حريات

الستاند اب كوميدي وحرية التعبير في مواجهة المجتمع والرقابة

أثار انتشار فيديو قديم للكوميدي المصري محمد أشرف موجة من الجدل، مع إتهامه بالسخرية من إذاعة القرآن الكريم
Stand-up_comedy_-_Stage copy

"أنا قفلت الأكونتات بتاعتي على السوشيال ميديا كلها، لإني مش مستحمل اللي بيحصل دا، جالي كمية شتايم وسب وقذف كبيرة جدًا، وكمان بيجيلي تهديدات كتير ناس بتتوعد لي بالضرب والشتيمة." هذا ما صرح به الكوميدي المصري محمد أشرف بعد انتشار فيديو قديم له اتهم من خلاله بالإساءة والسخرية من إذاعة القرآن الكريم. وقد شهدت منصات التواصل الاجتماعي مؤخرًا موجة من الجدل، وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لأشرف تحت هاشتاغات مختلفة ما بين ادعماذاعهالقرانالكريم و ادعممحمد_أشرف وما بين من اعتبر كلام أشرف مسيئًا ومن اعتبره ساخراً ومجرد تقليد ولا يسيء للإذاعة.

إعلان

وفي ظل التسارع الكبير في الأحداث وحجم الانتقادات، يمكن أن يحاسب أشرف بتهمة إزدراء الأديان، على الرغم من أن الفيديو لم يسخر من شيوخ أو يتطرق لمذيعين بعينهم بل أنه قام فقط بالتعليق على أسلوب بعضهم بالحديث. أشرف، أكد في تصريحات صحفية " لم يكن يقصد الإساءة إلى المقرئين في إذاعة القرآن الكريم، وكان فقط يقلد المذيعين الذين يقدمون البرامج: "الناس أخذت فيديو قصير دقيقتين بس من حفلة كاملة، عملناها من شهر يناير لسنة 2019، بنتكلم فيها عن التعليق الصوتي بشكل عام، وأخدوا بس فقرة إذاعة القرآن الكريم، أنا مغلطتش في الدين ومغلطتش في المذيعين." في المقابل، قالت الهيئة الوطنية للإعلام في بيان لها أنها ستخاطب على الفور الجهات المعنية لمحاسبته على ما "اقترفه من خطأ جسيم في حق إذاعة القرآن الكريم التي لها قدسية وتقدير واحترام ومكانة خاصة في قلوب المستمعين."

هذه الحادثة تضيف إلى حوادث أخرى تعرض لها الكوميديين في العالم العربي سواء بتعرضهم للسجن - كما في حالة المصري شادي أبو زيد مراسل برنامج "أبلة فاهيتا" الذي قضى عامين بالسجن،  أو إنهاء برامجهم - كما في حالة باسم يوسف، أو اتهامهم بازدراء الأديان - كما في الحالة أشرف. ويتفق معظم العاملين في مجال الكوميديا أن الرقابة سواء الرقابة الشخصية أو المجتمعية أو السياسية هي أهم التحديات التي تواجههم، وتحد من حريتهم في التعبير عند الحديث بمواضيع تعتبر تابوهات أو عند السخرية من شخصيات أو انتقاد تصرفات معينة. وهو ما يجعل مجال العمل الكوميدي الصعب أصلاً أكثر تعقيداً.

الستاند اب كوميدي هو فن الأماكن المغلقة، وهو موجه لفئة وجمهور معين. ولكن من الذي أخرج المقطع لجمهور غير جمهوره وفي هذا التوقيت؟

مينا ريشا، 28 عامًا، ستاند أب كوميدي مصري، وصديق لمحمد أشرف، يقول أن ما حدث من ردود أفعال على الفيديو هو أمر مبالغ فيه ودليل على الفهم الخاطيء للمهنة: "الكثير ممن هاجموا أشرف لا يعرفون أصلًا ماذا يعني ستاند أب كوميدي أو ما هي طبيعة هذا الفن، ولهذا نجد تعليقات مثل "دا هزار تقيل أو فلان بيستظرف." هؤلاء لا يعرفون أن ما نقدمه هو سخرية، احنا فعلاً بنستظرف. وعلشان كده الموضوع يجب أن لا يتحول لشيء أكبر مما هو عليه."

أما تامر فرج، 45 عامًا، ممثل مصري ومن أوائل فنانين الستاند أب كوميدي في مصر فيشير إلى نقطة مهمة تتعلق بجمهور الستاند كوميدي، ويقول: "لنتفق بدايًة أن الستاند اب كوميدي هو فن الأماكن المغلقة، والمقطع المنشور من عرض محمد أشرف، كان موجه لفئة وجمهور معين تقبله كما هو، كما هي طبيعة هذا الفن. ولكن من الذي أخرج المقطع لجمهور غير جمهوره وفي هذا التوقيت؟ أتوقع أن الأمر مُدبر ومقصود."

إعلان

لعبت الكوميديا دوراً مهماً في تطور المجتمعات، وتم استخدام السخرية في الفن كطريقة لتمرير رسائل تتعلق بقضايا الاستبداد والدكتاتورية والطبقية والعنصرية يتم من خلالها نقد السلطات السياسية والدينية. ولكن شهد في العالم العربي في السنوات الأخيرة تقلصاً كبيراً في حرية التعبير، وأصبح من السهل إلقاء القبض على أي شخص يكتب أو يقول أي تعليق ساخر باستخدام "تهمة نشر أخبار كاذبة" أو استخدام حجة التشهير أو القدح والذم." وهذا ما يجعل الكوميدي أمام تحديات كبيرة، فالأمر لا يتعلق فقط بإنتاج محتوى وكل ما يتطلبه ذلك من ذكاء وخبرة، على الكوميدي أن يفكر طوال الوقت بحقيقة أن أي مزحة أو نقد قد يفسر بطريقة أخرى، وأنه قد يتعرض في أي لحظة للتهديد والسجن، أو في أحسن الأحوال سيتم رفض أعماله ومنعه من الظهور.

يؤكد مينا أن عمل الستاند أب كوميدي في مصر مليء بالرقابة، إذ يتم مراجعة المحتوى الذي يتم تقديمه، وهو أمر مرهق في هذه المهنة يعتمد أغلبها على الارتجال: "من الصعب أن أرتجل وأنا أعرف أن هناك نقاطًا معينة على أن أتفاداها، هذا يقلل من المساحة والدائرة الضيقة بالفعل التي نعمل فيها، كما يؤدي ذلك إلى تحجيم وتكرار الموضوعات التي نتحدث عنها. استمرار هذا الوضع بدون إحداث تغيير حقيقي وفهم مجتمعي لدور هذا الفن، سيؤدي إلى اندثار الكوميديا بشكل عام."

لا يخفي مينا شعوره بالقلق من زيادة القيود على هذه المهنة: "الفن في النهاية هو تعبير عن الناس والمجتمع بما فيه التابوه الثلاثي (الدين والجنس والسياسة)، المشكلة أن في هذا الفن أنا معرض للكثير من المخاطر، إذ يمكن أن يتم قص أي كلمة دون سياقها وأخذها علي في أي وقت، ومع وجود أدوات تواصل اجتماعي يمكن أن تُدمر حياة أيًا منا في لحظات، ولن يحمينا أحد. الجنس والدين والسياسة هي موضوعات نتحدث عنها كل يوم، فلماذا لا يمكننا فعل ذلك في العلن؟ الفن هو فرصتنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولهذا أرى أن واقعة كالتي حدثت مع محمد ستتسبب في زيادة القيود على المهنة، وهذا سيحجمنا وقد يضطر البعض لترك المجال، كما فعل بعض الفنانين من قبل، وسلكوا طرقًا أكثر رحابة من هذا الطريق، الأمر مُخيف."

إعلان

وعلى الرغم من أن أشرف أعلن عن أسفه لكل من فهم ما قدمه بشكل خاطئ، من غير الواضح إذا كان هذا الاعتذار كافًيا ويمكن قبوله مجتمعيًا، أم ستتم محاكمته، وخاصة بعد قيام المحامي سمير صبري بالتقدم ببلاغ للنائب العام ونيابة أمن الدولة العليا ضد أشرف، متهماً إياه "بالسخرية وإهانة إذاعة القرآن الكريم."

من الصعب أن أرتجل وأنا أعرف أن هناك نقاطًا معينة على أن أتفاداها، هذا يقلل من المساحة والدائرة الضيقة بالفعل التي نعمل فيها

آدم ألفي، 39 عاماً، ستاند اب كوميدي مصري سابق، عمل في المجال طويلًا في الولايات المتحدة يرى أن "المشكلة أنه لا يوجد لدينا حرية تعبير، وفن الكوميديا يعتمد في جوهره على وجود حرية تعبير ليس لها حدود." وفي ظل هذا الواقع، فهو يرى أن على محمد الاعتذار عن ردود الأفعال التي تسبب بها وليس الاعتذار على النكتة التي قام بإلقائها، فلا أحد يعتذر عن إلقاء نكتة: "أذكر مرارًا أن الستاند أب هو فن صعب ومهنة شاقة طريقها طويل، ولهذا لا يعني أنه إن "أخطأ" فنان ما، أن علينا أن نلغيه. محمد لم يُخطأ فيما قاله ولكنه ربما لم يُوفق في دراسة جمهوره جيدًا، فمن أساسيات فن الستاند أب دراسة الجمهور الذي يقدم له المحتوى."

في المقابل، لا يرى تامر أن أشرف مضطر للاعتذار ويقول: "أشرف لم يسخر من الدين بل سخر من أداء الوصلات والفواصل ليس إلا، وحين نسخر من شيء لا نقصد أنه سيء، فقد أسخر من أم كلثوم أو رأفت الهجان، ولكن هذا لا يعني أبدًا التقليل منهم بأي حال من الأحوال. فكرة الستاند آب كوميدي تقوم بالأساس على السخرية من النفس ومن مواقف شخصية وليس مواقف متخلية، وقد جاءت سخرية أشرف من هذا المكان، بحسب كلامه في المقطع، فهو كان يستمع إلى إذاعة القرآن الكريم طوال الوقت، فكيف يحُقر من القرآن والدين إن كان يُشغل الإذاعة في بيته طوال الوقت؟ ولهذا هو غير مضطر للاعتذار."

يتفق الجميع بأن الوضع العام يضع ضغطاً كبيراً على العاملين بالمجال ويجعلهم يفكرون ألف مرة قبل التحدث بما يخطر ببالهم، فلا أحد يريد أن ينتهي بالسجن لأجل نكتة. وينهي تامر بالقول: "نحن نمر بفترة حرجة تتطلب منا أن نتصرف بشكل أكثر وعياً. أرى أن المجال رحب جدًا بدون التابوهات الثلاث (سياسة، جنس، دين)، لدينا كم كبير من المشاكل التي تحتاج إلى انتقاد وسخرية. كما أنه من الواضح أن هناك حالة فراغ عامة أو شعور بفقدان المعنى يعاني منها الجميع، وبالنسبة للبعض أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي طريقة لاصطياد المشاكل لأي شخص."

ملاحظة: من المهم أن نؤكد وندعم ونقدر جميع الفنانين من حولنا من كافة المجالات أن ما يقدمونه يصنع فرقاً، وأننا نؤمن بهم وبحقهم/ن بالتعبير بطريقتهم/ن وبما يناسب قناعاتهم/ن. الفن من موسيقى وسينما ومسرح ورقص وكوميديا هي التي تجعل العالم أحلى وأرحب.