لم تسلم ندى سالم، 18 عامًا، من نظرات الاستهجان في عيني أمها وهي تترك هاتفها المحمول يرن دون أن تحرك ساكنًا للرد عليه، فطالما اعتادت على ذلك زاعمة أنها لا تفضل الرد على الاتصالات وتعتمد فقط على الرسائل النصية للتواصل مع الآخرين عند الحاجة وفي حالات الضرورة الشديدة تستخدم الرسائل الصوتية، وهي تفضل هذا النوع من الاتصال بشكل عام ولا تفضل التواصل المباشر إلا مع أشخاص بعينهم تشعر معهم بالراحة والتفاهم.حالة ندى أصبحت لا تخصها وحدها وإنما ظاهرة شائعة بين قطاع كبير من الناس غالبيتهم من فئة الشباب يعتبرون أن الاتصال الهاتفي عبئًا ثقيلًا عليهم ليس له داعي ولا يجدون أي حرج في ترك هواتفهم ترن دون الرد على المتصل بعكس أجيال سابقة عليهم لا تفضل التواصل النصي على الإطلاق، وربما ترد على الرسائل النصية باتصال هاتفي.ولكن يوضح الدكتور هندي أن بالنسبة لبعض الأشخاص قد يكون أيضاً مرتبط بالتغييرات الإجتماعية والرغبة في تحديد وقت معين للرد على المكالمات الهاتفية حسب حالته واستعداده النفسي. ويقول: "عدم الرغبة بالرد على الهاتف لا ترتبط فقط بالأشخاص الانطوائيين فقط، ولكن يمكن أن نجد شخص اجتماعي للغاية، ولا توجد لديه أي مشكلة في التواصل المباشر مع الناس، ولكنه لا يرغب بالإجابة على مكالمة هاتفية. مع بداية الجائحة وتحول التواصل للعالم الإفتراضي بشكل كامل، أصبحت الرسائل والمكالمات والاجتماعات الإفتراضية سبباً للتوتر عند البعض سواء كان اجتماعياً أو انطوائياً."ما هي أعراض هذا النوع من الفوبيا هل هي مجرد التوتر والقلق عند سماع جرس الهاتف أم يمكن أن يتطور الأمر لأكثر من ذلك؟ يقول الاستشاري النفسي: "المصاب بفوبيا الرد على الهاتف ينتابه القلق وتبدأ معه حالة الفوبيا من مجرد سماع جرس هاتفه حتى من قبل أن يتحدث مع أحد، وقد يكون لديه رهاب من الحديث في الهاتف عامة، وأحياًنا من الحديث مع أشخاص بعينهم وبخاصة ذوي السلطة عليه مثل الوالدين أو الرؤساء في العمل. هذا النوع من الفوبيا له درجات وقد يصل إلى حد الهلع ويصاحبه أعراض مثل الارتعاش والتعرق وجفاف الحلق وزيادة ضربات القلب. كما أنه يؤثر بشدة على الجانب الاجتماعي في حياة الشخص ويحرمه من التواصل والتعبير عن مشاعره، وينتج عنه صعوبة في إنجاز المهام في مجالات مختلفة تتطلب التعامل عبر الهاتف."ويضيف أن أسباب هذا النوع من الفوبيا غالبًا ما تكون قلة الثقة بالنفس، يخاف المصاب من كافة أنواع المواجهة ومن بينها الحديث المباشر حتى ولو كان عبر الهاتف. وفي أحيان أخرى، قد يكون هناك ارتباط بين الهاتف والتجارب السيئة مثل سماع أخبار مؤلمة لأكثر من مرة، فيحدث له نوع من الرهاب من جرس الهاتف عمومًا.تحكي ملك حسن، 19 عاماً، وهي طالبة جامعية أن كل تواصلها مع أصدقائها هو عن طريق تطبيق الواتساب. وتضيف: "أشعر بالارتباك عند الحديث في الهاتف بعكس الرسائل النصية. أنا بشكل عام لا أحب الحديث أمام الناس على الإطلاق، ويمثل هذا الأمر أحد المشكلات التي أعاني منها في دراستي، لهذا أكره الاختبارات الشفوية. نتج عن هذا أن رفضت بشكل قاطع أحد فرص التدريب التي أتيحت لي في الصيف الماضي، وكانت ستعتمد على متابعة بيانات مع عملاء أحد الشركات واستخدام الهاتف بشكل أساسي. لا أعرف إن كان هذا يعد مشكلة تستدعي طلب المساعدة من مختص أم أنها طبيعة شخصيتي." يقول عمر الهادي، 21 عاماً، يدرس في عامه الجامعي الأخير: "أدرس في محافظة أخرى غير التي تقيم فيها عائلتي ودائما أبقي هاتفي على الوضع الصامت لأني لا أفضل المكالمات الهاتفية بجميع أنواعها، واعتمد على الرسائل النصية دائمًا وهذا سبب مشكلات كبيرة مع العائلة، لأن عدم ردي يسبب لهم قلق شديد يدفعهم للاستمرار في الاتصال، وحتى الاتصال بزميلي المرافق في السكن. حاولت كثيرًا إقناعهم بأن هاتفي صامت، وليس هناك ما يدعو للقلق لكن دون جدوى."من المهم طبعاً وضع حدود عندما يتعلق الأمر بالمكالمات الهاتفية غير المرغوبة، فقد لا تكون بمزاج جيد في تلك اللحظة، أو لا تريد أن تشعر أنه يجب أن تكون متوفراً طوال الوقت. ولكن بنفس الوقت عليك تقييم أهمية المكالمة وإعادة الرد في الوقت الذي تراه مناسباً، بحسب الدكتور هندي. في حال قد تطور لخوف يتحكم بحياتك ويمنعك من عيشها بشكل طبيعي، فقد يكون من الضروري أن تتحدث مع معالج نفسي عن هذه المخاوف. ويضيف: "هناك إجراءات علاجية محددة ويمكن للشخص في الحالات البسيطة أن يعتمد على تدريب نفسه بشكل متدرج مثل قيامه بالرد على شخص مقرب منه أو شخص لا يسبب الحديث معه أي توتر وضغط مثل طلب شيء من السوبرماركت. المكالمة لن تزيد عن دقيقة واحدة بشكل مختصر يمكن للشخص أن يرتب أفكاره قبلها. ولكن في الحالات المرضية، الأفضل الاستعانة بطبيب نفسي."
خالد السيد، ٢٠ عاماً، طالب جامعي يقول أنه لا يفهم جدوى الاتصالات الهاتفية ويراها اقتحاماً للخصوصية ويضيف: "كل تواصلي مع الناس هو عن طريق الرسائل النصية عبر الواتساب. هاتفي دائمًا في الوضع الصامت، وأكثر ما يضايقني هو عندما أقوم بالرد على أحد عن طريق الرسائل النصية لأفاجأ به قام بالاتصال بي رغم ذلك."ليلى مازن، 19 عاماً، طالبة جامعية سورية تدرس بالقاهرة تقر بالخلاف الكبير بين جيلها وجيل والدتها وتقول: "لا تكف أمي عن الحديث في الهاتف طوال اليوم مع الأصدقاء والأقارب وأحيانًا أجدها تعطيني الهاتف لأسلم على خالة أو عمة أو واحدة من صديقاتها، وهو أمر مزعج جداً. أنا لا أحب الاتصالات الهاتفية لأنها تعطي مجال للآخر للتدخل في شئووني وطرح أسئلة قد لا أرغب في الرد عليها، بعكس الرسائل النصية القصيرة المقتضبة التي لا تعطي المجال لذلك، وتفسح لي المجال لقول ما أريد قوله بعد تفكير، وليس بشكل مفاجئ كما في المكالمات الهاتفية."السؤال الذي يطرح نفسه، هل عدم الرد على الهاتف أمر طبيعي وعادي أم يمكن تصنيف هذه الظاهرة كنوع مستحدث من الفوبيا مرتبط بالخوف من الرد على الهواتف ويتواكب مع انتشار وسائل التواصل المختلفة والهواتف المحمولة؟الدكتور وليد هندي، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية، يقول أن فوبيا الرد على الهاتف هي أحد أشكال الفوبيا الاجتماعية التي ظهرت وانتشرت مؤخراً ويضيف: "قد يكون عدم الرد على المكالمات الهاتفية مرتبط برهاب المكالمات الهاتفية وهو يعني الإحجام عن استقبال المكالمات أو التحدث في الهواتف عمومًا بسبب الخوف، وأحيانًا يربطها علماء النفس برهاب التكلم بشكل عام، فينشأ لدى الشخص حالة من الخوف أو القلق من الحديث مع آخرين خوفًا من التلعثم أو الظهور بمظهر غير لائق. في هذه الحالات، يمكن أن يتم تشخيص الحالة كمرض نفسي في حال كانت تؤثر بشكل سلبي ومباشر على قدرة الأشخاص على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي."
إعلان