IMG_2151
سياسة

المصور مصعب الشامي يتحدث عن صوره التي وثقت أهم أحداث الثورة المصرية

في الذكرى العاشرة لثورة ٢٥ يناير، هذه الصور تعيد بناء المشهد من جديد

غاز مسيل للدموع، صوت صافرات مدرعات الشرطة، أجساد ساقطة على الأرض، دماء متناثرة، هتافات ملايين من المتظاهرين تصدح في أرجاء الميدان "الشعب يريد إسقاط النظام" بينما يظهر صوت عايدة الأيوبي في الخلفية وهي تشدو "اتولدنا من جديد واتولد الحلم العنيد." 

هذه الصور الخاطفة من الصعب أن تُمحى من ذاكرة كل من شارك في ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ في مصر التي غيرت وعي جيل كامل أنتمي له، كنتُ وقتها اقترب من حاجز الرابعة والعشرين، وعلاقتي بالسياسة والشأن العام قد بدأت بالتبلور، فالحراك السياسي في مصر قد اختمر منذ ميلاد حركات كفاية ومن بعدها ٦ أبريل، ثم وُلدت صفحة "كلنا خالد سعيد" لتتوج هذا المشهد الثوري الذي لم يكن متوقعًا. 

إعلان

مصعب الشامي، ٣١ عامًا، مصور صحفي، واحد من الذين وثقوا تفاصيل مهمة في دفتر الثورة التي نعيش ذكراها العاشرة. انتشرت صوره بشكل واسع على المستويين المحلي والعالمي.  كان الشامي في الواحدة والعشرين من عمره عندما بدأت أحداث الثورة. في البداية، كانت صوره تعبيرًا عن رغبة في رصد ما حوله من طبيعة وتفاصيل حياتية، حتى شاهد أحداث السادس من أبريل ٢٠٠٨ بمدينة المحلة الكبرى (شمال مصر)، والصور التي هزت مصر حينها، حيث دهس المصريون بأقدامهم صورة رئيسهم، ومن بعدها الصور التي انتشرت خلال ثورة تونس ٢٠١٠ حفزت مصعب تجاه التصوير الصحفي.   

قرر الشامي النزول للمشاركة في الثورة ليعبر عن أفكاره دون حمل الكاميرا في يده، لكن أحداثها انحفرت في ذهنه، فوثق الأحداث بالكتابة والملاحظة والتقط صوره بالهاتف كمواطن بين الآلاف المشاركين في يومياتها. وثق أول صورة بالكاميرا بعد رحيل مبارك بأسبوع، وأدرك يومها أن هذه هي المهنة التي يريد أن ينتمي إليها بعد مشاهدته العديد من الصور التي وثقت أحداث الثورة من ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى ١١ فبراير يوم تنحي مبارك.

ثورة ٢٥ يناير كانت فقط البداية، وهناك العديد من الأحداث التي ارتبطت بهذه الثورة التي غيرت مسارها وحياة الأشخاص الذين شاركوا فيها. في الذكرى العاشرة للثورة أردتُ الذهاب في رحلة إلى الماضي الذي لا يزال حاضراً، لإعادة النظر في بعض الأحداث من خلال صور وعيون مصعب.

1. Tahrir (First Friday after Mubarak).jpg

تصوير مصعب الشامي، ميدان التحرير، القاهرة، ١٨ فبراير ٢٠١١.

صورة جمعة ١٨ فبراير ٢٠١١، جمعة الاحتفال برحيل مبارك، هي أول صوره التي التقطها للثورة بشكل احترافي، وكانت صورة رمزية بالنسبة له تعبر عن بدايات مساره الصحفي.

إعلان
IMG_5322.jpg

تصوير مصعب الشامي، شهداء الثورة، القاهرة، يونيو ٢٠١١.

بعد شهور قليلة من رحيل مبارك، في يونيو ٢٠١١ التقط مصعب صورة تجسد معاناة أهالي شهداء الثورة، وتباطؤ محاكمات النظام الذي سقط، وعبر فيها عن سيطرة الإحباط بسبب عدم تحقيق القصاص،  وأهمية مطالب وحقوق أهالي الشهداء. 

IMG_3259.jpg

تصوير مصعب الشامي، ميدان التحرير، القاهرة، أغسطس ٢٠١١.

في ميدان التحرير، أغسطس ٢٠١١، تدخلت الشرطة العسكرية لفض إحدى الاعتصامات، فالتقط مصعب صورة تعبيرية جدًا عن علاقة السلطة العسكرية بالثورة: "الشرطة العسكرية منعت الاعتصام، وحاولت منع أي مظاهرة، ومن خلال الصورة أردتُ أن أظهر التناقض بين البيادة والزهور التي تعبر في ثقافتنا عن الربيع وعلاقتنا به." ربما أراد مصعب أن يقول في الصورة أن فصل الربيع قد غادر الثورة وجاءت الأقدام العسكرية لتدهس الزهور الثائرة. 

طغت أحداث الثورة على حياة مصعب، لدرجة أنه ترك دراسته الجامعية في مجال الصيدلة وتفرغ تمامًا لتصوير أحداث الثورة: "أول مهمة صحفية احترافية قمت بها كانت في انتخابات البرلمان المصري في ٢٠١١، وحصلت وقتها على أجر مقابل الصور." تسارعت وتيرة الأحداث قبل نهاية ٢٠١١، ووقعت أحداث شارع محمد محمود في نوفمبر، التي اندلعت فيها مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين على إدارة المجلس العسكري الحاكم.

لم يكن مصعب بعيدًا عن هذه الأحداث التي اشتهرت حينها بفقء أعين الثوار واستهدافهم من قِبل قناصي وزارة الداخلية، واشتهرت حينها مقولة "جدع يا باشا جت في عين الواد" بعد أن استهدف أحد الضباط عين أحد المتظاهرين، فأثنى عليه العسكري وقال تلك العبارة.  

12. Aftermath of Mohamed Mahmoud clashes.jpg

تصوير مصعب الشامي، أحداث محمد محمود، ويظهر أسد النيل مصاباً بعينه، تعبيراً عن تلك الأحداث التي اشتهرت بفقء أعين الثوار، القاهرة، نوفمبر ٢٠١١.

التقط مصعب صورة ترمز عن تلك الأيام ويقول عنها "شارك الكثير من المتظاهرين في أحداث محمد محمود، وشعروا أن شيئـًا لم يتغير، والداخلية مازالت كما هي، وهذه الصورة كانت ترمز لاستهداف عيون المتظاهرين، والذين كان من أشهرهم الدكتور أحمد حرارة، وأصبحت تغطية أحد العينين فكرة منتشرة في مساحات مختلفة بين المشاركين في الثورة. فرصدتُ هذه الأحداث بشكل غير مباشر وصورتُ أسد قصر النيل."

إعلان
IMG_9652.jpg

تصوير مصعب الشامي، مقر مجلس الوزراء، القاهرة، ديسمبر ٢٠١١.

بعد أقل من شهر، وقعت أحداث أخرى لا تُنسى، عرفت بـ (أحداث مجلس الوزراء)، حيث فضت السلطات المصرية حينها في ديسمبر ٢٠١١ اعتصامًا بالقرب من مقر مجلس الوزراء، وانتشرت على الإنترنت لقطات فيديو لفتاة مصرية تُسحل في الشارع. في وسط هذه الأحداث الدامية، التقط مصعب صورة لأحد الواقفين في وجه الشرطة التي فضت اعتصام مجلس الوزراء، وبمجرد التقاطه للصورة سقطت قطعة زجاجية واخترقت عينه، لكن الإصابة لم تُفقده البصر.

27. Clashes breakout in response to Portsaid massacre.jpg

تصوير مصعب الشامي، وزارة الداخلية المصرية، القاهرة، فبراير ٢٠١٢.

لم تأت سنة ٢٠١٢ بالكثير من الخير فوقعت في فبراير مذبحة بورسعيد التي قُتل فيها عدد من مشجعي كرة القدم داخل ستاد بورسعيد (شمال شرق مصر)، واندلعت مظاهرات واشتباكات في أماكن متفرقة من البلاد. ويحكي مصعب أنه التقط واحدة من الصور الدرامية عند وزارة الداخلية المصرية، قبل غروب الشمس، لأحد المتظاهرين يحمل علم مصر وسط ضبابية الغاز المسيل للدموع. 

IMG_2151.jpg

تصوير مصعب الشامي، حي العباسية، القاهرة، مايو ٢٠١٢.

ومع شهر مايو ٢٠١٢، وقعت اشتباكات بين المتظاهرين والجيش عند حي العباسية بالقاهرة، والتقط مصعب صورة كان لها انتشار واسع على الإنترنت، ويروي مصعب حكاية الصورة قائلًا: "كان هناك اعتصام لأنصار مرشح الانتخابات الرئاسية حازم صلاح أبو إسماعيل، وانتشرت أخبار عن فض الاعتصام، وأثناء الفض، تم اصابة بعض المتظاهرين بسبب ضرب الخرطوش أو رشقهم بالحجارة من قبل بعض سكان الحي. حينها شاهدت هذا الشاب يواجه السلطة العسكرية وحيداً. هذه الصورة تعكس شجاعة الثوار. لا نعرف من هذا الشخص، وهذه فكرة أحاول التركيز عليها في صوري، حيث شخصنة الثورة في إنسان مجهول لا نعرفه ولكنه يمتلك الشجاعة والإقدام والإيمان." 

إعلان
IMG_5342.jpg

تصوير مصعب الشامي، ميدان رابعة العدوية، القاهرة،٢٧ يوليو ٢٠١٣.

مثلت سنة ٢٠١٣ نقطة فارقة في حياة مصعب بسبب أحداث فض ميدان رابعة العدوية الذي وقع في يوم ١٤ أغسطس، وذلك بعد أن تم عزل الرئيس المصري الراحل محمد مرسي وانقلب الجيش عليه وتولى عبد الفتاح السيسي السلطة في يونيو عام ٢٠١٤.  تجربة الشامي الصحفية أصبحت أكثر تعقيدًا بعد أغسطس ٢٠١٣ بسبب الانقسام الحاد الذي حدث في مصر، لأن التصوير الصحافي في الشارع أصبح أكثر خطورة. 

بعد رحيل مرسي عن السلطة وبدء الاعتصامات والاشتباكات، انتشرت صورة لمصعب على المستوى العالمي ويقول عنها: "هناك خلط لدى بعض الناس تجاه هذه الصورة، إذ يظنون أنها يوم فض الميدان، لكنها قبل ذلك بحوالي أسبوعين، والشخص المقتول فيها كان لديه إعاقة وعلمت ذلك بعد أن اتصل بي صديقه الذي يبكي خلفه، وأخبرني بتفاصيل لم أكن أعرفها. هذا شيء يتكرر كثيرًا معي، حيث يتصل بي أبطال الصورة أو أحد معارفهم ويروون الكواليس التي لا تظهر في الصورة. هذا الصديق الباكي عبر لي عن شعوره بالغضب لفقد صديقه لأنه كان يرى نفسه في صديقه الراحل."

A1089.jpg

تصوير مصعب الشامي، ميدان رابعة العدوية، القاهرة، ١٤ أغسطس ٢٠١٣.

خلال أحداث فض ميدان رابعة، التي ذكرت منظمات دولية أن عدد قتلاها تراوح ما بين ٨٠٠ لـ ١٠٠٠ معتصم، برزت لمصعب صورة  شهيرة جدًا انتشرت على الإنترنت، لشاب يصرخ أثناء إخراج المتظاهرين، قصة الصورة تحولت من مجرد لقطة إلى فكرة أكبر من الحدث نفسه، ويقول عنها مصعب: "هذا الشاب كان يحاول تعطيل دخول الداخلية فكان يحرق الخيم ليمنعهم ويتيح الوقت للمتظاهرين للخروج. بعد انتشار الصورة، تواصلت معي سيدة أسترالية من أجل استخدام الصورة  وتطريزها في عمل فني بعنوان بعد السماء الأخيرة واستخدمت قصيدة محمود درويش "تضيق بنا الأرض" في هذا العمل والتي تقول أين تطير العصافير بعد السماء الأخيرة؟"

إعلان
49.jpg

تصوير مصعب الشامي، ميدان طلعت حرب، القاهرة، ٢٠١٣.

لم تمر سوى شهور قليلة، وانحسر بعدها المد الثوري، خاصة بعد صدور قانون التظاهر ٢٠١٣ الذي مهد لخنق المجال العام في مصر، حينها التقط مصعب صورة لتظاهرات في ميدان طلعت حرب بوسط القاهرة، صورة ضبابية من كثرة الغاز، توحي بمستقبل المسيرة الثورية الذي سيتعثر بعد ذلك لسنوات عديدة. وهذه الصورة تمثل تراكمًا يؤسس لدى مصعب مشاعر مختلفة عن مظاهر الاحتفال الثوري والانتخابات، فمع أحداث الفض وما بعدها أدرك مصعب أن الثورة في مفترق طرق. 

كانت هذه المرحلة تنذر بنهايات دفتر توثيق مصعب الشامي لأحداث الثورة، حتى جاءت ذكرى الثورة الثالثة في ٢٠١٤، الذي يصفه بأنه "أثقل الأيام على قلبي" في هذا اليوم شعر مصعب أن هناك هزيمة مطلقة للثوار في الشارع، وانعدام قدرة المتظاهرين على تجميع أنفسهم، وحينها لم يستطع مصعب أن يلتقط صورًا لما يحدث، فقط، صورة لمجموعة من الإطارات المحترقة. 

يختم مصعب حكايته مع توثيق أحداث الثورة قائلًا: "الصور تضعني في لحظة معينة، ومشاعري بالإحباط موجودة دائمًا تجاه ما حدث في الثورة،  مثل كثير من أبناء جيلي، لكن الصور تعيد بناء المشهد من جديد، وتعيد لي بعض الذكريات التي قد لا أتذكرها بشكل عام عند الحديث عن الثورة. هذه الصورة ستظل جزءًا مني طول الوقت، ضريبة أدفعها لأنني صورت مجموعة من الأحداث التاريخية، لكنني أشعر بالامتنان تجاه هذه اللحظات التي تمكنت فيها من حضور أوقات عظيمة ووثقتها بعيني."

يمكنكم مشاهدة المزيد من صور مصعب عبر موقعه