Lovev-1

مريم علي العميرة

علاقات

هل قتل جيل الألفية الحُب؟

الحُب لن يقدّم لي شيئاً، سوى قلب مكسور أو رجل سيعتقد أنني ملكه
غوى أبي حيدر
Beirut, LB

تنصحني طبيبتي النفسية أن أترك كل محاولاتي في إيجاد الحُب، وأن أقع بحب نفسي وأتقبّل الوحدة، وألّا أبحث عن طرق لدفنها. هناك تركيز كبير على حب النفس، ليس فقط من طبيبتي النفسية، إنما من الجميع. وكأنّ الحب، حب شخص آخر، أصبح من الماضي، وينظر إليه بمثابة المدمر الأول للصحة العقلية والعاطفية. انتقلنا من زمن الكتب التي تساعدك على التعامل مع الشريك إلى كتب تساعدك على حب نفسك. ولكن هل يعني هذا أن جيل الألفية، وأنا منه، أصبح لا يرى أي قيمة للحُب؟

إعلان

تشير بعض الدراسات إلى أن واحدة من المشاكل المرتبطة بالحب وجيل الألفية تتعلق بكثرة الخيارات. بحسب الكاتب والمؤلف تي تاشيرو يعاني جيل الألفية من ما يمكن وصفه بـ"ظلم الحرية" فهناك الكثير من الخيارات مما يجعل الإختيار أصعب. يشير تاشيرو أيضاً إلى أن حوالي 67% من أفراد هذا الجيل شاهد والداه ينفصل، ولهذا ففكرة الحب لم تعد مرتبطة بالرومانسية بل أيضاً بألم الانفصال ومنطق الاستثمار في علاقات لن تستمر بالضرورة.

هناك قمع يمارس على النساء تحت مُسمى الحُب، وغالباً ما يفرض الرجل ذكوريته بحجة أنّه يحبها ويحميها

هذا صحيح لحد كبير، فجيل الألفية، لم يعد يرى الانفصال أو الطلاق بذات الصورة السلبية التي تربى عليها أهلنا مثلاً، ولم يعد السكوت عن الشريك السيئ أمراً مقبولاً. كما لعبت النسوية دوراً مهماً في تغيير نظرتنا لما يعنيه الحُب. بطريقة أو بأخرى، ربط جيل الألفية ما بين الحب وعدم الاستقلالية أو إمكانية التبعية للرجل، كما تخبرني سارة، 22 عاماً، طالبة جامعية، من السعودية: "أفضل أن أبقى من دون حب إن كان الخيار الآخر هو العيش تحت سلطة رجل آخر غير والدي. يمكنني العيش مع مسلسلاتي، حرة ومستقلة، لا أحتاج إلى رجل يتحكم بي، لا أريده."

جنى، 25 عاماً، من لبنان تقول أنّ أول شخص وقعت بحبه منعها من أن تكمل مسيرتها في التمثيل، فاختارت أن تنفصل عنه: "رغم أنّ الانفصال كان صعباً ومؤلماً، إلّا أنّني إكتشفت أنني أحب التمثيل أكثر من أي شيء. اخترت عدم الوقوع بالحب، ليس لأنّني لا أؤمن به، إنما خوفاً من أن أعيد تجربة القلب المكسور، والأهم خوفاً من أن أخسر مهنتي، من الصعب أن أجد شخصاً يمكنني أن أثق أنّه سيتقبلني كما أنا."

منى، من مصر، 24 عاماً، صانعة محتوى، تقول أنّها لا تبحث عن الحب لأنّها ترغب بالتركيز على أمور أخرى: "الحب لن يقدّم لي شيئاً، سوى قلب مكسور أو رجل سيعتقد أنني ملكه بإسم الحب. العمل والعلم يقدمان لي المال، ووسيلة للعيش تجعلني مستقلة. أنا أركّز عليهما، ولا يوجد لدي أي رغبة بأن أقع بالحب أو الدخول في علاقة."

إعلان

يفضل جيل الألفية -نساءً ورجالاً- العلاقات الجنسية العابرة بدلاً من تلك التي تفرض علينا "الكوميتمنت" أو الالتزام مع شريك واحد

هل يبدو ذلك منطقياً؟ تحدثت مع غنى الأنداري، والتي تعمل كعاملة اجتماعية في جمعيات معنية بحقوق المرأة، والتي تخبرني أن ربط الحب بعدم الاستقلالية مبرر: "هناك دائماً ضغط على المرأة لإيجاد شريك مثالي، رجل يحبّها، حتى يصبح أولوية الفتاة هو البحث عن الحب. هناك قمع يمارس على النساء تحت مُسمى الحب، وغالباً ما يفرض الرجل ذكوريته بحجة أنّه يحبها ويحميها، وهكذا تظن المرأة أنّ الأمر طبيعي، وتخضع لذلك ظناً منها أنّ الدافع الأول هو الحُب. كما أنّ هناك تجميل للعلاقات الغرامية، وبرأيي هذه العلاقات ستموت وهي مؤقتة، فنبني آمالنا على ما هو مؤقت. فكرة الحُب برأيي غير موجودة وغير منطقية، والحب يكسر حاجزنا وخصوصيتنا، وهذا لأنّ هناك تفكير عام أنّه يُبنى بهذه الطريقة."

الأمر مختلف بحالة محمد، 31 عاماً، موظف، والذي أصبح يرى الحب بطريقة مختلفة بعد حادثة خاصة جداً: "بعد علاقة دامت سنوات، استيقظت يوماً وشعرت أنني لم أعد أشعر بأي شيء تجاه حبيبتي، لا شيء" ويضيف: "بعد انفصالي عنها، توقفت عن رؤية أي قيمة في الحب، وما عدت أؤمن به حتى."

على الجانب الآخر، يرى مصطفى، 25 عاماً، طالب جامعي، أنّ الحب (كحاجة وطريقة للتكاثر) لم يعد له قيمة لأنّ الجنس أصبح متاحاً أكثر من قبل ويضيف: "يفضل جيل الألفية -نساءً ورجالاً- العلاقات العابرة بدلاً من تلك التي تفرض علينا "الكوميتمنت" أو الالتزام مع شريك واحد. إن كان الجنس متوفراً، لسنا بحاجة إلى أكثر من ذلك." جوليانا، 27 عاماً، مديرة محتوى، تتفق مع مصطفى وتشير إلى أن التغييرات في شكل العلاقات أثر على مفهوم الحب المرتبط بشخص واحد وحيد: "ما هو معروف بالـ Monogamy أو الشريك الواحد لم يعد أمراً طبيعياً، بل نتجه اليوم نحو الـ polyamory بمعنى علاقات مع أكثر من شريك." وتضيف: "جيل الألفية يقرأ ويبحث ويسأل ويجادل، وتمكن من أن يُكوّن فكراَ منطقياً أكثر من الجيل الذي سبقه ولهذا لم يعد الحب مهماً بالنسبة إلينا. أصبحنا اليوم نشبه الآلة ونفكر بمنطقها، ولهذا نحاول قدر الإمكان الابتعاد عن مشاعرنا، فلا يوجد أي تفسير منطقي للشعور بالحب أو وضعه في محل أهمية."

يخاف شباب اليوم أن تكون التجارب والعلاقات التي عاشوها متشابهة، ولذلك في حال إختاروا الدخول في علاقة جدية مبينة على الحب والمشاعر، يتصرفون بحذر مفرط ما يؤدي إلى فشلها

هل يعني هذا أن الحُب مات؟ الدكتور خالد ناصر، أخصائي في "علاج الأزواج والصدمات النفسية" من بيروت، لا يعتقد ذلك ولكنه يربط بين رفض الحب والحذر المفرط: "جيل الألفية يدرك تماماً معنى أن تختار أن تكون في علاقة، لهذا يفضل معظمهم العلاقات القصيرة والسريعة. من جانب آخر، يخاف شباب اليوم أن تكون التجارب والعلاقات التي عاشوها متشابهة، ولذلك في حال إختاروا الدخول في علاقة جدية مبينة على الحب والمشاعر، يتصرفون بحذر مفرط ما يؤدي، في أحيان كثيرة، إلى فشلها."

كثرة الخيارات، الاستغلال تحت مسمّى الحب، التجارب الفاشلة، وطبعاً، تفكيرنا الذي أصبح يتّجه نحو المنطق ويرفض الصورة الرومانسية الجميلة التي خلقتها الأفلام. كل هذه قد تكون أسباب لالغاء الحب. ولكن برأيي، الحب موجود وسيبقى. وأرى أن شعبية تطبيقات المواعدة تثبت أنّنا بالفعل نبحث عن الحب. فكما يبدو نحن نهرب منه إليه.