صحة نفسية

سماع أصوات غير موجودة لا يعني بالضرورة أنك تعاني من مرض نفسي

الهلوسة السمعية هي في الواقع شائعة جدًا ولكنها قد ترتبط باضطراب ما بعد الصدمة
hivan-arvizu-soyhivan-GimL_LSO9wE-unsplash

ظهر هذا المقال في الأصل على  VICE Italy 

بدأت كريستينا كونتيني، 54 عامًا، بسماع أصوات غير موجودة في سن التاسعة عشرة، بعد دخولها في غيبوبة بعد عملية جراحية: "عندما استيقظت من الغيبوبة، كنت نفس الشخص، ولكن كان هناك بعض الأعراض الغريبة، فقد بدأت بسماع الكثير من الأصوات الغير موجودة، بما في ذلك أصوات جدتي المتوفاة."

غالبًا ما ترتبط الهلوسة السمعية بالشيزوفرينيا لكن حالة كريستينا لا تتوافق مع المعايير الأخرى المستخدمة لتشخيص هذا المرض النفسي. وهذا ينطبق أيضًا على حالة العديد من الأشخاص الذين يسمعون أصواتاً ولكنهم لا يعانون من أي مرض نفسي. مانويل بيترز، عالمة نفس إكلينيكية وباحثة في كينغز كوليدج في لندن. تقول إنه على الرغم من أننا نسمي رؤية وسماع أشياء غير موجودة بـ "الذهانية" فإن هذه الهلوسة في الواقع شائعة جدًا في عامة السكان، ما يزيد قليلاً عن سبعة بالمئة.

إعلان

وتقول كذلك إن الأشخاص الأصحاء يمكن أن يصابوا بهلوسات سمعية وبصرية تشبه تلك التي يصاب بها المرضى النفسيين. ولكن شدة الأصوات التي يسمعها شخص ما ليست العامل الأكثر أهمية في تحديد ما إذا كنت تعاني من مشكلة أم لا، ولكن الأهم هو كي تتعامل مع هذه الأصوات، وسواء كنت تعتقد أن لديهم سلطة عليك أم لا، وإن كانت هذه السلطة إيجابية أم سلبية.

بالعودة إلى كريستينا، بعد فترة أولية من التأقلم، واصلت عيش حياتها بشكل طبيعي، ولكنها قررت مساعدة الآخرين الذين يمرون أو مروا بتجربتها. في عام 2005، أسست جمعية Sentire le Voci (سامعي الأصوات)، وهي تتبع شبكة المنظمة الخيرية الدولية Intervoice. ترحب المنظمة بالمرضى من جميع أنحاء إيطاليا وتربطهم بفريق متعدد التخصصات من الخبراء وغيرهم من سامعي الأصوات voice hearers للحصول على الدعم.

يقول فرانشيسكو بوكي، المعالج النفسي الذي يعمل مع الجمعية: "هذه الظاهرة هي في الواقع أكثر انتشارًا مما نعتقد. حوالي واحد من كل عشرة أشخاص يسمع أصواتًا أو سمعها، لكن 15 إلى 20٪ فقط يعانون من مرض نفسي." وتشير دراسات أخرى إلى أنه في 80٪ من الحالات، تختفي الهلوسة بمرور الوقت.

وفقًا لبوتشي، فإن تجربة سماع الأصوات مختلفة تمامًا من شخص لآخر، ولا يوجد تشخيص واحد ينجح مع الجميع، ويضيف: "هناك عناصر من الاكتئاب والبارانويا والاضطراب الفصامي، لكن ليس بالضرورة هناك علاقة بين ذلك وسماع الأصوات. الشيء الوحيد المشترك بين سامعي الصوت هو شكل من أشكال اضطراب ما بعد الصدمة."

إعلان

وأوضح بوكي أن الأصوات "ليست سوى تضخيم أجزاء معينة من الذات، إنها تعتمد على تجربتك الشخصية وعلى علاقاتك وعواطفك وسياقك الثقافي. ويجب تحديد الصدمة النفسية التي قد تكون قد تسببت بالهلوسة وفهم المشاعر التي تولدها وتفسيرها ضمن ما يسمى بالتشخيص العاطفي.

تساعد جمعية كريستينا، الأشخاص الذين يعانون من الهلوسة السمعية في فهم تجاربهم، وتقول: "إن مشاركة حالتهم مع شخص مدرك لهذه الحالة تجعل سامعي الصوت يشعرون بالهدوء." وتقوم الجمعية بتنسيق جلسات العلاج الجماعي مع المرضى وأفراد الأسرة والمتخصصين من خلفيات مختلفة، إلى جانب الجلسات الفردية.

هذا النهج متعدد التخصصات هو بالتأكيد خروج عن الطب النفسي التقليدي، الذي يربط كل عرض بتشخيص دقيق وعلاج دوائي مطابق. لكن وفقًا للطبيب النفسي باولو كوزاجليو، وهو متعاون آخر مع الجمعية، فهو أيضًا أكثر فائدة: "إن فهم الأسباب، بدلاً من مجرد وصف الأدوية، أمر مهم في العلاج." غالبًا ما يؤدي منع الهلوسة السمعية بوصفات طبية إلى زيادة معاناة المريض، وهو ليس حلاً فعالاً طويل المدى: "الأصوات جزء من حالة مزمنة علينا أن نتعلم كيف نتعايش معها - فهي تعبر عن جزء منّا."

عادةً ما يسمع سامعو الأصوات عشرات أو حتى مئات الأصوات في نفس الوقت. بعضها خافت، والبعض الآخر واضح. ينتمي بعض هذه الأصوات إلى أشخاص حقيقيين في حياتهم، والبعض الآخر ينتمي إلى غرباء. يعد فك رموز تلك الأصوات والتمييز بينهم خطوة أساسية نحو التعامل مع الحالة.

نقطة البداية الرئيسية هي محاولة فهم ما إذا كان السامع قادر على تحديد كون الصوت داخلي أو خارجي. تقول كريستينا: "عندما تكون الأصوات أفكارًا هوسية يُنظر إليها على أنها قادمة من الداخل؛ فإن الشخص الذي يسمعها يميل إلى إيذاء نفسه في محاولة إيقافها. لكن إذا تم النظر إلى الأصوات على أنها خارجية؛ فيمكن أن تجعل سامعها غاضبًا تجاه الآخرين. مثلاً إذا تخيلت سماعك لصوت والدتك وهي تقول لك كلام محبط باستمرار، فمن الطبيعي أن تصبح عدوانيًا تجاهها، على الرغم من أن السبب غير حقيقي بشكل واضح."

العديد من سامعي الصوت الذين تعمل كريستينا معهم هم من الأطفال والمراهقين وتقول: "عادة ما يبدأون بسماع الأصوات بعد أربع أو خمس سنوات من الصدمة النفسية. العمل مع البالغين أكثر تعقيدًا، لأنهم يتجاهلون أعراضهم ويميلون إلى وضع حواجز نفسية يصعب كسرها."

لهذا السبب من المهم رفع مستوى الوعي بهذا الأمر. بسبب الوصمة الاجتماعية المحيطة بالهلوسة السمعية، فغالبًا ما يقوم سامعي الأصوات بالانطواء على أنفسهم، ويصدون أفراد الأسرة والمعالجين الذين يحاولون المساعدة.

في النهاية، تريد كريستينا أن يعرف الناس أنه من الممكن أن تعيش حياة طبيعية ومُرضية على الرغم من سماع الأصوات، كما اكتشفت هي بنفسها.