حُلم ارتداء الفستان في مصر: ملابس حبيسة الخِزانة ومُتحرشُون طُلقاء

FYI.

This story is over 5 years old.

مرأة

حُلم ارتداء الفستان في مصر: ملابس حبيسة الخِزانة ومُتحرشُون طُلقاء

"اليوم الذي أرتدي فيه جيب تحت الركبة لا يمر دون أن سمع تعليقات بشعة لا تنقطع، فما بالك لو كان فستان، خاصة لو قصير أو دون أكمام"

في زمن فات كانت الفساتين في مصر حرة، ترى الشمس، تقود الدراجات، تتهادى على الكورنيش وتتبخطر في شوارع وسط القاهرة، قبل أن يقبض عليها وتبارح الخزانات في حبس انفرادي، بتهمة "الخوف من التحرش"، في الوقت الذي يتحرك فيه المتحرشون بأريحية في الشوارع.

تغيرت مصر وأصبحت فتياتها غير قادرات على ارتداء الفساتين بحرية، وحتى وإن كانت محتشمة بمعايير المجتمع، وعوضًا عن ذلك أصبحن يكتفين بشرائها، والفرجة عليها في الخزانات، ورفع الغبار عنها بين الحين والآخر، وربما التقاط صورة بإحداها- لن ترى النور- على أمل أن تسمح الظروف في يوم ما بأن يعيشن تجربة طالما أردنها، دون أن يدفعن ثمنها غاليًا.

إعلان

فراشة حبيسة

لا تمل تسنيم جمال (24 عامًا)، مندوبة مبيعات طبية، من شراء الفساتين التي يمنحها ارتدائها إحساسًا يشبه الطيران: "أشعر بالفستان أنني خفيفة ولا ألمس الأرض"، إلا أن فرحتها بها تقتصر على حدود غرفتها "المجتمع يفرض علينا مظهرًا معينًا، وحتى إن لم أكن محجبة كنت سأخاف أن أنزل بالفستان، لأن الشارع لم يعد آمناً".

تسنيم جمال

تتعرض أكثر من 70% من النساء في مصر للتحرش في الشوارع والميادين والمواصلات العامة، بحسب تقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان عام 2012. وذكرت دراسة أصدرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2013 أن 99% من المصريات تعرضن لنوع من التحرش.

عشق الفتيات للفساتين لا يحتاج إلى تبرير كما تقول تسنيم، "الفطرة أننا ولدنا كبنات نحب الفساتين حتى ونحن صغار كنا نفصل الفساتين للعرائس". تتذكر من بين كل الفساتين التي لاتزال حبيسة خزانتها فستان مزدان بالزهور: "شعرت عند قياسه بأنني أشبه سعاد حسني وهي تغني الدنيا ربيع والجو بديع، وكان شكلي فيه يشبه الفراشة، حرة وجميلة لكن للأسف لم أستطع ارتدائه مطلقا خارج المنزل".

رضوى طنطاوي

أما رضوى طنطاوي (26 عامًا)، مهندسة، فتبتاع الفساتين لترتديها أسبوعًا واحدًا في السنة حين تسافر إلى المصيف، على عكس والدتها التي كانت قبل ما يزيد عن 30 عامًا ترتدي الفساتين وتسير بها في كل مكان، لكنها لا تمتلك نفس الجرأة اليوم لأن "المجتمع تغير والبنت إذا ارتدت فستان يمكن أن تتعرض للمضايقات أو حتى لنظرات استهجان من الرجال ومن النساء الأكبر سنًا لأن المجتمع لم يعد لديه قبول لسير الفتيات في الشارع بالفساتين".

القانون لا يحمي أحد

وكان الرئيس المصري السابق، عدلي منصور (حكم لفترة انتقالية بين عامي 2013 - 2014 أصدر قرارًا بقانون، في يونيو 2014، بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، لتوسيع تعريف جريمة التحرش وتغليظ العقوبة على من تثبت إدانته بها، لتنص المادة (306 مكرر أ) من قانون العقوبات على معاقبة المتحرش بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، إلا أن رضوى لا تعول كثيرًا على القانون في حماية الفتيات "حين تلجأ الفتاة لأخذ حقها بالقانون تٌلام من الكل أو تتعرض للتهديد، ولا يمكن أن أنسى حادثة الفتاة التي سجنت متحرش فشوه وجهها بسلاح أبيض بعد خروجه".

إعلان

فستان أحلام رضوى وردي قصير ابتاعته من محل بمصر الجديدة قبل 4 سنوات ولم تكن تعرف وقتها إن كانت ستتمكن من ارتدائه أمام الآخرين، وفعلتها مرة واحدة قبل عام في حفلة عائلية سبقت زفافها (الحنة)، واقتصرت على صديقاتها وقريباتها فقط.

فستان أحلام رضوى

وترى فيولا فهمي، الفتاة الثلاثينية، إن ارتداء الفساتين ربما يكون مقبولاً في بعض المناطق الراقية كالزمالك ومصر الجديدة، لكنه من رابع المستحيلات في المناطق الشعبية والمزدحمة، ورغم أنها تتحرك في نطاق هذه المناطق المحرمة إلا أنها كلما أعجبها فستان في فاترينة العرض اشترته ووضعته بجوار سابقيه في خزانتها، "مبحرمش"، فهي تأمل أن تسافر يوما خارج مصر وتستطيع ارتداء ما يحلو لها دون خوف.

فيولا فهمي

وتصف فستان أحلامها بأنه برتقالي اللون، بدون أكمام وتزين صدره فيروزة، اشترته قبل 3 سنوات من محل تركي وارتدته مرة وحيدة في سهرة بإحدى البواخر النيلية ومن يومها وهو حبيس الخزانة، يجذبها لونه الزاهي كلما فتحتها، تتلمسه وهي تسأل نفسها "معقول أنني لن أستطيع ارتدائه مرة ثانية؟".

فستان أحلام فيولا

استعدادات خاصة

في حين تقول مي الشامي (28 عامًا)، صحفية، إن ارتداء الفساتين في الشارع مخاطرة لا تجرؤ عليها "اليوم الذي أرتدي فيه جيب تحت الركبة لا يمر دون أن سمع تعليقات بشعة لا تنقطع، فما بالك لو كان فستان، خاصة لو قصير أو دون أكمام".

مي الشامي

وهناك بعض الفساتين التي لا ترتديها مي نهائيًا في مصر "زوجي يطلب مني عدم ارتداء بعض الفساتين في مصر حتى لو في مكان مودرن، ارتديها خارج مصر حين تسافري وهناك فساتين للمصيف وفساتين يمكن الخروج بها في القاهرة لكن باستعدادت خاصة، فلابد من استئجار سيارة تأخذني من أمام البيت للمكان الذي سأذهب إليه وسيارة أخرى لتعيدني".

إعلان

دعوات للتمرد

ولا يخلو الأمر من محاولات للتمرد ونشر دعوات لارتداء الفساتين في الشارع منها حملة "هنلبس فساتين" التي أطلقتها صفحة ثورة البنات على فيسبوك عام 2013، بهدف مواجهة التحرش الجسدي في الشوارع والمواصلات العامة، ومبادرة "البسي فستانك" عام 2015 لتشجيع الفتيات على التخلص من رهبتهن من ارتداء فستان في الشارع. كما انطلقت دعوة على فيس بوك بعنوان "فستان زمان والشارع كان أمان" في 2016 لحث الفتيات والنساء على ارتداء الفستان في مواجهة التحرش.

ومن المتمردات عبير بدر الدين، الأستاذة الجامعية، التي تتحدى القيود التي يفرضها المجتمع وتحاضر في الجامعة وهي ترتدي الفساتين وتعتبر نفسها من الحالات النادرة، وترى أن النساء ما فوق الثلاثين في بعض الدوائر الاجتماعية يكن أكثر قدرة على ارتداء الفساتين "أولا لأن القدرة المادية تكون أكبر من الفتيات الأصغر سنًا، ما يجعلهن قادرات على شراء الفساتين غالية الثمن ولديهن سيارات تسهل عليهن التنقل بها من غير مضايقات".

مصر زمان

ولا تزال سمية سعيد (86 عامًا) ترتدي الفستان حتى اليوم، كما اعتادت في صباها، حين كان ارتداء الفساتين هو القاعدة بين بنات جيلها. "لا أقتنع بغير الفساتين ولا أرتدي العباءات". وتقارن بين الزمن الماضي والوقت الحاضر "وأنا في الثانوية كنت أعيش في الزقازيق وكانت البنات والأولاد يخرجون في مظاهرات سويًا ولم نشهد أبدًا حوادث التحرش التي نسمع عنها اليوم، حتى في الأقاليم كنا نرتدى ما يحلو لنا دون خوف من المضايقات".

سمية سعيد

ذهبت سمية إلى جامعة القاهرة عام 1954 ووجدت أجواءً أكثر انفتاحًا وحرية "كنت أذهب إلى الجامعة بـ (الفيسبا) وأنا أرتدي الفستان وكنا نتبارى أنا وزميلاتي في الأناقة".

إعلان

تتذكر مرة استقلت فيها الأتوبيس وكانت ترتدي الميني جيب "كانت الأتوبيسات محترمة وأقصى شيء تعرضت له حين جلست ونظر شخص إلى ساقي العارية فغطيتها بالكشكول فخجل من نفسه وأدار وجهه".

سمية سعيد

وتتعجب مما وصل إليه الحال "الآن لو واحد تحرش بواحدة ولم تتجاوب ممكن يضربها بالقلم". تعيد التغير الذي حدث إلى الكثافة السكانية والزحام وما يصاحبها من احتكاك، بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية التي تصعب على الشباب الزواج، والبيئة التي تغيرت "زمان كان فيه جمال في الشوارع، والناس كانت تخرج لتستمتع وترفه عن نفسها وليس لاصطياد الفتيات".

ورغم ما وصل إليه الحال لا تتوقف الفتيات في مصر عن شراء الفساتين حتى وإن ظلت لسنوات حبيسة الخزانات على أمل أن تتحرر يومًا ما ويتحررن معها من القيود التي يفرضها عليهن المجتمع، لينعمن بالسير في الشوارع بحرية.

سمية سعيد