1616096465903-gettyimages-1161074598
صحة نفسية

ليس عليك التعايش مع عقدة النقص، بل يمكنك التحرر منها

"الشعور بعدم الكفاية وانعدام الأمن، ناجم عن نقص جسدي أو نفسي فعلي أو متخيل"

نمر جميعًا بأوقات نشعر فيها أننا لا نملك كفاءة بقدر ما يملك الآخرون، سواء كان ذلك بسبب الحصول على درجات منخفضة في إحدى الاختبارات، أو شعورنا بأننا أقل إنجازًا من زملائنا في العمل، أو أننا نعيش حياة لا تشبهنا.

من الطبيعي نحن كبشر أن نتساءل عما إذا كنا نرتقي إلى مستوى الآخرين أو نشعر بأننا غير مؤهلين، هذه المشاعر تكون بالعادة مشاعر ظرفية أو عرضية. عندما تظهر، يمكننا التفكير بها لبعض الوقت ونتعامل معها بطريقتنا، ربما من خلال تذكير أنفسنا بأن لدينا نقاط قوة أخرى، أو استخدامها كحافز لمواجهة مخاوفنا.

إعلان

حتى عندما تتسبب الأحداث الكبرى في شكنا بأنفسنا، كأن يتم فصلنا من الوظيفة أو نتعرض للخيانة من قبل الشريك أو الصديق، يستطيع معظمنا اللجوء إلى الأصدقاء والعائلة، وإيجاد طرق أخرى في النهاية للشعور بالأمان وعودة الحياة إلى طبيعتها، وعلى قولة محمد رمضان "طوبة اتحدفت بيها..اكبر واوقف عليها."

ولكن بالنسبة للبعض قد يكون التخلص من المشاعر السلبية أمراً صعباً وقد تتحول المقارنة بالآخرين إلى شعور بالنقص أمامهم، أو ما يسمى Inferiority Complex وهو يعني "تدني احترام الذات المزمن" حيث تشعر بأنك أدنى من غيرك بكل جوانب الحياة سواء الفكرية أو الاجتماعية أو الجسدية أو العقلية، وقد تقوم بإطلاق مسميات وألقاب سيئة على نفسك، وتعداد عيوبك، وتستمر في ذلك إلى أن يصبح انتقادك الذاتي أمرًا منطقيًا وطبيعيًا تتعايش معه. 

"عقدة الدونية أو النقص" 
على الرغم من أن مصطلح "عقدة النقص أو الشعور بالدونية" غالبًا ما يتم طرحه على سبيل المزاح في الثقافة الشعبية وليس تشخيصًا للصحة النفسية، إلا أنه اضطراب حقيقي. أولئك الذين يعانون من عقدة الدونية غالبًا ما يغمرون أنفسهم بتعليقات استنكار للذات، والتي يقنعون أنفسهم بأنها منطقية لدرجة قد تصيبهم بالإنهاك التام.

تعرف الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) عقدة النقص على أنها "شعور بعدم الكفاية وانعدام الأمن، ناجم عن نقص جسدي أو نفسي فعلي أو متخيل." يعود المصطلح إلى عام 1907، عندما صاغه عالم النفس الأسترالي ألفريد أدلر لشرح سبب افتقار الكثير من الناس إلى الحافز للتصرف بما يخدم مصلحتهم ومتابعة أهدافهم في الحياة. 

إعلان

كان أدلر فضوليًا لفهم سبب افتقار بعض الأشخاص إلى الدوافع اللازمة التي يحتاجونها لتحقيق أهدافهم، فهو يؤمن بأن الجميع يولدون بقدر من الدونية منذ مرحلة الطفولة، ولكن لديهم دافعًا فطريًا للتغلب على هذا الشعور بالدونية، حتى أنه استخدم نابليون بونابرت كمثال لشخص طور عقدة النقص بسبب صفة جسدية (قصر قامته).

وفقًا للباحث وعالم النفس جيمس مادوكس يمكن أن يكون لمقدمي الرعاية الأوائل تأثير هائل على الميل الجيني نحو الشك الذاتي، فما يردده الوالدان لأطفالهم في بعض الأحيان من جمل مثل "أنت غبي" أو "لا تفعل أي شيء بشكل صحيح " قد يؤدي إلى توليد شعورًا بالنقص يبقى ملازمًا لهم حتى مرحلة البلوغ.

بالإضافة إلى ذلك، فطبيعة الحياة التي يعيشها الطفل قد تؤثر عليه أيضًا، بمعنى الطفل الذي يولد بعائلة ثرية تلبي كل متطلباته ليس بالتأكيد كالطفل الذي يعيش حياة الحرمان، كما أن الأطفال الذي يولدون بعجز جسدي ينشغلون عادة بالانطباع الذي يتركونه لدى الآخرين، لهذا يشعرون أنهم غير مجهزين بشكل كافٍ لمواجهة الحياة مثلهم مثل باقي الأطفال.

كما قد يكون بعض الأشخاص أكثر عرضة لتطوير عقدة الدونية، فأولئك الذين يعانون من تدني احترام الذات والنظرة المتشائمة معرضون لذلك سواء كانت مشاعر الدونية حقيقية أو وهمية، أي إذا كنت تعاني من حالة صحية نفسية، قد لا تتمكن من التعرف على الأفكار الخاطئة أو الضارة عن نفسك ودحضها. كما أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الاكتئاب هم أكثر عرضة لتطوير عقدة النقص.

إعلان

وطبعاً يلعب المجتمع والثقافة دوراً مهمًا كذلك، على سبيل المثال، فإن التصور القائل بأن المرأة يجب أن تحافظ على لياقة بدنية مثالية قد يثير مشاعر عدم الكفاءة لدى البعض، أو أن الرجل يجب أن يكون طويل القامة وقوي البنية. ولعل أكثر ما يلعب دورًا في ذلك في عصرنا الحالي هو السوشيال ميديا، والمقارنة اليومية التي نضع أنفسنا بها سواء وضعنا الاقتصادي أو وظيفتنا أو مظهرنا الخارجي أو ثقافتنا وتعليمنا.

هل يوجد علاقة بين عقدة الفوقية والدونية؟
في نظرية أدلر لعلم النفس الفردي، تم ربط عقدة الفوقية وعقدة الدونية معًا. لقد اعتبر أن الشخص الذي يعتبر غيره أقل استحقاقًا يخفي في الواقع شعورًا بالنقص. وبالمثل، قد يحاول بعض الأشخاص الذين لديهم تطلعات عالية حقًا إخفاءها من خلال التظاهر بأنهم متواضعون أو حتى غير قادرين. فهو يرى إذا كان الشخص متفاخرًا مغترًا، فهذا فقط لأنه يشعر بالدونية كونه لا يشعر بالقوة الكافية للتنافس مع الآخرين.

يبدو أنه من سمات الطبيعة البشرية أنه عندما يشعر الفرد بالضعف، فإنه يلجأ لاجتذاب أي تفوق شخصي حصري يضاف له ويعوض النقص الذي يشعر به. أي إن عقدة الفوقية ليست إلا المرحلة الثانية لعقدة الدونية فهي نتيجة أو رد فعل للفشل في تحقيق هدف معين. تختلف الفوقية عن الثقة الحقيقية في أن الثقة هي نتيجة امتلاك مهارة أو نجاح أو موهبة فعلية في مجال معين، على النقيض من ذلك، فإن الفوقية هي ثقة زائفة أو تبجح حيال القليل من النجاح أو الإنجاز أو الموهبة أو عدم وجودها بالفعل.

إعلان

ما هي علامات عقدة النقص؟
-
التركيز بشكل متكرر على الأفكار المزعجة، الميل للعزلة بدافع الخجل أو الذنب أو الإحراج أو الشعور الداخلي بالهزيمة، إحساس داخلي واسع النطاق بهزيمة الذات أو كراهية الذات.

-الابتعاد عن زملاء العمل أو أفراد الأسرة فغالبًا ما يعتقدون أنهم لا يستحقون تكوين علاقات مع الغير لأنهم يشعرون أن كل من حولهم أفضل بكثير منهم، ولا يشعرون بالرضا عن النفس عندما القيام بعمل أفضل من الآخرين.

-تجنب أي نوع من المنافسة، فالأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات لا يخاطرون، وينتهي بهم الأمر بتفويت العديد من الفرص.

-هناك علامة أخرى يتم الاستشهاد بها كثيرًا على عقدة الدونية من خلال نقيضها أي عقدة الفوقية. العلامات المنبثقة عن الفوقية - "رأي مبالغ فيه عن قدرات الفرد وإنجازاته" - تنشأ من "التعويض المفرط عن مشاعر الدونية، ولهذا يقوم البعض بالتقليل من شأن الآخرين مما يجعلهم يشعرون بتحسن حيال أنفسهم، ويجدون صعوبة في الاعتراف بالأخطاء ويلقون اللوم على الآخرين. كما يعتبرون أن نجاح شخص آخر يعتمد بالضرورة على الحظ تمامًا وليس بسبب مجهودهم الشخصي.

هل هناك طريقة للتعافي؟ 
يحاول بعض الأشخاص التغلب على عقدة النقص لديهم عن طريق اللجوء إلى عالم من الخيال الوهمي وأحلام اليقظة، حيث يتخلون الأشياء التي لا يمكنهم فعلها في الحياة الواقعية ويلجأون إلى تحقيقها في أحلام اليقظة.

وهناك العديد من الأدلة على فعالية العلاج السلوكي المعرفي كذلك، يعمل العلاج المعرفي السلوكي بطريقة منظمة للغاية على  تعليم الناس فحص الأفكار والمشاعر السلبية التي يمرون بها ليقوموا بتغييرها تدريجيًا بمرور الوقت عن طريق التحقق من صحتها. بمعنى أن يسأل الفرد نفسه "هل أنا حقًا شخص غير كفؤ تمامًا ولأ أفعل شيئًا صحيحًا أبدًا، أم أن هذا مجرد تشويه معرفي؟"

قد يكون من المفيد تجربة التأمل وكتابة اليوميات. يمكن أن يكون كلا النشاطين مفيدين في مساعدتك على الانسجام مع نفسك. سيساعدانك على البدء في فهم ما كانت عليه بعض أنماط تفكيرك حول صورتك الذاتية وأين تتشكل مشاعر الدونية لديك لاتخاذها نقطة انطلاق للعمل على حلها ومواجهتها.

من المهم التواصل مع نفسك من خلال تكرار ترديد بعض الكلمات الإيجابية، والتي يمكن أن تساعدك على التخلص من أي مشاعر سلبية، فقد يساعد الحديث الإيجابي مع النفس على الارتقاء بنفسك كلما شعرت بالإحباط. إحاطة نفسك بأشخاص أكثر إيجابية، يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا، فمن الطبيعي أن العلاقات السلبية أو السامة تجعلنا أكتر تشككاً بأنفسنا.

هناك الكثير من الناس مشغولون بمحاولة أن يكونوا شخصًا آخر، وهذا ما يفسر إحباطهم. لهذا من الضروري أن تتقبل نفسك، هذا يعني قبول ذاتك الحقيقية، شخصيتك، مظهرك، ردود فعلك، وقبول نقاط ضعفك في مجال معين. لكل شخص نقاط قوته وضعفه، لا تقلل من نفسك أو من عملك أو من أهميتك بالنسبة للآخرين.

التعايش مع عقدة النقص ليس أمر عليك تحمله، بل يمكنك التحرر منه، فأنت تستحق أن يكون لديك حب واحترام لذاتك وتستحق أن تشعر بالقوة والسعادة والثقة مع نفسك ومع الآخرين.