاء أبدين استحسان لكلام هشام سليم، وعبّرن أن كلامه أمينًا عن كونه رجل متأثر بالمجتمع الذي نشأ به، وأن مطالبة هشام سليم بالوضوح في غير محلها. بعضهنّ قالت أنه على النساء العابرات ألا "يُبالغن" في التوقعات ولا يغرقن في التفسيرات.

إعلان

شغل هذا الموقف بالي لأيام. كامرأة (سيز جندر) تتوافق هويتي الاجتماعية مع جنسي البيولوجي، خضت نقاشات عديدة مع صديقتي العابرة جندريًا. في كل نقاش، أدرك تمامًا أن ما مرت/تمر به صديقتي لا يُمكنني استيعابه لأني لم أخض تجاربها، ولأنني لدي امتياز لا تملكه: أنا أنثى بيولوجيًا، وامرأة اجتماعيًا، وراضية عن تعريفي بجنسي البيولوجي، ومتوافقة معه. أما صديقتي، فلا. صديقتي عانت لتكون امرأة، لتكون ما تريده، وليتم تعريفها اجتماعيًا كامرأة، في حين تراها الأغلبية رجلًا، ويعاملونها، ويخاطبونها كرجل؛ رجل فقد عقله ليكون امرأة. كمَن يتخلى عن وجاهة مفترضة ويتجه لدونية مفترضة هي الأخرى.

هل جربت أنا يومًا أن يراني الناس ويعاملونني كرجل، وأنا أشعر بأني امرأة؟ هل جاهدت نفسي يومًا لأتوافق مع جنسي البيولوجي، وأقول خلاص بقى هي كدة ولازم أعيش كدة؟ لا. كذلك هو حال نساء (سيز) كثيرات. لكن لديهن جرأة لمصادرة مشاعر صديقتي العابرة، وفرض وصايتهنّ عليها وعلى ما "يجب أن تشعر به." هنا نقف جميعًا كنساء أمام أنفسنا، نساء تتمتع بامتيازات "الاعتراف بهنّ كنساء" وأخريات "محرومات" من هذا الاعتراف، لأنهنّ لم يولدنّ إناثًا. هنا تتجلى الوصاية التي تفرضها النساء البيولوجيات على النساء العابرات. تارة باسم الأكاديمية، وتارة باسم هذا أفضل من غيره، وتارة باسم النقد، وتارة باسم التعبير عن الرأي.

علينا أن نفهم ونعي هذه الامتيازات التي حتى في معاركنا الشخصية مازالت تخدمنا أكثر منهن. علينا أن نُدرك معنى أن يرفضنا المجتمع لأننا نساء، وأن يرفضهن نفس المجتمع ولا يعترف بهن كنساء

برأيي، لا يحق لنا كنساء (بيولوجيات) الإدلاء بآرائنا حول تجارب ومشاعر نساء عابرات. علينا إدراك امتيازاتنا، وعلينا أن نتصرف بمنتهى الحساسية تجاه تجارب نساء غيرنا. علينا أن نعرف أننا نفرض وصاية على نساء أخريات. علينا احترم تجاربهن، وأن نكن أكثر حساسية تجاه امتيازاتنا بنفس الطريقة التي ندعو الرجال البيولوجيين أن يكونوا حساسين لامتيازاتهم في علاقاتهم بالنساء.

علينا أن نفهم معنى أن نكون مقبولات اجتماعيًا، وأن هذا القبول لا تتمتع به العابرات. علينا ألا نقارن تجاربنا في التمرد على الأسرة مع تجربة معقدة ومركبة كالعبور الجندري. علينا أن نفهم ونعي هذه الامتيازات التي حتى في معاركنا الشخصية مازالت تخدمنا أكثر منهن. علينا أن نُدرك معنى أن يرفضنا المجتمع لأننا نساء، وأن يرفضهن نفس المجتمع ولا يعترف بهن كنساء. يعاملهن كرجال، ويراهن كرجال، ويخاطبهن كرجال، وينكر عليهنّ حقوقهنّ الأساسية كالرعاية الصحية واستخلاص الأوراق الرسمية، بينما يحاربّن في أدق تفاصيل حياتهنّ اليومية ليكونن أنفسهنّ.

ربما حان الوقت لإدراك أننا مهمّشات، لكن هناك فئات أكثر تهميشًا. أن رؤيتنا للأمور تعكس ما بداخلنا وقد نكون غير واعيات له. حان الوقت أن نتعلم كيف نصمت، وكيف نترك المعنيّات بالأمر يتحدثن عن مشاعرهنّ وإحباطهن بلا وصاية أو توجيه منّا. حان الوقت أن نترك المايك.

الصورة: هشام سليم وابنه نور. الصورة من برنامج جعفر توك