GettyImages-1098122686

صورة تم التقاطها في 11 فبراير 2019 من الحو تظهر أشجار النخيل في صحراء العلا بالقرب من مدينة العلا شمال غرب السعودية. غيتي ايميجز

بيئة

مبادرة "السعودية الخضراء"..غطاء الأشجار في مواجهة التصحر والتلوث

"لن تمثل قلة المياه عائق حقيقي في حال تم اختيار الأشجار المناسبة لكل منطقة حسب مناخها والأنواع الأصلية في هذه المناطق"

يقلص تلوث الهواء نتيجة الاحتباس الحراري متوسط عمر المواطنين بمعدل سنة ونصف السنة، كما تستنزف العواصف الرملية 13 مليار دولار سنويًا. الظواهر البيئية وأبرزها التصحر يعد تهديدًا اجتماعياً واقتصاديًا للمنطقة، ومن هنا جاءت "مبادرة السعودية الخضراء" التي أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي قبل أيام والتي تهدف لمواجهة التحديات البيئية وزيادة المساحة الخضراء وخفض الانبعاثات الكربونية والحفاظ على الحياة البحرية.

إعلان

واعتبر الأمير أن هذه المبادرة تأتي تأكيداً على "الشعور بالمسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ" وأضاف خلال إطلاق المبادرة: "بصفتنا منتجا عالميًا رائدًا للنفط ندرك تماما نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، وأنه مثل ما تمثل دورنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل لقيادة الحقبة الخضراء القادمة." وتعتبر السعودية من الدول الأكثر إنتاجًا للانبعاثات الكربونية، ولكن تشير الدراسات إلى أنها ثالث أسرع الدول في خفض هذه الانبعاثات بعد البرازيل وفرنسا، ولكن قبل ألمانيا واليابان. 

المشروع هو جزء من التزامات السعودية بتحقيق المستهدفات العالمية تجاه البيئة، وتتناسق مع رؤية السعودية ٢٠٣٠، حيث تشمل مبادرة"السعودية الخضراء" عدة محاور سيتم العمل على تنفيذها أبرزها: زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة خلال العقود المقبلة، بما يضاهي زيادة في المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعف، ويعادل تأهيل حوالي 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.

وتشمل المبادرة كذلك رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% (تتجاوز المستهدف العالمي الحالي بحماية 17% من أراضي كل دولة) وتقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4% من الإسهامات العالمية. كما سيتم دعم مشاريع الطاقة المتجددة بحيث يتم توفير نحو 50 بالمئة من إنتاج الكهرباء عام 2030.

إعلان

تترافق مع المبادرة السعودية مع مبادرة أوسع وهي "الشرق الأوسط الأخضر" وهي المبادرة التي ستكون بالشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي. وبحسب ما أعلنته وكالة الأنباء السعودية، فإن ولي العهد قد عقد سلسلة اتصالات مع كل رؤساء من مصر والكويت والبحرين وقطر والسودان والعراق. تهدف هذه المبادرة إلى زراعة 40 مليار شجرة إضافية واستعادة مساحة تعادل 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، والتي تمثل 5% من الهدف العالمي لزراعة 1 تريليون شجرة، بما يخفض بنسبة 2.5% من معدلات الكربون العالمية، إضافة إلى العمل على خفض الانبعاثات الكربونية لإنتاج النفط في المنطقة بأكثر من 60%، ونحو 10% عالمًيا.

تلقت هذه المبادرات الكثير من التأييد من بعض السياسيين والمؤسسات البيئية في العالم، واعتبرت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، "المبادرات بأنها من أكبر مشاريع استعادة الأراضي التي تهدف لمكافحة التغير المناخي والتصحر."

هذه المبادرات لا شك أنها نقلة مهمة في تاريخ الطاقة والبيئة في المنطقة من ناحية تطوير المحميات وتقليل التصحر والتأسيس لاقتصاد نظيف ومستدام. كما من المتوقع أن تساعد كذلك بخلق فرص عمل وفرص للاستثمار. ويبدو أن الشباب السعودي متحمس لها بقدر تحمس الأمير بن سلمان.

إعلان

هذه المبادرة يجب أن تترافق مع وضع حلول على المستوى الحضري لخفض استخدام السيارات مثلاً، وزراعة أنواع محلية من النباتات

عمار أحمد، 25 عاماً، طالب بالسنة الأخيرة لتخصص العمارة البيئية يقول لـ VICE عربية أن هذه المبادرات "ضرورية" وجاءت في وقتها: "كمواطن سعودي ومتخصص في التغير المناخي، فأنا على معرفة وصلة بالتحديات التي تواجه المملكة في مسار تقدمها الصناعي وآثاره البيئية مثل التلوث وشح المياه. خفض مستوى انبعاثات الكربون وتحسين جودة الهواء، ورفع مستوى الغطاء النباتي هي ضرورة ملحة للارتقاء بجودة حياة السكان."

يشير عمار إلى أن التركيز على البيئة لا تقل أهمية عن الأولويات الأخرى المتعلقة بالاقتصاد والتعليم والصحة وفرص العمل، ولا تعارضها، بل "تفتح آفاقٍ شتى للمشاركة من عدة تخصصات بشكلٍ مباشر وغير مباشر للعمل على هذه الأولوية في المجال العملي والبحثي." ويضيف: "تكمن أهمية المبادرة السعودية بكونها استثمار طويل المدى سترى الأجيال القادمة نتائجها بشكل مباشر. وأرى أن المبادرة يجب أن تترافق كذلك مع وضع حلول على المستوى الحضري لخفض استخدام السيارات مثلاً، وزراعة الأنواع المحلية للنباتات التي تتعايش مع مناخنا وشح مصادر المياه."

وتحتل السعودية المرتبة التاسعة على قائمة دول العالم المعرّضة للفقر المائي خلال الـ25 سنة القادمة، لكن "رؤية السعودية 2030" وضعت خططاً لتجاوز هذه الأزمة عن طريق ترشيد الاستهلاك واستخدام المياه المعالجة والمتجددّة.

علي الدخيل، ٢٥ عاماً، خريج العمارة البيئية من جامعة الملك عبد العزيز ويعمل كمعماري بيئي، يشير بأن هذه المبادرات هي امتداد لمشروع (الرياض الخضراء) ويضيف: "شمولية هذه المبادرة وامتدادها لتشمل السعودية والمنطقة هو أمر مهم وضروري، ويعني أننا سنلمس نتائجها بشكل أسرع في الأعوام المقبلة."

إعلان

ويعتبر المعماري البيئي أن تلك المبادرات قد يندرج تحتها مئات المشاريع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، مما يجعلها كأولوية تنعكس مباشرة على جودة البنية التحتية والخدمات وخفض درجات الحرارة نتيجة لتوفير للغطاء النباتي، ولا يرى أن شح المياه سيشكل عائقاً: "لن تمثل قلة المياه مشكلة أو عائق في حال تم اختيار الأنواع المناسبة من الغطاء النباتي والأشجار لكل منطقة من مناطق المملكة حسب مناخها والأنواع الأصلية في هذه المناطق، وهذا ما تعمل عليه المملكة ضمن رؤية ذكية ومستدامة لمصادر المياه تدعم رؤيتها الشاملة 2030."

وبخصوص توقيت المبادرة وأولوياتها، يضيف علي: "التركيز على البيئة بحد ذاته هو تركيز على البنية التحتية، وهذا النوع من المبادرات والمشاريع لا يمكن فصله عن المشاريع الاقتصادية في السعودية، بل سيساعد في دعم الاقتصاد وتنمية السياحة المستدامة، وتحسين جودة الحياة والصحة العامة. لذلك نعم أراها أولوية."

هذه المبادرة ستستقطب استثمارات خلال السنوات الخمس المقبلة بقيمة 20 مليار دولار

وفي مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط، اعتبر عبد الله المليحي، المستثمر في مجال الأبنية الخضراء عضو مجلس الغرف السعودية السابق رئيس شركة التميز، إن مبادرة ولي العهد السعودي الخضراء ستستقطب استثمارات خلال السنوات الخمس المقبلة بقيمة 20 مليار دولار وهو ما سيعطي دعماً كبيراً للاقتصاد وسيوفر فرص عمل كبيرة للشباب السعودي من الجنسين.

رياض عبدالله المغربي، ٢٥ عاماً، مصمم بأحد المكاتب الهندسية بالمملكة، أشار كذلك إلى أن هذه المبادرات تعكس للعالم توجه السعودية واهتمامها بالجانب البيئي، وأضاف:"هذه المبادرة سيكون لها تأثير إيجابي من الناحية الاقتصادية والبيئية والصحية ليس في السعودية فقط، بل سيمتد للمنطقة والعالم أجمع لما نشهده حالياً من مشاكل مرتبطة بالاحتباس الحراري. ستكون العواقب وخيمة مستقبلاً إذا تجاهلنا المشاكل البيئية."

وشدد المغربي، بأن نجاح المبادرات الخضراء يتطلب "تضافر تكاتف جهود الجهات مجتمعة، ومساندة المواطنين والمقيمين وأخذ الأمر بجدية والإحساس بالمسؤولية تجاه البيئة والطبيعة لأن هذا سيؤثر إيجابياً على صحتنا وحياتنا ومستقبلنا."

علي، 31 عاماً، مهندس كهرباء ومهتم بمجال البيئة والطاقة، يؤكد كذلك على الجانب التوعوي ويقول: "الإعلان عن مبادرات بهذا الحجم يتطلب وضع خطط مسبقة لجدول العمل وحملات توعوية مبتكرة لتحفيز وتوعية السكان بأهميتها، لما يشكله وعيهم كعامل الأكبر في إنجاح أهداف المبادرات."

يشير علي كذلك إلى أنه من الضروري الموازنة بين الحفاظ على البيئة والاستهلاك أو الإنتاج، ويشرح: من غير الممكن إيقاف المصانع أو سحب منتجات مضرة للبيئة كبطاريات الليثيوم أو غازات التبريد في ظل الطلب العالي عليها، لهذا هناك حاجة لتحقيق نوع من التوازن." ويضيف بأن الاستزراع يحتاج إلى موارد مائية هائلة غير متوفرة حاليًا في ظل الاستهلاك المتزايد لتحلية المياه والتي برأيه تساهم في تلوث البيئة من خلال استهلاكها وتوليدها للكهرباء: "أعتقد أن التركيز على التشجير الداخلي للمدن والتوسع بتطبيق تقنيات تحلية المياه الرمادية بالمباني لري النباتات واختيار نباتات تناسب البيئة الصحراوية ستساهم بتحقيق هدف هذه المبادرات، كما حدث في فينكس في أريزونا."

وكان مجلس مدينة فينيكس أصدر في عام 2009 مبادرة فينيكس الخضراء من 2010 ~ 2030، بهدف رفع نسبة ظل الأشجار الحضرية من 9٪ الى 25٪ من مساحة المدينة، وعلى الرغم من تحديات تتعلق بالميزانية المحدودة وقلة موارد المياه، وفقدان الكثير من الأشجار بسبب العواصف، وعدم وعي المجتمع، إلا أنها استطاعت بتحقيق بعض أهدافها من خلال الاستثمار باستصلاح أراضي مكب النفايات وتطوير شواطئ الأنهار وغيرها.