FYI.

This story is over 5 years old.

شباب

إدمان المراهنات الإلكترونية ينتشر بين شباب تونس

الرهان على نتائج مباريات كرة القدم يشغل فراغ الشباب المتعطلين عن العمل، ويهدد استقرار غير المتعطلين
Vice Arabia Picture 1

واجهة موقع Planet Win 365 المتخصص في المراهنات الإلكترونية

يبدو البناء للوهلة الأولى محلاً لألعاب الفيديو ولا شيء يوحي أنّه يضمّ نشاطًا ممنوعًا. لكن بضع خطوات إلى الداخل كفيلة بأن تدرك أنّ الجلبة التي تعمّ المكان والقصاصات المتطايرة هنا وهناك ليست لرواد تقليديين من الشباب التونسي تستهويهم ألعاب الفيديو، بل لشباب أغرتهم التكنولوجيا لممارسة الرهان الإلكتروني.

التقيت عاطف السالمي (29 سنة)، خريج إحدى الجامعات التونسية، وأحد الزبائن الدائمين للمحل: "منذ حصولي على الإجازة في الجغرافيا منذ خمس سنوات، لم أفلح في إيجاد عمل مناسب وهو ما دفعني إلى إدمان الرهانات الالكترونية فقد يكون حظي فيها أفضل من مختلف المجالات التي فشلت فيها فشلاً ذريعاً"، هكذا يلخص الأمر، ويتفق معه رامز. ر (32 سنة) مع اختلاف بسيط، أنه ليس عاطلًا عن العمل، وإنما يشتغل بإحدى الدوائر الحكوميّة.

إعلان

يبرر رمزي الأمر بالقول: "الراتب صار عاجزًا عن تغطية احتياجاتي المتزايدة في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتدهور قيمة الدينار التونسي الذي نزل إلى الحضيض." ويضيف: "أخصّص ثلث راتبي تقريبًا للرهانات الالكترونية، وتمكنت الأسبوع الماضي من ربح 2000 دولار للمرة الأولى مرة منذ دخولي هذا المجال قبل سنة."

ينتشر في تونس أكثر من 1500 محل للمراهنات الإلكترونية غير المرخصة، يتكون أغلبها من بضعة حواسيب يستعملها الزبائن للنفاذ على مواقع المراهنة الرياضية.

يعترف رمزي أنّ تأنيب الضمير يراوده أحيانًا حول تحريم الرهان دينيّا لكنّه يرى أنّ شغفه باللعبة لا حدود له لأنّها تشعل جانب التحدي في الإنسان، وفق تعبيره. وتُتيح هذه المواقع المراهنة على جميع الرياضات في مختلف أصقاع المعمورة بما في ذلك الرياضات الإلكترونية والافتراضية، وصُمّمت بإحكام لإغراء المراهنين لوضع أكبر مبلغ ممكن لتعزيز فرصهم في الربح.

يُنهي رمزي حديثه إلينا ثم يتقدم إلى صاحب المحل الجالس أمام شاشة حاسوبه ويقدم له قصاصة تضم تكهناته لنتائج مباريات كرة القدم في الدوري التونسي دون أن ينبس ببنت شفة ، فلا داعي للكلام بينهما لأن هذا الموقف يتكرر يوميًا. يبتسم الرجل بعد أن يقوم بعملية حسابية على حاسوبه ويستخرج وثيقة من آلة الطباعة المرتبطة بجهازه، و يرجعها إلى صاحبها الذي يتسلم ورقة تضمّ مختلف تكهناته يتذيلها مبلغ مالي ضخم بالعملة الأجنبية، تلمع له عينا الشاب وتفصحان عن أمل في أن تصيب توقعاته هدفها.

1543147956652-shutterstock_editorial_9254119d_huge

قصاصات الرهان الإلكتروني - شترستوك

ينتشر في تونس أكثر من 1500 محل للمراهنات الإلكترونية غير المرخصة، يتكون أغلبها من بضعة حواسيب يستعملها الزبائن للنفاذ على مواقع المراهنة الرياضية فتمنحهم الأخيرة رمزًا من 4 أرقام لاختياراتهم، ثم يقوم اللاعبون إثرها بدفع مبلغ يختلف حسب قيمة الرهان إلى صاحب المحل الذي يسلمهم وثيقة لإثبات أحقيتهم في المبلغ عند الفوز.

إعلان

لا تحتاج إلى عيّنات أخرى لتكتشف أنّ أحلام الثراء السريع قد جعلت قسمًا كبيرًا من الشباب التونسيّ فريسة لإدمان الرهان الإلكتروني ، وأضحى موقع المراهنات الشهير بلانات وين (Planet Win) ضمن أكثر خمس مواقع تصفّحًا في تونس. تأثير هذا الإدمان لم يقتصر على الشباب، بل تجاوزه ليشمل المحيط العائلي مساهمًا في تكدير صفو بعض العائلات جراء الخلافات التي تنشب على إثره بين الأزواج.

تُشير بيانات رسميّة إلى أنّ معدلات البطالة في تونس تجاوزت 15.5%، مع تراجع قدرة سوق العمل عن استيعاب قسم كبير من الخريجين الجدد من الجامعات التونسية.

إيمان. ب (25 سنة) واحدة من هؤلاء، إذ اكتشفت أنّ إدمان زوجها على الرهانات الإلكترونية قد عجّل بطلاقها من زوجها، بعد أن "باع بعضًا من أثاث المنزل لتمويل مراهناته التي لا تنتهي". وعلى الرغم من مرور ستّة أشهر من انفصالهما، مازالت إيمان تلعن المراهنات الالكترونية التي حطّمت حياتها وحولت زوجها السابق إلى شبح لذلك الشاب الذي تحدّت عائلتها في سبيل الارتباط به.

ولأنّ الدولة تستفيق عادة عندما يتم المساس بمواردها المالية فقط ولا تكترث لغير ذلك، شنّت السلطات التونسية حملات أمنية مستمرة لإغلاق محلات "الرهانات الإلكترونية" عندما اكتشف مسؤولو وزارة المالية أنّ أموالاً طائلة يقع تداولها خارج الأطر القانونية، خصوصًا أنّ عمليات المراهنة تتمّ في معظم الأحيان بالعملة الأجنبية التي ينضب مخزونها في أرصدة البنك المركزي التونسيّ.

يقول سالم. ت، أحد أصحاب محلات المراهنات: "لا أعتقد أنّ الحلول الأمنية ستؤدي إلى نتيجة ملموسة، بل يجب العمل على تقنين عملنا لتوفير موارد إضافية للدولة". يرى سالم أنّ نشاطه ليس بالسوء الذي يبدو عليه الأمر، خاصة ما يتعلق بالاتهامات الحكومية: "معظم ما يروّج عن مواقع الرهانات الالكترونية خاطئ لأنّ الأموال الموظفة لإنجاز مختلف العمليات تأتي من الخارج ولا علاقة لها بتجارة العملة من قريب ولا من بعيد"، لكن جاسر الدريدي (23 سنة)، أحد رواد محال المراهنات ينفي صحة ذلك، معتبرًا أن أصحاب محلات المراهنات " يأكلون مع الذّئب ويبكون مع الراعي؛ فهم يبيعون قصاصات المراهنات بثلاثة أضعاف ثمنها ويأخذون نسبة من الرابحين."

إعلان

ويردف جاسر: "استطاع صاحب هذا المحل اقتناء سيارة خلال سنة من نشاطه (غير المرخص)، ولكن الأسوأ أن شباب المدينة لم يتخلّص من هذا الإدمان الذي سلبهم أموالهم وعمّق مأساتهم. تخلّص جاسر بمعجزة من ادمانه على المراهنات الالكترونية، التي استحوذت حتّى الأمس القريب على معظم دخله المتأتي من عمله في بيع الخضر و الغلال.

أمّا مازن بسنون (28 سنة) فيعتبر أنّ أخطر تأثيرات المراهنات الالكترونية "تسبّبها في صدمات عصبية حادة للخاسر قد تصل إلى حد التفكير في الانتحار"، لافتًا إلى أنّ انتشار هذه الممارسات بشكل غير مسبوق" يتغذّى أساسًا من نسب البطالة العالية للشباب ومحدودية قدرتهم على الاندماج في سوق العمل".

وتُشير بيانات رسميّة حديثة نشرها المعهد الوطني للإحصاء إلى أنّ معدلات البطالة في تونس تجاوزت 15.5%. كما أضحت سوق الشغل المحلية عاجزة عن استيعاب قسم كبير من الخريجين الجدد من الجامعات التونسية والبالغ عددهم قرابة 80 ألف خريج سنويًّا.

تغيّرت المعادلات الاقتصادية و الاجتماعية كثيرًا في تونس، ولم يعد الحصول على شهادة جامعية ضمان لوظيفة مناسبة. حتّى أنّ العمل ببعض الشهائد لاختصاصات - اعتُبرت صعبة الإدماج - صار استثناء وليس قاعدة. هذه البيئة وفّرت أرضية ملائمة لازدهار تجارة الوهم و الثراء السريع وجعلت أحلام الشباب الوردية رهينة هدف يسجله فريق أو كرة ضلّت طريقها إلى المرمى.