"نفسي بزلزال 12 ريختر يمسح اخت المنطقة عرص،" تقول أغنية بعنوان "02 زلزال" لفرقة بالعكس الفلسطينية. هذا التمني بالزلازل والبراكين والنيازك يبدو أنه شعور عام بالعدمية معجون بكثير من اللامبالاة ما بين الشباب العرب. وقد تكون صفحة "أخبار النيزك الذي سيضرب الأرض" على فيسبوك واحدة من تجسدات هذه العدمية، بطريقة ما.
يوحي اسم الصفحة للوهلة الأولى، أنها صفحة علمية بحتة تهتم بمجال الفضاء وبالتحديد عالم النيازك، وقد تعتقد أن منشوراتها متنوعة في تقديم معلومات مختلفة حول الفضاء يوميًا مع الاهتمام بالتدليل على مؤشرات نهاية العالم. لكنها العكس تمامًا، فالصفحة لا تنشر سوى جملة واحدة فقط ألا وهي "لا يزال النيزك في الفضاء" يوميًا منذ أكثر من سنة. تحدثت مع أدمن هذه الصفحة، والذي يعمل فنانًا بصريًا وفضل عدم الكشف عن إسمه. يقول أن الصفحة انطلقت في يونيو عام 2019، ويضيف: "كنت مع أصدقاء في مقهى نفعل ما نفعله دائمًا، بنشرب قهوة وبنحكي، وخطرت ببالنا هذه الفكرة. الفضاء من ضمن اهتماماتي المتعددة، ففعليًا هناك آلاف النيازك التي تصل الأرض يوميًا لكنها تحترق في الغلاف الجوي لصغر حجمها، واحتمالية إصابته للأرض لا تتعدى ٪0,0000001."
هذه الصفحة هي واحدة من عدد من الصفحات الشبيهة التي تنتشر على فيسبوك وتنشر صورة واحدة أو كلمة واحدة، منها صفحة نفس الصورة يومياً لراغب علامة، والذي تحدثنا مع المسؤؤل عنها قبل فترة. ولكن لماذا يتابع حوالي 40 ألف شخص هذه الصفحات؟
"لماذا يتابعنا الآلاف؟ ربما هو خليط من الملل وانعدام الأفق وعدم الثقة في المستقبل. الأيام تكاد تكون متشابهة روتينية لا جديد فيها مما يدفعنا إلى تمني أن يطرأ تغيير جذري في الحياة، وقد تكون قوة خارجية تغير هذه الرتابة، مثلاً نيزك، أو كويكب ضخم،" يقول أدمن صفحة "لا يزال النيزك بالفضاء."
تعرض الأرض يوميا لضربات من 100 إلى 300 طن من الغبار والأجسام الفضائية، بحجم حبة الرمل، حسب وكالة الفضاء الأمريكية. ومرة كل عام تصطدم بالغلاف الجوي نيازك بحجم سيارة فتشكل كرة نارية، ولكنها تحترق قبل أن تصل إلى سطح الأرض. وكل ألفي سنة تصطدم أجسام فضائية بالأرض بحجم ملعب كرة قدم، فتحدث أضرارًا كبيرة بالمنطقة التي تسقط فيها، وقد سبق أن سقط بعضها على الأرض وأحدث إصابات.
السؤال الذي قد يدور في ذهن أغلبية المتابعين فهو "مين يا ترى هالشخص الرايق اللي بينشر هالمنشور يوميًا وفي موعد محدد؟ وشو سبب اختيار هالصورة بالتحديد؟" يجيب القائم على الصفحة على هذا التساؤل فيقول: "وجدت خدمة إلكترونية من شأنها جدولة المنشورات يوميًا، فانخفض الجهد المبذول لإدارة الصفحة ومتابعتها حتى أقل من 10% وقد جدولت النشر بحيث أنه ينشر المنشور يوميًا بحدود الساعة التاسعة مساءً حسب توقيت بلاد الشام. وأما بالنسبة للصورة فهي عشوائية من غوغل. عدد الإعجابات للصفحة كانت تزيد على استحياء في البداية أي بمعدل 5 يوميًا، حتى ارتفعت فجأة إلى 200 يوميًا لدرجة أن هذا المنشور الثابت أصبح منتشرًا على صفحات الكثيرين."
"س" كان واحداً من أوائل المتابعين لصفحة النيزك، والذي اعجب بها بشكل كبير حتى أنه قام بمراسلتها وأصبح أحد أعضاء الفريق الذي يضم ثلاثة أشخاص، كما يخبرني عبر الأيميل: "وصلنا إلى أكثر من 30،000 متابع في فترة قصيرة، وأعتقد أن عبارة لا يزال النيزك في الفضاء تلفت الانتباه، وطريفة في الوقت نفسه. أنا مسؤول عن قراءة كل التعليقات، والتي هي في معظمها ساخرة."
لا تخلو التعليقات الحلوة والمرة من طرافة، كما يخبرني "س" وأغلبها يستعجل سقوط النيزك. بنظرة سريعة على التعليقات سترى الكثير من الدعوات لاستعجال وصول النيزك مثل "يا رب ننزل بقى ونموت كلنا بسلام" وذكر أغاني عدة لاستدعائه كتعليق جاء فيه "مستنياك تعبت تعبت من الأشواق حبييييبي" و"على نار" و"ما تتأخرش علينا" وآخر يقول "لو حامل كانت خلفت ..يوصل بالسلامة" و"مستنينك يا باشا" "واللي عند أهله على مهله" والكثير من ههههه. وهناك طبعاً إشارة إلى صفحة كل يوم نفس الصورة لراغب علامة، "يا محلا كل يوم نفس الصورة لراغب علامة :/ "
يرى "س" أن النيزك قادم لا محالة، لكن قد تحمل هذه الجملة اليومية معنى آخر، أي أنه ليس من الضروري أن يكون النيزك نيزكًا بكل معنى الكلمة، ولكن أمر أكبر منا قد يغير العالم ككل: "لا يمكنني إلا أن أقول ………………………. لا يزال النيزك في الفضاء."