ما تعلمته خلال عملي على الفيلم الوثائقي "بالعربي"

داني من لبنان

FYI.

This story is over 5 years old.

ثقافة

ما تعلمته خلال عملي على الفيلم الوثائقي "بالعربي"

المختلف في هذا الفيلم هو أننا لم نتحدث عن ما قاله هذا السياسي أو هذا الرئيس، وبصراحة في كتير مننا مش فارقه معاه الحاجات دي حاليا‎

أول مهمة تلقيتها عندما انضممت إلى VICE عربية كانت العمل على فيلم وثائقي طويل نحكي فيه مع عدد من شباب وشابات عرب من مدن عربية مختلفة. المهمة كانت تبدو بسيطة! لكن عملياً للقيام بذلك كان علي أن أتحايل على ظروف الحرب في سوريا، وانقطاع التيار الكهربائي لمدة 18 ساعة في ليبيا، والبيروقراطية القاتلة في المغرب، والفوضى العارمة في مصر. ناهيك عن خدمة الإنترنت في الوطن العربي (بتخَري كما يقول اخوتنا في بلاد الشام) وهنا لا بد لي أن أرسل تحية خاصة لفريق التصوير في غزة الذي أقنع شركة الانترنت المحلية بزيادة سرعة التحميل لبضع ساعات فقط حتى يتمكنوا من رفع المقابلات وإرسالها لنا. شاهد النسخة الكاملة من الفيلم الوثائقي

إعلان

بعد محاولات ومناورات عديدة، فقدنا للأسف فرصة التصوير في ليبيا والمغرب لأسباب خارجة قاهرة (والله حاولنا) ولكننا تمكنا من إجراء مقابلات في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان وتونس والخليج من بين بلدان أخرى. في النهاية تمكنا من التحدث إلى 80 شاباً وشابة من 12 مدينة عربية. هؤلاء الشباب -من خلال إنفعالاتهم وتعليقاتهم المرحة أحياناً والقاسية بصراحتها في أحيان أخرى - خلقوا بطريقة ما رابطاً بيننا وبينهم، وأصبحت إجاباتهم جزءاً من لغتنا "الخاصة" في المكتب، جملة داني من لبنان "أنا زلمة عادي خي، ربينا منزوعين خي" وجدت مكاناً لها في الكثير من أحاديثنا اليومية.

سماع الشباب العرب يتحدثون عن حياتهم ويشاركون أفكارهم بصدق هو ما يجعل "بالعربي" مهماً بنظري. المختلف في هذا الوثائقي هو أننا لم نتحدث عن ما قاله هذا الرئيس أو ما فعله الملك [وبصراحة في كتير مننا مش فارقه معاه الحاجات دي حاليا] ولكن الفيلم مهم لأنه يسلط الضوء على الأفكار والتجارب اليومية للشباب العربي. وربما، هذه التجارب اليومية والعيش والتواجد في بلداننا العربية هو ما يخلق الأرضية المشتركة بيننا كشباب "عرب". لولا هذه التجارب اليومية المشتركة، فما الذي يَجمعنا كعرب؟ (ملحوظة: لا، ليس فقط الإسلام أو التحدث باللغة العربية، لأن هذا حرفيا لا ينطبق على الملايين من العرب).

محمد سائق التك تك

عندما سألت زميلتي أوس الجزائري التي عملت معي على الفيلم عن الأمور المشتركة بينها وبين الشباب العربي الذي تحدثنا معهم (أوس من أصل عراقي وانا من مصر ونحن الاثنتين في نفس عمر المشاركين في الفيلم)، أجابت بأنها تشعر بأن هؤلاء الشباب هم مثل أولاد العم البعيدين الذين لا تراهم كثيرا ولكنهم "مألوفين". فهي رأت قليلا من شخصياتهم في عائلتها، سواء روان، الفتاة الأردنية العالقة في عالم الموضة الخاص بها، أو مرتضى، الشاب العراقي ذو الحس الفكاهي السوداوي (خذ مثلاً إجابته الصريحة عندما تم سؤاله عن شعوره كعربي في عام 2017 وأجاب "شعور زي الزفت") أو الصديقين معن وتيسير من القدس الذين عبرا بسخرية محببة عن حياتهم تحت الاحتلال. أصبح هناك نوع من الارتباط العاطفي مع جميع هؤلاء الشباب وتوقِ لسماع المزيد من قصص الشباب العربي مثلنا (اعتقد لو كنا عايشين في نفس البلد كنا حنكون اصحاب).

إعلان

أصبح هناك نوع من الارتباط العاطفي مع جميع هؤلاء الشباب (اعتقد لو كنا عايشين في نفس البلد كنا حنكون أصحاب)

تحدثنا مع الشباب العربي عن الكثير من التفاصيل الحياتية، ولكن كانت إجابات الشباب حول المال ونظرتهم إلى بلادهم من أكثر المواضيع إثارة للاهتمام بالنسبة لي، لأنه بغض النظر عن مكان وجود شخص ما، أو من هُم، لدينا جميعاً صراعات مماثلة لكسب لقمة العيش والاستقلال وتحقيق طموحاتنا أو مجرد العثور على هدف. أوس أيضا أشارت إلى أن الخوف من الفشل هو قضية متكررة ظهرت في إجابات عدد من الشباب من مدن مختلفة والذين عبروا عن قلقهم من صورتهم أمام أهلهم وأصدقائهم وحتى في مدى صراحة إجاباتهم. إجابة صدام من الأردن قد تكون أفضل تعبير عن هذا الواقع، عندما تم سؤاله عن أكبر مخاوفه كانت إجابته بسيطة وواقعية بنفس الوقت "أكبر خوف بالنسبة لي ارجع للنقطة التي بلشت (بدأت) فيها." من الواضح أنه لا يزال هناك الكثير من الضغوط الثقافية على الشباب في المنطقة للنجاح وتحقيق شيء ما، كما تقول أوس: "الجميع يريد إرث ما وراءهم، أو أن يكون شخصاً ما. ولكنهم بنفس الوقت يدركون التحديات في البيئة التي يعيشون فيها والتي لا تسمح لهم بالازدهار بسبب المحسوبية والفساد، والواسطة أو مجرد نقص الفرص."

لقطة من الفيلم أثناء التصوير في لبنان

الحديث عن الحب والعلاقات العاطفية أيضاً لم يخلو من إجابات عميقة جعلتني أفكر بتعريفي الخاص للحب. ما هو تعريف الشباب العربي للحب؟ الإجابات قد تفاجئك، فالحب هو بالنسبة لهم أكثر من تقليب الصور على "تيندر" لساعات أثناء مشاهدة التلفزيون (أو في الحمام لا مؤاخذة). فاجأني البعض بإجابات مدروسة حول معنى الحب، مع إصرارهم على التأكيد بأن الحب ضرورة للعيش، وليس مجرد علاقة حصرية بين اثنين، كإجابة فخري من تونس بأن الحب "كلمة صغيرة لكن معناها كبير. الحب مش معناه اننا نفرض إن كل حب بين رجل وامرأة أو شاب وشابة… الحب هو حاجة موجودة في حياتنا يلزم الحب يكون موجود."

ومن الحب إلى الحرب، شكلت سوريا، بالنسبة لي ولـ أوس حالة خاصة. خلال السنوات الماضية، كنا نرى سوريا تغرق في ثقب أسود من التقارير الإخبارية عن الحرب والخطر والدمار، مما جعلنا لا نرى حياة الشباب السوريين في أي منظور آخر. ليس هناك أدنى شك أنه بالنسبة للكثيرين الحياة هناك تتعلق فقط بالبقاء على قيد الحياة، ولكن حتى في أكثر الأماكن التي دُمرت مثل دوما حيث الخطر اليومي ما يزال جزءً من حياة الناس، التقينا شباب سوريين لديهم إصرار على عيش حياة طبيعية من خلال التعلم والتفوق وتنمية مهاراتهم رغم أي شيء.

دانه من سوريا

العمل على هذا الفيلم كانت تجربة مختلفة بجميع التفاصيل، أخرجتني من عزلتي النابعة من واقعي الخاص إلى واقع مشترك بيني وبين الكثير من الشباب الذي يَمر بتفاصيل يومية مشابهة رغم اختلاف المكان أو الثقافة. استمتعت بالتعرف على واقع جيراني وكل من حولي في المنطقه مرةً أخرى. وعلى الرغم من أن تصوير فيلم يشمل عدد من الدول العربية لم يكن سهلاً بأي شكل، إلا أنني أود أن أقوم بالعمل على هذا الفيلم مرة أخرى، أود أن أعود إلى جميع البلدان التي تحدثنا إلى شبابها، ولكن أيضا إلى تلك البلدان التي لم نتمكن من سماع أصوات شبابها بسبب الكثير من التحديات سواء المشاكل الأمنية وإمكانية الوصول وضعف البنية التحتية والرقابة. أعرف أن كل من عمل في الفيلم يشاطرني هذا الشعور، جميعنا نرغب بالقيام بالمزيد والوصول إلى عدد أكبر من الشباب في 22 بلداً عربياً. هناك الكثير من الأمور التي تحدث في هذا العالم العربي الضخم والكبير، حاولنا بجهد أن لا نحصر أنفسنا في دوائرنا الخاصة، ونحن نعلم أن هناك الكثير من الروايات والقصص والأمور التي تحدث في أماكن أخرى مثل اليمن وليبيا والسودان وموريتانيا، وغيرها. نحن نعدكم بمقابلتكم أنتم أيضا قريباً وسَنلم شمل الأسرة مجدداً يا أولاد العم.