لبنان

صوت الموسيقى يعلو على قرارات المنع في لبنان

47 فنانًا يتضامنون مع "مشروع ليلى" في حفل موسيقي
IMG_0311

التقطت جميع الصور بواسطة حسين بيضون

مئات الشباب يملؤون قاعة ضخمة في وسط بيروت، ومثلهم تقريباً يقفون على بابها رافعين أعلامهم ولافتاتهم يصرخون ويصفقون بحماس شديد لكل كلمة تضامن تُقال فوق خشبة المسرح. هكذا بدا الوضع بقاعة أريسكو بالاس في الحفل المجاني الذي أُقيم في نفس موعد حفل مشروع ليلى الذي كان مُقرراً إقامته ضمن "مهرجانات بيبلوس الدولية" في الوقت ذاته، قبل أن يتم إلغاء مشاركة الفريق اللبناني من قبل منظمي المهرجان بعد اتهامات من قيادات مسيحية للفرقة بإهانة المقدسات الدينية باسم الفن، لينطلق حفل التضامن مع "مشروع ليلى" تحت شعار "صوت الموسيقى أعلى".

إعلان

لم يكن الأمر مجرد حفل موسيقي ضخم تبرع خلاله 47 فنانًا مغني وملحن وكوميديًا بفرقهم الموسيقية للمشاركة مجاناً فحسب، وإنما كان أشبه بمحاكمة لكل ما يمر به لبنان من أزمات سياسية واجتماعية وطائفية، فكل القضايا كانت حاضرة بداية من حقوق اللاجئين الفلسطينيين مرورًا بأوضاع السوريين، وليس آخرهم رفض الطائفية السياسية وقمع الحريات، وعلى خشبة المسرح أصّر كل فنان على بث رسائل التضامن مع الفرقة الممنوعة من الغناء والفئات الممنوعة من الحياة والمشاركة السياسية وكبت الحريات.

1565480064519-IMG_0878

"اجتمعنا اليوم للقول إنّ القمع ليس مشروعًا وصوت الموسيقى أعلى، اجتمعنا اليوم لأن بالأمس اجتمع نظام بأكمله على فرقة موسيقية، تجيّشت العصبيات، تدخّلت الأجهزة، استنفرت الأبواق، بات الأسلوب واضح وأصبح النظام بسببه أوضح. الكراهية هي عنوان هذا النظام، القمع هو أسلوبه، الإقصاء هو منطقه" بتلك الكلمات استهل المغني والفنان بديع أبو شقرة كلمته على خشبة المسرح، مضيفًا: "منع مشروع ليلى ليس غلطة أو استثناء، المنع أصبح قاعدة النظام الحاكم. لم نأتِ للتضامن مع الفرقة، أتينا للدفاع عن حريتنا وحرية التعبير في كافة أشكالها. اليوم "مشروع ليلى" وغدًا أو بعد غد أنتم وبعد ذلك نحن. ندافع عن مشروع ليلى اليوم حتى ندافع عنكم لاحقاً غداً".

وفي تصريحات لـ "VICE عربية" يقول بديع: "جئت اليوم لحفل صوت الموسيقى أعلى لأدافع عن نفسي وعن حقوقي وحريتي كفنان وكمواطن وكإنسان، أدافع عن حريتي في أن أقول ما أريد وأن أقول ما أريده بالفن وفي الفن وأن أعبر عن آرائي بدون خوف وبدون حكم مسبق، فالبلد الذي يكون فيه الفن حراً هو بلد راقي وغير ذلك يكون بلداً متخلفاً".

لم يكن الحضور وحده هو المدهش في حفل أمس، لقد كان عدد المتطوعين في التنظيم هو الأكثر دهشة، فعشرات الشباب من الجنسين وقفوا قبل الحفل بساعات لإعداد وترتيب المكان لاستقبال المشهد المدهش. "جئت متطوعة وداعمة للحفل ولمشروع ليلى ولحرية الفن والتعبير وللوقوف في وجه تدخل السلطات السياسية والدينية في حريتنا، فنحن نواجه قمعاً كاملاً للإنسان وأفكاره متجهين نحو قمع عشوائي لن نقبل به"، تقول ندى نصيف (30 عامًا)، إحدى المتطوعات في تنظيم الحفل، وتُكمل: "يجب أن نتضامن جميعاً في مواجهة القوى الرجعية التي تُريد أن تُقيد حرياتنا تحت اتهامات مطاطة مثل مسبة الأديان، تلك الاتهامات التي يمكن استغلالها بأسوأ استغلال وتفتح الباب للسلطة الدينية لكبت حريتنا".

إعلان
1565480196839-IMG_0703

لم يغب صاحب أغنية "الوضع الإقليمي" عن الحفل بل أصّر أن يكون أول من يشدوا بالغناء تضامنًا مع حرية الغناء، إضافة لاشتراكه في الفكرة بذاتها، فيقول المغني والملحن اللبناني زياد سحاب (37 عامًا) :"قررت المشاركة مباشرة بعد إلغاء حفل مشروع ليلى وتمت عدة اتصالات بيني وبين مجموعة نشطاء اعتدنا التواصل والتحرك في مواضيع عامة كثيرة، جئت للتصدي للطبقة السياسية بكل ما يمكنني المشاركة به وأفضل ما يمكنني وهو الغناء والموسيقى، جئت رفضًا لتدخل السلطة الدينية في الأعمال الفنية لأن هذا الأمر لو تم تكريسه في لبنان سيأخذنا إلى مكان بالغ الخطورة، فلو أن كل مجموعة دينية اعترضت على أعمال فنية سنصير إلى منع كامل للأعمال الفنية ولقدرة الفنان على الإبداع، فحرية التعبير ليست وحدها التي في خطر وإنما لبنان بأكمله في خطر على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهذا المشهد الذي نراه هو امتداد للحالة السياسية في البلد والتي لا أرى لحلها أفق في المدى المنظور."

ويُكمل سحّاب قائلاً: "يُنظر إلى لبنان على أنه بقعة ديمقراطية بالمنطقة وهو ما أراه وهم بسبب هوامش الحرية التي بين تعدد الدكتاتورية، فخلاف الدول من حولنا التي بها ديكتاتور واحد، عندنا بكل مذهب ديكتاتور أو اثنين، وبالتالي هو ما خلق بعض الهوامش بينهم والذي يوحي بوجود ديمقراطية، ولكن الديمقراطية إذا لم تمتلك القدرة الفعلية على التغيير وإنتاج طبقة سياسية جديدة بقوانين انتخابية عادلة فهي ليست ديمقراطية".

كان المشهد في الحفل بالغ التنوع، جاء الجميع حاملاً رسالته معه للسلطات وأصحاب النفوذ، فهناك من رفع أعلام فلسطين وآخرين يحملون أعلام مجتمع الميم، وغيرهم رفعوا لافتة تُطالب بالحقوق الكاملة للاجئين، فلقد رأى بعض المشاركين أن هذا الحفل ربما يكون خطاباً مفتوحاً للزعماء والقادة في لبنان أن للحقوق مواطنين لا يزالون مُصرين على الدفاع عنها، تقول صفاء أبو ذياب، (25 عامًا)، إحدى المشاركات في الحفل "أرى أن هذا الحفل ربما يكون بداية مثمرة لوطن نستطيع أن نعيش فيه، فأنا لا أرى شيئاً يسير في اتجاهه الصحيح في هذا البلد، والآن نحاول تصحيح أخطاء غيرنا".

إعلان
1565480257521-IMG_0732

"ليس بالحفل وحده نستطيع مواجهة القمع، لكنه خطوة من سلسلة طويلة نستطيع بها مواجهته، فمعركة الوعي معركة طويلة، ذلك الوعي الذي أنتج هذه السلطات السياسية والدينية يحتاج لجهد كبير لتغييره، وربما يتسبب هذا الحفل في تعنت هذه السلطات ولكني أرى أنه لا مفر من المواجهة." تُضيف صفاء.

8500 دولار، كانت هي تكلفة الحفل المبدئية التي حددها المنظمون في حملة تبرعات امتدت لثلاثة أيام، ولقد أراد المنظمون أن يتحمل أصحاب القضية التكلفة دون طلب دعم أو تمويل من أي جهة وفق ما قيل من المنظمين على خشبة المسرح. "اليوم جئنا لنقول بأن صوت الموسيقى أعلى من صوت القمع، لذلك اخترنا نفس توقيت الحفلة المُلغاة لنقول أن ما يحدث في لبنان غير مقبول ولن نسمح به، فخلال عام واحد تم توثيق قرابة خمسين حالة قمح للحريات، ولكن الخطير فيما حدث مع مشروع ليلى أن القضاء بدلاً من أن يتدخل لحماية الفرقة التي تم استهدافها بوابل من الافتراءات والحملات الإلكترونية التي وقف خلفها بعض القوى السياسية اُحلت خلالها دم أعضائها قام باستدعائهم والتحقيق معهم والأخطر أنه - أي القضاء - أحالهم إلى السلطة الدينية، كأن المطلوب من الناس هو الاستسلام لما يُفرض عليهم وما يُسمح لهم من هوامش حرية تضيق وتتسع وفق لأهواء هؤلاء، وهذا ما نرفضه حتى بكل شكل ممكن." يقول علاء صايغ (31 عامًا)، أحد منظمي الحفل.

وفيما يلي مشاهد مختلفة التقطت بواسطة المصور حسين بيضون:

1565480279410-IMG_0264
1565480295806-IMG_0350
1565480311368-IMG_0394
1565480357018-IMG_0474
1565480372755-IMG_0496
1565480414115-IMG_0513
1565480430071-IMG_0546
1565480445438-IMG_0583
1565480481434-IMG_0776
1565480500319-IMG_0806
1565480515102-IMG_0820