FYI.

This story is over 5 years old.

سياسة

تجدد الاحتجاجات في الأردن: اختلفت الوجوه والمطالب واحدة‎

المظاهرات الحالية أضعف من أن تغير الوضع الحالي

الصورة عن تويتر

"كانت هي المرة الأولى التي ارى فيها احتجاجات تسير بالطريقة الصحيحة على كل من الوضع السياسي والإقتصادي في الأردن،" هكذا يصف وليد الحلّاج، 28، الاحتجاجات التي اندلعت في الثلاثين من مايو الماضي في العاصمة الأردنية عمان ضد مشروع قانون ضريبة الدخل وغلاء الأسعار، والتي استمرت لمدة أسبوع وانتهت بإسقاط حكومة رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي، تماماً كما كانت تنادي منذ اليوم الأول.

يقول وليد، والذي يعمل مهندسًا في مجال الطاقة المتجددة، أن معظم المعتصمين الذين خرجوا للإحتجاج أمام رئاسة الوزراء، أو ما بات يعرف بإضراب الأردن، لم يكن مشروع قانون الضريبة يشمل دخلهم بالمطلق، ذلك لأنه يستهدف أصحاب الدخول المرتفعة، "ولكن القانون كان بمثابة الشرارة التي جعلت الشعب يخرج محتجاً على تردي الأوضاع الإقتصادية، إرتفاع الأسعار، سوء الخدمات، وقلة فرص العمل."

إعلان

وكانت احتجاجات عارمة يقودها اتحاد النقابات قد اندلعت في العاصمة الأردنية عمّان والمحافظات الأخرى في شهر رمضان المنصرم بعد أن قامت حكومة الملقي بتقديم مشروع قانون ضريبة الدخل، بعد سلسلة من القرارات الإقتصادية التي شملت رفع الدعم الحكومي عن الخبز، ورفع أسعار المحروقات والتبغ. وكان للتوقيت أثر كبير على نجاح الإعتصامات التي كانت تبدأ بعد الفطور وتستمر حتى ساعات الفجر. كانت هذه هي الإحتجاجات الأكبر التي تشهدها المملكة منذ احتجاجات عام 2011 ضد الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار، والتي اندلعت تأثراً بموجة الاحتجاجات في كل من تونس ومصر خلال ما عُرف بمظاهرات الربيع العربي.

بعد قبول الملك عبد الله الثاني استقالة الملقي، قام بتعيين وزير التربية والتعليم السابق عمر الرزاز خليفاً له، و كان للرزاز شعبية وسط أوساط الشباب نظرا لقربه منهم ومحاولة النمو بالمستوى التعليمي. ولكن الآمال بأن يجلب الرزاز جديداً للشارع لم تدم طويلاً، فبدأت خيبات الأمل فور الإعلان عن التشكيلة الوزارية لحكومته والتي لم تقدم أي وجوه جديدة أو حتى شابّة، واستمرّت بعد أن قام بإقرار قانون ضريبة الدخل نفسّه.

لم تتوقف الاحتجاجات، والتي باتت تعرف باحتجاجات "الدوّار الرابع" بعد تولي عمر الرزاز منصبه، ولكن هناك أصوات تعالت بأن الرجل يجب أن يعطى بعض الوقت قبل الحكم عليه. لكن بعد أكثر من ستة أشهر من توليه منصبه، وخاصة بعد إقرار القانون الذي أطاح بمن سبقه، عادت الإحتجاجات إلى الشارع مجدداً في كل يوم خميس من كل أسبوع هذا الشهر في نفس المكان على الدوار الرابع، ورفع المتظاهرين نفس اللافتات التي تطالب بتغير النهج وضد "عصابات الجباية" والفساد والبنك الدولي، لكن الفرق هي أن هذه الاحتجاجات لم تكن مدعومة إعلامياً هذه المرة. فعلى عكس الإحتجاجات التي وقعت في شهر يونيو والتي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة من كافة المؤسسات المحلية بأنواعها، خاصة تلك التي أضاءت على التعامل السلمي بين قوات الأمن و المتظاهرين من اليوم الأول حتى الأخير، لم تحظ الإحتجاجات الأخيرة بنفس التغطية محلياً وعربياً.

إعلان

رئيس الحكومة الأردنية الرزاز، حذر من "ثمن باهظ" سيدفعه الاقتصاد الأردني (التي تواجه ديناً عاماً يبلغ نحو 40 مليار دولار) في حال عدم إقرار قانون ضريبة الدخل، وقال في كلمة أمام مجلس النواب أن "صندوق النقد يرفض مساعدة الأردن" في إشارة إلى الضغوطات التي تتحملها المملكة لإقرار القانون. وشملت التعديلات المقترحة على القانون رفع شريحة الإعفاءات الضريبية للعائلات الأردنية قليلاً، ورفع الضريبة المفروضة على القطاع المصرفي، وخفض الإعفاء الضريبي على رواتب المتقاعدين، وهي تعديلات لم تكن كافية حسب رأي المتظاهرين بإعتبار أنها تقلص من دخل الأردنيين الفقراء والطبقة المتوسطة، بينما تترك الأثرياء يزدادون ثراء.

المشكلة ليست في فرض الضرائب لأن الضرائب تفرض على أي مواطن في أي مكان في العالم، المشكلة أنني لا أرى أي مقابل لهذه الضرائب، لا في قطاع التعليم، الصحة، أو المواصلات

عمر (اسم مستعار) 28 عاماً، طالب جامعي، يقول أنه على الرغم من المشاركة في احتجاجات شهر يونيو، إلا أنه لم يعد يشارك في الإحتجاجات الحالية لعدم ثقته بمن يقف خلفها، فعلى عكس احتجاجات يونيو، لم تساند النقابات العمالية الإحتجاجات هذه المرة، بل وأعلنت مقاطعتها. فيقول عمر أن "الإحتجاجات بحاجة لكيان مسؤول كيف يرعاها وينظمها وإلا فإنها ستتحول إلى فوضى." ويضيف أن الشباب مثله لا يريدون فقط تغيير وجوه رؤساء الوزراء، بل يتطلعون لما هو أبعد من ذلك ويضيف: "نريد إصلاح الأوضاع المعيشية للمجتمع بأكلمه، أنا كنت محظوظاً لأنني ولدت لعائلة استطاعت الإنفاق على تعليمي في مدارس خاصة ممتازة، كان من الممكن أن أولد لعائلة لا تستطيع تأمين لي التعليم الإبتدائي."

على الجانب الآخر، يقول وليد أن المشكلة ليست في فرض الضرائب لأن الضرائب تفرض على أي مواطن في أي مكان في العالم، "المشكلة أنني لا أرى أي مقابل لهذه الضرائب، لا في قطاع التعليم، الصحة، أو المواصلات، جميع القطاعات بحاجة لتطوير واستثمار." لهذا السبب لم يتوقف وليد من الذهاب الى الإحتجاجات الأسبوعية، لأنه يرى أن هناك أملاً في أن تسمع الحكومة أخيراً لمطالب الشعب بأن تلجأ لحلول أخرى للأزمات الإقتصادية غير فرض ضرائب جديد، علاوة على تحسين خدمات التعليم والصحة و فرص العمل. "أنا أعترف أنني شعرت بإنتكاسة عندما تم إقرار مشروع قانون الضريبة، شعرت أن الإنجاز الذي حققناه على الدوار الرابّع بإسقاط الحكومة تم القاءه في حاوية المهملات، ولكنني لا زلت احلم أننا قادرين على أن نكون شباباً مؤثراً مصر على الإصلاح."

إعلان

لا يوجد أي نية لتمكين الشباب، أو تغيير القوانين التي تضطهد المرأة، كما أنه لم يعد هناك مساندة إعلامية للإحتجاجات، بل هناك تحريض علني ضدها

عُلا ( إسم مستعار) 31، ربة بيت لأم لطفلين، والتي كانت تذهب بشكل يومي إلى منطقة الدوار الرابع برفقة زوجها وأخيها خلال شهر يونيو، تقول أنها توقفت عن المشاركة في المظاهرات رغم إيمانها بوجوب تغيير الوضع الحالي، لكنها ترى أن المظاهرات أضعف من أن تغير الوضع الحالي. "لا يوجد أي نية لتمكين الشباب، أو تغيير القوانين التي تضطهد المرأة، كما أنه لم يعد هناك مساندة إعلامية للإحتجاجات، بل هناك تحريض علني ضدها بأنها تنتوي تدمير البلاد، لم يعد هناك ما يدفعني للأمل." تقول علا أن أكثر ما تطمح به هو وجود مشاركة فاعلة للشباب في المشهد السياسي، لأنها تؤمن بأنهم قادرون على تغيير الوضع ويحتاجون الى فرصة لكي يخدموا هذه البلاد.

ما يميز الإحتجاجات هذه المرة بحسب الشباب الذين تحدثنا اليهم، هي أنها لم تعد تنادي بإسقاط الحكومات، لأنها على ما يبدو وصلت لأن المشكلة ليست في من يدير الحكومات، بل في النهج ذاته. ديما خرابشة، ناشطة نسوية، 27 عاماً، تقول أنها كانت مؤمنة جداً بضرورة الخروج إلى الشارع عند بدء الإحتجاجات ذلك لأن حكومة هاني الملقي دأبت على إستفزاز المواطن واللجوء إلى جيبته في كل أزمة اقتصادية. "استمريت في الخروج إلى الشارع حتى بعد استقالة الملقي، لأنني أردت أن أرى تغييراً حقيقياً على أرض الواقع، وليس فقط تغيير وجوه." لكن ديما تقول أنها لم تعد تخرج إلى الشارع لأنها لا ترى أي تغيير في عمل الحكومة، ولأنها لا تعرف من يقف وراء هذه الاحتجاجات. "لكن ما يهم أن لدي امل في الشباب الأردني القادر على تحقيق حياة كريمة لنفسه عن طريق وعي جديد بدأ يتشكل لديه مؤخراً بأنه قادر على التغيير."

يقول وليد أنه سيستمر في الإحتجاج و الخروج إلى الشارع في كل أسبوع لأنه يرى نفسه أداة للتغيير، و لكنه يرفض أن يكون شخصاً حالماً في نفس الوقت. "أنا سعيد بأنني أتحدث عن مطالبي بصوت مرتفع مطالباً بالتغيير، لكنني لا أستطيع أن أضيع مزيداً من سنوات عمري في انتظاره. سأستمر في الإحتجاج بينمَا أنا أستكمل إجراءات الهجرة، سأستمر بالمطالبة بحياة أفضل حتى آخر يوم لي في هذه المدينة."