بينما كانت الشمس تغيب في الخلفية، تحولت جنبات مركز جميل للفنون في دبي إلى خلية نحل مع بداية فعاليات النسخة الثانية من استحواذ الشباب على المركز The Jameel Youth Takeover، وهو معرض يأتي تتويجاً لبرنامج التجمع الشبابي السنوي لهذه المؤسسة الفنية. وقد استعد القيمون الفنيون الشباب التسعة في تجمع هذا العام للاستحواذ على مؤسسة الفنون المعاصرة من خلال 21 عملاً من إبداع 25 فنانة وفناناً وهي أعمال تتنوع في قوالبها وأشكالها وتنتشر في المساحات المتداخلة بالمركز.
إعلان
أبدع أعضاء التجمع هذه الأعمال خلال برنامجهم الذي امتد على مدار العام، تجاوباً مع الموضوع المحوري للجماعة الفنية تحت عنوان "إعادة تعيين القِيم" Re-Assigning Values سعياً إلى استقصاء آلية المجتمع المستمرة في إعادة تفسير وتأويل الأفكار والمثل. من البطانيات المطرّزة والتركيبات الفنية التفاعلية وحتى التدخّلات المعمارية، يبرز المعرض مجموعة ثرية من الأعمال الفنية المختلفة.
ترددت أصداء الطاقة الشابة للمعرض عبر جدران المتحف على الرغم من إجراءات التباعد الاجتماعي. وقد عبر أصدقاء ومتعاونون وعائلات عن تقديرهم لـ "جميل" -كما يحب البعض تسميته- ودوره في جمع المبدعين وعشاق الفن من الهواة والمبتدئين مع الفنانين العالميين. ليس هناك مكان آخر سوى مركز جميل للفنون تجد فيه معرضاً للفنان المشهور عالمياً مايكل راكوفيتز مجاوراً لقطعة فنية من إبداع مساعده السابق طلال النجار، أو عرضاً لأفلام لاريسا صنصور تتخلله تركيبات فيديو لساري الطاهر ومريم وناصر الزياني. ويبرز دانيال راي، القيم الفني وعضو التجمع الباراجواياني الكولومبي، ذلك التواصل الفني بين الأجيال، قائلاً: "هنا يكون الفنانون المميزون على قدم المساواة وبنفس قوة الحضور والقيمة بحكم تواجدهم الفني في مساحة المتحف. لا أحد هنا أهم من الآخر، بل هم جميعاً على نفس القدر من الأهمية."أطلق مركز جميل للفنون - منظمة فنية رائدة في منطقة الخليج - هذا التجمع الشبابي في العام 2018، ليكون منصة يتناول من خلالها شباب الإمارات التحديات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهم يمارسون شغفهم الفني. وترى أنطونيا كارفر، المديرة التنفيذية لفن جميل، أن البرنامج يعد حافزًا لـ "تمكين وبناء الفرص للشباب لخلق مستقبلهم المستقل والديناميكي عبر جميع القوالب الفنية." ومع نمو الوسط الثقافي في دولة الإمارات، تؤمن كارفر أن البرنامج قادر على تقديم قادة ثقافيين "ذوي معرفة عميقة بهذه المنطقة من العالم وتاريخها، فضلاً عن وعي واسع النطاق بمجريات الساحة الدولية."
إعلان
وما بين الإخراج السينمائي، والعمارة والتصميم والفنون البصرية والشعر والمسرح وغيرها، تنوعت خلفيات أعضاء التجمع، وهو ما يضفي على البرنامج مزيجًا انتقائيًا من الثقافات والممارسات والمسارات البحثية. تقول عالية العوضي، عضوة التجمع والفنانة الإماراتية الأمريكية: "تنوعنا أكبر نقاط قوتنا." وهي قناعة يشاركها فيها سعد بوجان، الذي يشدد على أن "هناك قيمة كبيرة في أن نكون مختلفين بينما نسعى في الوقت نفسه صوب هدف مشترك."ولأن للتجمع غاية تتمثل في إتقان التقييم الفني، فقد كان عليه التكيف مع كافة الإجراءات التي واكبت تفشي الجائحة الصحية. وهكذا، أخذهم تفكيرهم الجمعي إلى "كايزن" Kaizen وهي فلسفة يابانية تُعنى بالتحسين الممنهج والتدريجي. يقول محمد محيسن، عضو التجمع: "من خلال ورش العمل والمناقشات فيما بيننا، بدأنا التركيز على جانب التغيير التدريجي بالكايزن، وعندها بدأت تأثيرات الجائحة تظهر بطريقة سريعة." وتشير دينا الخطيب، عضوة التجمع: "فكرة مبدأ الكايزن تعكس التطور التدريجي والمستمر، ولكننا لا يمكن أن نصف الجائحة بأي صفة تدريجية." إعادة تعيين القيم هو في حقيقته إدراك بأن التغيير يتأثر ويعيش ضمن قيم مختلفة ومتحولة.
ومثله مثل معظم المنصات التعاونية، كان على التجمع أن ينقل أنشطته في العام 2020 لتكون عبر الإنترنت بعيدًا عن مصادر مركز جميل المتنوعة. وبالنسبة لأعضاء التجمع، مثل المخرج البرازيلي آرثر دي أوليفيرا، الذي كان متحمساً بشدة لفكرة بناء مجتمع فنانين من خلال التجمع، فقد ظن أنه من الصعب "نقل نفس الزخم والطاقة" في الاجتماعات التقليدية إلى اجتماعات افتراضية تجري عبر تطبيق زووم. ومع ذلك، ومن خلال إنشاء موضوعات فرعية يمكنهم البحث فيها بشكل تعاوني أو مستقل، أدى العمل من خلال عالم افتراضي إلى إطلاق إمكانية تعاونات عابرة للحدود. وبهذا، قام بعض الفنانون المشاركون مثل لويس كارلوس سوتو رويز وأوثرا فارجيز بإبداع أعمال كُلّفوا بها وهما في جواتيمالا ونيويورك.
إعلان
يتذكر راي الذي تعرف على كل من طلال النجار وزهور الصايغ عبر إنستغرام: "جعلتنا الجائحة ندرك أن تجربتنا كمبدعين شباب مرتبطة إلى حد كبير بكيفية استغلالنا للتكنولوجيا في تعظيم خبراتنا في الفنون والثقافة." ومن خلال عملهم التعاوني الافتراضي، صمم أعضاء التجمع مدونة Verticals والتي تتعمق بشكل كبير في الهدف التنظيمي واستجابات الفنانين من شباب التجمع. ومع ذلك، فإن مراد الزغل، مدير الإستراتيجية والتواصل لدى مركز جميل (ومصمم برنامج التجمع)، يرى أن البديل الافتراضي لعمل التجمع كان في الواقع فكرة قائمة فيما قبل تفشي الجائحة "حتى نتواصل مع محبي الفن في جميع أنحاء العالم."
إن هذه الظاهرة الفريدة من نوعها، ظاهرة تقييم الشباب من قبل الشباب ذاتهم، في مؤسسة شابة في قلب دولة شابّة، فتحت الباب أمام فنانين وقيمين ناشئين حتى تكون لديهم مساحة آمنة تعاونية لتجربة ممارساتهم الفنية. يعتبر الفنان جاد مورا أن عمله "الصحة الواهبة" Salubrious الذي قدمه للاستحواذ الشبابي "أول منجز له وخطوة نحو إنجاز أكبر، وهو عمل آمل أن يخلد اسمي ويصيغ أفكارًا لغيري مستقبلاً." ومن جانبه، يؤمن أشاي بهافي، عضو التجمع، أن هذا النهج أتاح للفنانين الوافدين في الإمارات منصة لعرض أعمالهم. وتقوم الفنانة التي كلفها أشاي ملايكا مونشي بالتجريب في "الطباعة العدسية" التي تحدث تحولاً في الصور التي ندركها حسياً تبعاً لزاوية الرؤية، بغية انتقاد المعايير المزدوجة لدى المجتمع الهندي رجالاً ونساءً. ولذلك، تأمل كارفر أن من خلال هذا النموذج الذي يمنح الفنانين الشباب دوراً في مؤسسة كبيرة، فإن التجمع الشبابي سيتحول إلى سجل للممارسات الفنية التي تتطور باستمرار في دولة الإمارات: "بمرور الوقت، سيرسم هذا البرنامج خارطة لهذا الجيل وأفكاره ويؤرخ لها. وهذا أمر بالغ الأهمية في دولة تتطور وتتقدم بتسارع مستمر وفي منطقة بحاجة إلى قيادات مثقفة قوية الشخصية وقادرة على الارتقاء إلى مستوى التحدي المتمثل في صياغة قوالب مجتمعية جديدة راسخة الجذور مستقبلاً."
إعلان
تستمر الفعاليات الحية للاستحواذ الشبابي في مركز جميل للفنون حتى اليوم الأثنين ١٦ نوفمبر، وعبر منصة Verticals. موقع المركز jameelartscentre.org