تصوير: محمد الغيار/فليكر
لاشك أن أغاني "المهرجانات الشعبية" فرضت سطوتها في الفترة الأخيرة في المناسبات المختلفة، إذ لا يمكن أن يخلو حفل زفاف في مصر من موسيقاها الصاخبة الآن، إلا فيما ندر، على اختلاف الطبقات والثقافات، لكن المهرجانات تشبه لحد بعيد صديقك في العمل الذي لا تحبه لكنك مضطر للتعامل معه: الابتسام في وجهه، إلقاء التحية، وربما تناول الطعام معه بما في ذلك من خصوصية. كذلك العلاقة بالمهرجانات، قد لا تحبها، لكنك تجد نفسك متعاطياً معها في أغلب الأوقات، من خلال فرح أو حفل أو جلسة بـ"كافيه." يكفي أن ينطلق أي من المهرجانات لتجد أن التمايل هو لغة التفاعل مع هذا النوع من الأغاني الذي لا يفرّق مكان وجوده بين طبقة وأخرى.
رافضو هذا النوع من الأغاني لا يستطيعون نكرانها حين يقيمون مناسبة تستوجب تشغيل الـ D.J. ظهرت المهرجانات كنوع فنّي منذ نحو سبع سنوات، لينحّوا جانباً الأغنية الشعبية المصرية والتي كان يرأسها حينئذ شعبان عبد الرحيم وحكيم وسعد الصغير، وجميعهم - الأغنية الشعبية والمهرجانات - خرجوا من رحم الأعراس. لا يمكن أن يُقام فرح الآن بدون مهرجان. وربما مستوى الاختلاف الاجتماعي في أن الطبقة المتوسطة والفقيرة تُحيي حفلاتها عبر تسجيلات الصوت، بينما يجلب أصحاب الطبقة العليا المطربين أنفسهم.
بحثت في التكييف القانوني لمطربي المهرجانات بينما كنت في الأردن أحضر مؤتمرًا يختص بشؤون الصحافة ويجمع الصحافيين من مختلف البلدان العربية. كان فندق الإقامة يقيم ليالي سمر مساء لكي يزجي الناس أوقاتهم، لاسيما كون الفندق يقع في منطقة البحر الميت، حيث يزحف إليك الملل بعد ساعة واحدة من استقرارك في المكان. كانت أغنية "العب يالا" مطلبًا جماهيريًا للجميع. الكل من لبنان وفلسطين والإمارات والبحرين ودول المغرب العربي، لا حديث لهم إلا هذه الأغنية. وصلت مشاهداتها إلى 120 مليون مشاهدة عبر يوتيوب فقط، وهو رقم لا يصل إليه أهم المطربين الحاليين والسابقين. التكييف القانوني لا يعتبر أصحاب هذه الأغاني مطربين، وتخلت نقابة الموسيقيين عن "أوكا وأورتيجا" أبطال "العب يالا" في أزمة ألمت بهم حيث اتهموا بالتهرب من الخدمة العسكرية، قبل أن يُحكم لهم بالبراءة، ولكي يستطيعوا إقامة الحفلات يحتاجون إلى تصاريح يتم تجديدها كل حين.
الأخلاق تتحدث
حين عدت إلى غرفتي قررت أن أسمع الأغنية بشكل يحمل استيضاح أكبر لفحوى الكلمات، فلمّا يغمر الرقص المكان عندما تدور الأغنية تذهل عما يحيطك وتحاول أن تتمايل يمينًا ويسارًا مع الموسيقى الثابتة للمهرجانات، خاصة لو كنت فاشلا بالرقص. أدرت الأغنية التي هي من كلمات مطربيها، فوجدت صوت أحدهم يقول بدون غناء وعلى خلفية موسيقية تجعلك تعتقد أن الدعاة مصطفى حسني أو عمرو خالد من يتحدثان: "معاكم دلوقتي أوكا وأورتيجا من الـ 8%. أكيد في ناس كتير بيجي وقت عليها وبتبقى عايزه ترجع لربنا بس في حاجة بتبقى مانعاهم، ويفضل يقولك أنا حبدأ من بكرا ويجي بكرا، يقولك: أنا حبدأ بعده، وفي الآخر مش بيرجع ولا بيعمل أي حاجة، اللي مخلّيك كده هو الشيطان، ومن كتر الوسوسة، خلى نفسك تبقى هي كمان كسلانة إنها تعمل أي حاجة خير وفي الأغنية دي بخلاف إنّك حترقص عليها، بس حبينا نوضّح فيها رسالتنا.. يلا بينا."
هالني ما سمعت وتأكدت من أنني أسمع الأغنية الأصلية وليست نسخة شعبية، فوجدت الأمر حقيقي، ويضعنا أمام حقيقتين: الأولى: أن إيقاع هذه الأغاني صُنع للرقص. الثانية: أن فرق المهرجانات وعلى رأسها الـ 8% بقيادة أوكا وأورتيجا ينتهجون وازعاً أخلاقيًا في معظم الكلمات التي يكتبونها. ربما الخلفية الجغرافية، حيث النشأة في مجتمع المتناقضات غير المتعلم. المتحرّش الذي ينتقد لبس الفتاة، والرجل الذي لا يفارق المسجد ولا يجد غضاضة في أكل الميراث، وأغنية مطلعها يدعوك لأن ترقص وهم يعرفون أنّها تُلعب في أماكن بمقياسهم مرتعًا للشياطين الذين يحذرون المستمع منه ويرون في وسوسته عائقا في الرجوع إلى الله.
الكثير من أغاني الجزء الثاني الأخلاقي يتحامل على الفتيات بما يوائم الخلفية الفكرية لمن يتوهمون أنهم يمسكون بناصية الأخلاق
المعظم من أغاني المهرجانات ينقسم لجزئين: الأول يبكي على معاني أصبحت مفقودة من وجهة نظر أصحابها مثل الصداقة والأمانة والوفاء وأغلب أغاني هذا الجزء تلقي وابل من التحية في نهاية الأغنية لأصدقاء المطربين والفرق الشباب. قد تسمع تحية تاجر فاكهة أو سائق أجرة، لمجرّد أنّه صاحب ملقي الكلمات، أو لأن هذه هي عادة الأفراح المصرية: التحية. أن يمنح أحد "المعازيم" النقود للمطرب الذي يحيي الفرح لكي يُطري على صاحب النقود ويجزل المديح للعروسين. الجزء الثاني من المهرجانات أخلاقي بحت، يبعث برسائل واضحة تبث قناعات أخلاقية واضحة من خلال الكلمات، وإن بدت عكس ذلك للنخبة والعوام، حيث يفرض الإيقاع سطوته بحيث يصبح التفكير في الكلمات صعبًا، فالمستمع في النهاية يدير الأغنية ليرقص لا ليهيم في المفردات مثلما يفعل مع مطربي الزمن القديم أو حتى الزمن الجديد الذي توقّف لدى كثيرين عند عمرو دياب ومحمد منير وأنغام.
الفتاة المتهمة
الكثير من أغاني الجزء الثاني الأخلاقي يتحامل على الفتيات بما يوائم الخلفية الفكرية لمن يتوهمون أنهم يمسكون بناصية الأخلاق. في مهرجان يُدعى "الجنس الناعم"، يحييه فرقة 8% بقيادة أوكا وأورتيجا وضلعهم الثالث "شحتة" يقولون في أحد مقاطع الأغنية متحدثين عن الفتيات: "مفيش حاجة متغطية عصر شلح بحرية، أصل الغرب علينا سيطر والدين مبقاش يتقدر، كل الحلوة اللى عايزاه إنها تتدلع وتتمختر طول النهار فى معاكسات، وبتسأل هو أنا ليه بالذات: هو إحنا ايه مش مخلوقات هو ده كهن البنات.. من فوق حجاب جوه وش منور الله عليه، من تحت فيديو كليب اسمه اتفرج على السكساه."
هذه أغنية تعتبر نذر يسير من نهج أوكا وأورتيجا، الذين يكتبون ما يؤدون، ففي أغنية أخرى لهما بعنوان "دلع بنات" يتحدثون عن الفتيات بأنهن يحملن على أكتافهن كل شرور العالم، وينحون عن الرجال أي إشكالية أخلاقية في المجتمع ناحية المرأة. ويعتبران فكرة جلوس فتيات على مقهى كالبورصة في منطقة وسط البلد إمارة على فجورها، ما يعكس سطحية وفكر يفضي إلى ترسيخ حكم من حزب أنصار الفضيلة المزعومة، بأن جلوس الفتيات على المقاهي يفقدها أدبها، ويُسبغ عليها سوء خلق. يقول مقطع من مهرجان دلع بنات: "يا شاويش امسكها يا بوليس احبسها.. يا ناس يا هوه شوفوا دلع البنات.. فستان حماله وألوان عادي مش بطالة وشغال.. والبودرة كتيرة، منهم ده أنا ندمان.. لابسالي بندانة وعادي والشعر كنيش عادي.. والشكل مفيش عادي حرام ما أنا بردو إنسان.. قاعدالي ع البورصة، لابسة نايك وزوكرا.. دلع بنات.. ياما هنشوف لسه: دلع بنات.. كله دلع بنات."
مؤخرا ذاع صيت فريق جديد من المراهقين يغنون المهرجانات تحت اسم "الصواريخ" شهرتهم جاءت عبر مهرجان "لأ لأ". الذي يمكنك أن تسمعه في كل مكان هذه الآونة، لكن يبدو أن خلطة مدرسة الأخلاق الحميدة استهوت أصحاب الفريق فجاءت أغنيتهم من جديد لتشكل سهام نقد للفتيات. ففي مقاطع من المهرجان يقولون: "عايشة الدور، فاكرة أبوها دكتور، أصله كان مشهور، أصلا سواق حنطور.. طيب ينفع كده طب يرضيكو كده.. لأ لأ لأ.. تلبس ضيق.. لأ لأ/ وأنا ركبي تزيق.. كل البنات أشقيا.. عاوزة الملاغية، اللي عينيها عسلية.. تلبس جلبية."
أسلوب للحياة
نحن أمام مجموعة من الأغاني تُرسّخ لنظرية تحمّل الفتاة للمشاكل في المجتمع، ولما كان هناك جمهور يسمع ويرقص فقط، فإن هناك قطاعًا عريضًا لا يكتفي بمجرّد السمع بل تصبح فكرة "مفيش صاحب بيتصاحب" أسلوباً للحياة وليس مجرد مهرجانا آخر تجاوز المائة مليون مستمع. الأسلوب الأخلاقي في الأغاني انعكس حتى على أحاديث أبطال المهرجانات، ما دفع مقدّم برنامج شهير أن يسأل أحدهم أن يتلو على الهواء آيات من القرآن حين حل ضيفًا على البرنامج، من فرط ما سمع رفاقه يتحدثون عن الأمر، فبدا أحد أبطال فرقة "شبيك لبيك" الغنائية كما لو كان يغني آيات الكتاب الديني المقدّس، لكنه كانت دلالة جديدة ترسّخ لنظرية عند أغلب أبطال المهرجانات مفادها: "نحن أخلاقيون" وليس كما تتهموننا بالعكس.
هاني شاكر، نقيب المهن الموسيقية في مصر، هاجم فرق المهرجانات متهماً إياهم بتخريب الذوق العام طالبا منهم أن يراعو الله في مستقبل مصر، واصفاً كلمات أغانيهم بأنها من أسباب تراجع ريادة مصر الموسيقية. وحلمي بكر الموسيقار المعروف يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ويرى فيهم مجرّد "مطربو المخدرات". هذا يؤكد أنّ الجيل القديم يرفض المهرجانات من منطلق رفض الجديد عمومًا وليس من خلال دراسة حقيقية لفكرة مضمون كلمات المهرجانات. الأغاني السابقة مجرّد نماذج تدل على منهج، فلو دققت في كلمات مهرجان "فرتكة فرتكة" ستجد نصيحة تطالبك بالابتعاد عن شاربي المخدرات، ولو سمعت بإمعان مهرجان "أنا اللي عيشتي حرام في حرام" ستجد جلدًا مثاليًا للذات، ويكفي مهرجان "البنات مجانين" لفرقة الدخلاوية الشهير لتعرف أنهم في زمرة تحدثنا عنها آنفًا.
الوازع الأخلاقي طال الأغاني الشعبية أيضًا، فحين التقى طارق الشيخ مع "كايروكي" كانت أغنية الكيف التي تمنحك صك الرقص، لكن كلماتها تصلح بامتياز لحملة "ضد الإدمان"
المهرجانات لم تعد تقتصر على الأفراح ومُحفّزات الرقص فحسب، بل باتت جزء من خلطة مثالية وشعبية جماهيرية في نجاح الأفلام السينمائية ومؤخرا المسلسلات التلفزيونية مثلما فعل أحمد مكي في مسلسل "خلصانة بشياكة" أو محمد سعد في "فيفا أطاطا". حتى شركات الاتصالات أصبحت تستخدم نجوم المهرجانات أو إيقاعها طريقة لجذب الأنظار، ما يعضد أننا أمام ظاهرة باتت تستحوذ على أكثر مما نتوقّع، خاصة بالنظر إلى عشرات ومئات الملايين من المشاهدات لتلك الأغاني.
الوازع الأخلاقي طال الأغاني الشعبية أيضًا، فحين التقى طارق الشيخ مع "كايروكي" كانت أغنية الكيف التي تمنحك صك الرقص، لكن كلماتها تصلح بامتياز لحملة "ضد الإدمان". حين يحمل الفنان قيود في أفكاره، لا ينساب فنه، بل يخرج كالقيد، وعندما يظن أصحاب الفنون أنّهم مصلحون اجتماعيون أو وعاظ، فعليهم التفكير في مهنة أخرى أليق بهم. في جزء من لقاء تلفزيوني لسعد الصغير يبدي إعجابه الشديد بالمطرب حمادة هلال، حيث يرفض هلال الغناء في أي مكان يقدّم مشروبات روحية، ويحلم المطرب الشعبي الشهير سعد الصغير أن يصل إلى المرتبة الإيمانية العالية التي يمتلكها هلال، ولمّا كان إيمانه ضعيفا بنى مسجداً وأسماه التوبة، حيث يقتنع صاحب "بحبك يا حمار" أن نقوده حرام، إذ تتكوّن من أموال أصحاب الخمور. المثير أن الأغنية الشعبية على تطورّها عبر التاريخ المصري، لم تكن تحمل في طياتها أيّة رسائل أخلاقية، ورغم الرفض التي واجهته في بدايتها لهدم فكرة الأصالة في الأغنية كما عانى أحمد عدوية وغيره، إلا أنهم ظلوا أحياءً بلونهم واختلافهم وبعدهم عن توجيه الرسائل أو النصح كأب.
من يتحمل الهزيمة؟
حاولت التواصل مع أوكا وأورتيجا للنقاش حول الأمر بلا جدوى. هاتفت الطبيبة النفسية منال عمر، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة والمهتمة بظواهر المجتمع المصري، لمحاولة الفهم والتحليل، حيث ترى أن مطربي المهرجانات لا ينتمون إلى صفوة المجتمع بل هم جزء من نسيج السواد الأعظم في المجتمع الذي يشعر بالهزيمة وانعدام التحقق. تقارن بين السواد الأعظم الذي كان يستمع لأم كلثوم كما يستمع الرئيس في زمن ما، والأغلبية الآن التي انكفأت على نفسها بأغاني المهرجانات بما فيها من كلمات تلامسهم ولغة تشبههم، لذا تشتغل في كل وقت وحين وبمئات الملايين من المشاهدات.
تقول الدكتورة منال إن المنهزم يبحث دائمًا عن متسبب في هزيمته وصورة المرأة نموذجية لكي يخوضون فيها. "المرأة التي تمثل معيار النماء للرجل منذ لحظة ميلاده، وهي الحياة بمختلف مراحلها ولا يستطيع التحقق بدونها. رجل بدون امرأة معطّل، ويرى مطربو المهرجانات الهزيمة في فتاة ترفض أحدهم، أو في واحدة تمتلك طموحاً يفوقهم، أو يتخيلونها نموذجاً للإغواء الذي يقودهم إلى الوقوع في الخطأ. لا يرغبون في أن يتحملوا هزيمة أخرى فينفضونها عن كاهلهم، ناحية صنف النساء عموماً." تؤكد عمر أن تكرار الأمر بشكل يبدو نمطياً يرسّخ كونه ظاهرة.
لا يمكن فصل الأغنية المصرية عن واقع مجتمعها. مجتمع ضربه التناقض في مقتل حتى بات مهللاً مفككاً وإن اصطنع التماسك، والمهرجانات وكلماتها وأصحابها ليس إلا دليلًا دامغًا على ذلك
فيما تفسّر استشارية الطب النفسي فكرة الوازع الأخلاقي بإحساس السواد الأعظم من الناس أن ثمّة شيء خاطئ في حياتهم. ما إن يمشون خطوتين، حتى يكتشفوا أن مازال أمامهم عشرة. فارق سلبي لا يمكن قياسه بين مقدار الجهد وما ينتج عن هذا الجهد لدى الأغلبية التي يمثلها مطربو المهرجانات. ما يدفع بالكلمات للبحث عن الأخلاق أو الفضائل لتعويض نقص يظنون أنّه سبباً في عدم التحقق والهزيمة. تأسف منال لحالة هذه الطبقة التي هي من المفترض أن تقود البلد لا أن تعيش تحت وطأة الهزيمة.
تتذكر الدكتورة منال كيف كان طبيعيًا أن يحصل فرد من طبقة فقيرة على منحة بالخارج، أو يمتلك بواب العمارة طموحاً لأن يصير ابنه قيمة كبيرة في المجتمع، لا أن يدفعه للعمل معه لكي يملك قوت يومه. كان أهل الهامش يحضرون حفلات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ويتحققون، فيما أهل الهامش حالياً يجدون في الإيقاع السريع للمهرجانات والرقص شيئا يتماشى والحياة القاسية، لكنهم - بحسب منال - طالما بإمكانهم الرقص فإنهم أحياء يقاومون، وما يمرون به مجرّد سوس عابر نخر طبقتهم وأفكارهم وتحققهم. "يرقصون عشوائيًا، يضحكون عشوائيًا، لا عقل يحدهم، بمسحة الجنون يمنعون تركيز الناس، ويجعلونهم يتقبلون ما يقولون في وجدان طفولي. لو غنّوا أغانيهم بشكل يحمل الوقار أو انتقلت كلماتهم لمطرب ممن ينتمي لطبقة الصفوة، سوف يحدث صراعًا مجتمعيًا كبيرًا." تنهي الدكتورة منال بلورتها لفكرة أغاني المهرجانات التي تهاجم الفتيات أو تنتني للفئة الوعظية المباشرة المتناقضة.
الأغنية ليست مجرّد دقائٍق تمضي. علاقات حب توطدّت بأغاني، ساعات من الوحدة لم تكن لتمضي بدون أم كلثوم وهي تقول "أنا في انتظارك." صباحات لم تكن تحمل صبغة رائقة لولا صوت فيروز، طرق سفر كانت ستصبح أكثر مللًا لولا عمر دياب، أوقات من التأمل في الكلمات لم تكن لتحدث لولا علي الحجار، بهجة لم تكن لتدخل للنفس من غير دقات حكيم وانطلاق عدوية وشجن حسن الأسمر. الأغنية والطرب جزء من دائرة فنون تشفي القلب العليل وتغذي الروح، وتخلد الإنسان. لا يمكن فصل الأغنية المصرية عن واقع مجتمعها. مجتمع ضربه التناقض في مقتل حتى بات مهللاً مفككاً وإن اصطنع التماسك، والمهرجانات وكلماتها وأصحابها ليس إلا دليلًا دامغًا على ذلك.