جرافيتي الـ "تي شيرت" أحدث وسائل شباب تونس للاحتجاج
تصوير: مريم الناصري

FYI.

This story is over 5 years old.

مجتمع

جرافيتي الـ "تي شيرت" أحدث وسائل شباب تونس للاحتجاج

السلطات الحكومية منعت الشباب من الرسم والتدوين على الجدران فنشروا رسائلهم الاحتجاجية على القمصان

رغم كل ما قيل عن عزوف الشباب التونسي عن الحياة السياسة والخوض في الشأن العام، انخرط جانب ليس بالقليل منهم على مدى السبع سنوات الماضية في معركة مصيرية ضدّ كل ما يعتبرونه تهديدا لمسار العدالة الانتقالية. وواصلت شريحة كبيرة منهم النضال دون الانخراط تحت مظلة أي أحزاب سياسية، لينظمو حركات نضالية ليس ضد المنظومة السياسية ككل، بل وضد بعض القوانين التي رأوا فيها تهديدا للحرّيات.

وعلى مدى سنوات ما قبل الثورة اختلفت الحركات الشبابية، واختلفت معها أشكال النضال والتحرّكات. حركات اتسمت في معظمها بالتلقائية، ولم تكن عبثية أو اندفاعية لمجرّد التحرك والتمرّد. بل تتبنى في أغلبها مبدأ تناضل من أجله وتُعارض توجهات السلطة والقوانين التي ترى أنّها جائرة وترفض أشكال القمع أو التهميش. تبنت معظمها النضال السلمي والسرية، وعبروا عن أفكارهم بطرق مختلفة أبرزها الكتابة والرسم على الجدران "الغرافيتي" فيما ذهب بعضها إلى ما هو أبعد من ذلك ليحول ملابسه إلى واجهة لعرض أفكاره في صورة "غرافيتي" مبتكر.

إعلان

اختلفت الحركات الشبابية قبل الثورة وتعدّدت أشكال تحرّكاتها. لكنّها توحدت في نضالها ضد نظام بن علي وابتدعت أشكالا للتعبير عن رفضها ودفاعها عن الحرية. أولى تلك الحركات تأسست سنة 1998 تحت اسم حركة "تكريز" وتعنى باللّهجة التونسية الغضب. اختاروا تسمية تعبر عن غضب الشباب التونسي من الاستبداد. وخيّرت النضال على شبكات الإنترنت والعمل بسرية، ونشر منشورات تفضح قمع النظام السابق الذي لم يستطع غالبا الكشف عمن يقف وراء تلك المنشورات. لكن تم حظر صفحة الحركة على مواقع التواصل الاجتماعي في شهر مايو 2011 بعد أن اعتبرتها وزارة الداخلية حركة تحريضية.

انتشر فن الجرافيتي في كل المدن التونسية وما عاد يختص فقط بالنضال والتعبير، بل أصبح وسيلة للفن والرّسم، ليبدع الشباب التونسي وسيلة جديدة للاحتجاج وهي رفع شعاراتهم على القمصان

الحركة الثانية التي اعتبرت من أشهر الحركات الشبابية النضالية في تونس كانت حركة "زواولة" وهي تعني باللّهجة التونسية فقراء. اختارت الحركة النضال عبر "الغرافيتي" أي ما يعرف بفنّ الشارع عبر رسم شعارات ضد النظام على جدران المدن. يُعرف أعضاء هذه الحركة بمقاتلي الخفاء، لأنّ شباب هذه الحركة اختار العمل في سرية، والتحرّك ليلًا في شوارع بعض المدن تخفيًا من الشرطة، وخوفًا من الملاحقة القانونية. كانت توقع الحركة منشوراتها ورسوماتها على الجدران بحرف "Z". لكن رغم عملها ليلًا والتخفي بكل الطرق إلاّ أنّ الشرطة التونسية تمكنت من اعتقال الشابين أسامة بوعجيلة وشاهين بالريش وهما بصدد كتابة ورسم بعض الشعارات على الجدران وتمت إحالتهما على القضاء. وعلى الرغم من التضييق، خلقت متغيرات الحياة السياسية في تونس ما بعد الثورة أشكالًا جديدة من النضال. فشبكة الإنترنت باتت منصة مفتوحة للجميع، كما انتشر فن الجرافيتي في كل المدن التونسية وما عاد يختص فقط بالنضال والتعبير، بل أصبح وسيلة للفن والرّسم، ليبدع الشباب التونسي وسيلة جديدة للاحتجاج وهي رفع شعاراتهم على القمصان.

إعلان

أولى الحركات الشبابية التي تشكلت بعد الثورة هي حركة "مانيش مسامح" أي لن أسامح أو أصالح، تحمل الحركة شعار مطرقة العدالة. وتُعرّف نفسها بأنّها مبادرة مواطنيه مستقلة مفتوحة على كل من يريد الانضمام. وتسعى إلى تجميع كل المواطنين وكل المكونات السياسية والحقوقية والفكرية حول مهمة سحب قانون المصالحة الذي يبيض الفساد و يبرئ رؤوس الأموال الناهبة لأموال الشعب. انطلق عمل الحركة منذ شهر يونيو 2015. ونفّذت أوّل تحرّك ميداني يوم 28 أغسطس 2015. مع أنّها اختارت النزول إلى الشارع إلاّ أنّها ابتدعت فكرة كتابة شعارها على القمصان التي وزعت على آلاف الشباب في مختلف جهات البلاد ممن انضموا إلى الحملة وتبنوا تحركاتها.

قمصان خاصة بحركة "مانيش مسامح" بعد تجهزيها وطباعة الشعار عليها

"مانيش مسامح" شعار بدا للبعض غريبا في البداية، كما يشير سامي بن غازي، أحد نشطاء الحركة: "وأنت في الشارع قد يستوقفك البعض للسؤال عن معنى الشعار وبما ارتبط أساساً. كثير من الناس في بداية الحملة كانوا يتساءلون عن معنى ذلك الشعار ولماذا الشباب لن يسامح. ولما يثير قانون المصالحة كل هذه الضجة. فأخذ شباب الحملة على عاتقه مهمة تفسير القانون للناس وفصوله التي يرفضونها ويعتبرونها تبييضا للفساد. لذا اخترنا كتابة شعار حركتها على القمصان كوسيلة لإيصال أصواتها ووسيلة لنشر الحملة في أكثر مكان. خاصة وأنّ الناس يستوقفوننا ليسألون عن الحملة وعن شعاراتنا والقانون الذي نرفضه."

مرت سنتان على الحركة التي وصلت إلى أقصى المدن التونسية وانتشرت في كل الجهات. تشبث الشباب برفضهم للقانون أدّى إلى سحب القانون أكثر من مرة من البرلمان وتعديل فصولها أكثر من مرة. وتواصلت تحرّكاتهم، ونجحت الحركة في تنظيم تحرك كبير بالعاصمة حشد أكثر من أربعة آلاف شخص في 13 مايو 2017 . وتمّ اعتقال بعض شباب الحركة ممن كانوا يرتدون تلك القمصان، وحتى بعد تمرير القانون والمصادقة عليه في البرلمان بعد اسقاط عدد من الفصول التي أثارت جدلا كبيرا. بقي شباب الحملة يظهر بتلك القمصان التي تحمل شعار "مانيش مسامح" ليمنعوا أكثر من مرة من دخول الملاعب الرياضية أو التظاهرات الثقافية.

إعلان

مظاهرة لحركة "مانيش مسامح/مسامحة" في تونس

مروان بن ضيافي أحد منظمي حملة "مانيش مسامح" أشار إلى أنّ الشباب لجأ إلى كتابة شعارات الحركة على الحملة حتى يساعدهم ذلك على نشر الحملة في أكثر من مكان. فالاعتماد على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لا يكفي. فالعديد من المواطنين لا يبحرون على شبكات الانترنت. كما أنّ فن الغرافيتي انتشر كثيرا ولم يعد يلفت الانتباه كثيرًا مثل السابق. لكن ارتداء قمصان تحمل شعار الحملة يدفع من لا يعلم ولا يعي معنى حملتنا ودوافعها إلى السؤال عما يعنيه القانون الذي نرفضه وعن أبرز الفصول التي أردنا تعديلها. لم تنتهي تحركات الشباب بمرور القانون؛ فانتقال البرلمان إلى مناقشة قانون جديد يتعلّق بزجر الاعتداءات على القوات المسلحة خلق جدلا جديدا وسط الرأي العام. وقوبل القانون برفض كبير من قبل المجتمع المدني والنقابات وبعض الأطراف السياسية والتي طالبت بسحب القانون نهائيا وليس تعديله فقط.

ارتبط اسم حركة "مانيش مسامح" بقانون المصالحة، فيما ارتبط اليوم اسم حركتي "مش على كيفك" و"حاسبهم" بقانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة

لم يختر الشباب مجرّد التنديد بل اختار النزول إلى الشارع مرة أخرى ليحشد أكثر عدد من الرافضين لهذا القانون الذي يهدّد حرّية التعبير وحرّية الاحتجاج السلمي. وابتدع الشباب حركات جديدة وهي حركة "مش على كيفك" وحركة "حاسبهم" كتعبير عن الرفض لهذا القانون. انطلقت تحركات كلا الحركتين ولم تغب قمصانهم التي تحمل شعارات كل منهم عن أيّ تحرّك انتظم ضد هذا القانون. ومواصلة التعبير عن آرائهم عبر قمصانهم رسخت هذا الشكل الجديد في تحركات الشباب في مختلف جهات البلاد. باتت كل حملة أو كلّ تحرك ضد قانون ما يحمل شعارًا رافضا لذلك القانون، فارتبط اسم حركة "مانيش مسامح" بقانون المصالحة، فيما ارتبط اليوم اسم حركتي "مش على كيفك" و"حاسبهم" بقانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة الذي ما يزال يثير جدلًا كبيرًا في الشارع التونسي والأوساط السياسية والحقوقية. لكن أنصار الحركتين يؤكدان أنّ شعاراتهم قد ترفع من جديد في وجه قوانين جديدة قد تهدّد مسار العدالة الانتقالية.

أسرار بن جويدة أمام البرلمان ضد قانون زجر الاعتداءات على القوات المسلحة

أسرار بن جويدة، إحدى أعضاء حركة "مش على كيفك،" تشير إلى أنّ شعار الحركة كان شاملًا ويمكن أن يرفع في وجه قوانين أو قرارات جديدة قد تتخذها الدولة وترفضها شريحة كبيرة من المجتمع. واختيار القمصان كوسيلة جديدة للتعبير ساعدت على توعية أكبر عدد من الناس. فبمجرّد مرورك في الشارع قد يستوقفك عدد كبير من الناس يسألونك عن الشعار وعن معناه. وهو ما ساعد على حشد أكبر عدد ممن باتوا يرفض هذا القانون أو ذاك. وفق ما أشارت إليه.

من جهتها بيّنت مريم، إحدى منظمي حملة "حاسبهم" أنّ الشباب منذ أكثر من سنتين ابتدع فكرة الشعارات على القمصان والتي مكنت الشباب من تفسير حملته والشعارات التي يتحملها حركتهم والقوانين التي يرفضونها. مضيفة أنّهم لا يرتدون تلك القمصان فقط خلال تحركاتهم الاحتجاجية فقط بل حتى في الأيام العادية. والعديد من الناس ممن لا يتابعون كثيرا الشأن السياسي يسألون هؤلاء الشباب عن القانون وعن سبب رفضهم له. وهو ما ساعدهم على توعية أكبر عدد ممكن من الناس. قد تضطر بعض المطابع إلى طباعة تلك الشعارات بسرية مخافة الدخول في مواجهة مع الجهات الأمنية التي باتت تعتقل بعض شباب تلك الحركات فقط لمجرّد ارتدائهم لتلك القمصان.

مريم في وقفة أمام البرلمان ضد قانون زجز القوات المسلحة