FYI.

This story is over 5 years old.

مرأة

ضحايا الاغتصاب في موريتانيا مدانات بحكم القانون‎

القانون الموريتاني لا يُحدد تعريف واضح للاغتصاب، وعدم إثبات التهمة على الجاني يحول الضحية إلى مدانة بـ "انتهاك حرمات الله"
موريتانيا

في منزل متواضع بنواكشوط الجنوبية، تجلس مريم (اسم مستعار) 17عامًا متوارية عن الأنظار لا تنطق ببنت شفة بينما تجلس والدتها عند باب المنزل وقد كبلتها الحسرة، واعتصرت المرارة قلبها، فما حصل لابنتها الصغرى القاصر، كفيل بتقطيع كبد كل أم. كان المشهد هادئًا حزينًا، عندما زرت العائلة أول مرة، أثناء الإعداد لقصتي. كانت الأم تنتظرني بفارغ الصبر، لكي أتعرف على ما حصل لابنتها. هي الوحيدة التي قبلت استضافتي من بين عشرات الأسر، التي فضل بعضها التكتم على اغتصاب بناتها، والبعض الآخر فضل تسوية الأمر على نار هادئة مع الجناة.

إعلان

بصوت مبحوح تحمل نبرته الكثير من الحزن، نادت على ابنتها مريم، وأمرتها بالجلوس جنبها لكي تسمعنا حكايتها مع الاغتصاب. مريم فتاة صغيرة في مقتبل العمر، أحلامها كانت بسيطة، والمستقبل أمامها مشرق، لم يخطر على بال أمها أن حياة ابنتها الصغيرة المدللة ستتحطم بالكامل، وسيلقي بها القدر في ركن قصي من المنزل، بعيدًا عن الأعين، وكلام الناس. انضمت الفتاة إلينا، لكنها قضت وقتًا طويلاً دون أن تحرك شفتيها ببنت شفة. سألتها مرة بعد مرة بعد أخرى، وأخيرا بدأت تتكلم: "استغل ابن الجيران فرصة غياب أهلي، وتعدى عليّ غصبًا ثم هددني حال أفشيت الأمر." سألت والدتها، متى اكتشفتم ماحدث؟ أجابت: "هي لم تخبرنا أبدا بما فعل، لكنها مرضت في إحدى المرات وذهبنا بها إلى المستشفى وهناك اكتشفنا بأنها حامل في شهرها الثالث، سألناها عن الفاعل وكيف، فحكت لنا الحكاية."

قصة عيشة (اسم مستعار) التي تعيش في نواكشوط الغربية، تختلف عن مريم. فبينما تتوارى مريم عن الأنظار في المنزل، تقوم "عيشه" بزيارة مركز لتأهيل الضحايا بنواكشوط، بعد أن أصيبت بالاكتئاب نتيجة لوقوعها ضحية للاغتصاب ذات مساء مشؤوم. "كنت عائدة إلى المنزل في ذلك المساء من عند الدكان، باغتني من الخلف ووضع سكينا على رقبتي وهددني بالقتل إن أنا تحركت أو صرخت." فضلًا عن مريم وعيشه، هناك عشرات الفتيات اللاتي يتم اغتصابهن في موريتانيا، ولا يتحدثن عن الأمر بسبب الخوف على السمعة أو الخشية من بطش المعتدي، أو بسبب عدم الثقة في عدالة القانون؛ وهو الجانب الأكثر إيلامًا في الموضوع، إذ أن المواد التي تجرم الاغتصاب في القوانين الموريتانية تُصعّب على الضحية الحصول على حقها أو تحقيق العدالة، بل وقد تضعها في قفص الاتهام.

إعلان

قصور قانوني
صُدمت أسرة مريم بالقانون الذي لا يحقق العدالة، فعندما رفعت شكوى ضد المتهم عند محكمة نواكشوط الجنوبية، تم استدعاؤه، لكن وحسب الوالدة، تم إلقاء القبض عليه للاستجواب، وبعد أيام جاء أهله إلى والدة مريم يريدون الصلح، وتزويج الجاني بالضحية، وقبلت والدة الضحية، قبل أن تتفاجأ بإطلاق سراحه وبرجوع أهله عن طلبهم. وبعدما كانت في انتظار أن ينصفها القانون راح حلمها في مهب الريح بل وأصبح من الممكن أن تواجه مريم تهمة انتهاك حرمات الله. تجربة عيشة بين أروقة المحاكم لا تختلف كثيرًا عن تجربة مريم المخيبة للآمال، فبعدما كلفت منظمة مختصة بالدفاع عن ضحايا الاغتصاب محاميًا بقضيتها، لم يستطع إثبات التهمة على المتهم، وأطلق سراحه في نهاية الأمر، فالقانون الموريتاني لا يقدم تعريفًا واضحًا لجريمة الاغتصاب، ويحدد عقوبة الجناية في مادتين من القانون الجنائي الموريتاني، وهما المادة 309 - 310.

ما لم يعترف المتهم بفعلته أو تأتي الضحية بأربعة شهود يظل من الصعب إثبات الجريمة على المتهم. وقد يكيف القاضي في بعض الأحيان القضية على أنها انتهاك لحرمات الله، وعندها تكون الضحية متهمة أيضًا وقد تواجه السجن حتى ولو كانت قاصرًا

يجرم القانون الموريتاني الاغتصاب في مادتيه 309 و310 إذ تنص الأولى على أنه "يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من يحاول ارتكاب جريمة الاغتصاب وإذا تمت الجناية فإنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة زيادة على الجلد إذا كان بكرا كما يعاقب بالرجم وحده إذا كان محصنًا." فيما تنص المادة 310 على أنه "إذا كان الجناة من أصول من وقع عليها الاعتداء أو كانوا من فئة من لهم سلطة عليه، أو من معلميه أو من يخدمونه بأجر، أو كان خادما لدى الأشخاص المبينين أعلاه، أو كانوا موظفين أو رجال دين، أو إذا كان الجاني قد استعان في ارتكاب الجريمة الجنائية بشخص أو أكثر فتكون العقوبة هي: الاعدام بالرجم بالنسبة للمحصنين، وبالأشغال الشاقة المؤقتة زيادة على الجلد بالنسبة للبكر."

إعلان

يقول المحامي لدى المحاكم الموريتانية العيد ولد امبارك، أنهم يعانون من عدم تعريف هذه المواد لجريمة الاغتصاب كما أن المعاناة الأكبر تكمن في إثبات الجريمة. "ما لم يعترف المتهم بفعلته أو تأتي الضحية بأربعة شهود يظل من الصعب إثبات الجريمة على المتهم. وقد يكيف القاضي في بعض الأحيان القضية على أنها انتهاك لحرمات الله، وعندها تكون الضحية متهمة أيضًا وقد تواجه السجن حتى ولو كانت قاصرًا،" ويضيف المحامي العيد: "رغم أن القانون يعتبر بأن رضا القاصر لا يُعتد به فإن القاصر هي الأخرى قد تواجه نفس التهمة."

المجتمع المدني، هو الآخر، يوافق المحامي العيد ولد مبارك، فيما ذهب إليه. قمت بزيارة مقر منظمة مُعيلات الأسر التي ترأسها الناشطة آمنة بنت المختار، وعندما سألتها عن القانون وهل تعتبره عائقًا دون إنصاف ضحايا الاغتصاب قالت: "نعم نعتبره فعلًا عائقًا دون إنصاف ضحايا الاغتصاب، ونحن قمنا بصياغة مقترح قانون وقدمناه للبرلمان لكن تم رفضه بحجة أنه مخالف للشرع." وتابعت آمنة:"ليس هناك طب شرعي في موريتانيا، ولا فحص للحمض النووي DNA، وفي غيابهما وفي ظل ضعف القانون، لن تجد ضحية الاغتصاب العدالة كما أن الضحية عندما تذهب إلى المستشفى من أجل الكشف الطبي، لا تجد من يهتم بها، وتبقى هناك مع المرضى وزوار المستشفى."

وترى النائب البرلماني زينب منت التقي، أن المواد المجرمة للاغتصاب في موريتانيا، لا تساعد على معاقبة الجناة وإعطاء الضحايا حقوقهن في العادلة، وأضافت: " لقد قمت بتقديم مشروع قانون شخصياً، لكنه وضع في رواق من أروقة البرلمان ولم يهتموا به."

انتفاضة نواكشوط
المرة الوحيدة التي شهد المجتمع الموريتاني فيها أول صرخة ضد تفاقم ظاهرة الاغتصاب، كانت عام 2015 عندما هزت نواكشوط حالة اغتصاب وحرق لقاصر، تبعتها حادثة أخرى مماثلة. خرجت المظاهرات تقودها النساء مطالبة بمعاقبة الجناة أشد عقاب، جابت المظاهرات شوارع نواكشوط، وتظاهر الناشطون أمام القصر الرئاسي، وأمام البرلمان. لكن تلك المظاهرات سرعان ما خمدت، وخلا الجو للمغتصبين دون رادع، كما أن الدولة لم تقم بردة فعل تذكر. خلال رصدنا للظاهرة قابلتنا حالات اغتصاب كثيرة، لفتيات في أعمار مختلفة ومناطق متعددة، بعض هذه الحالات، يقوم أهلها بالتسوية مع الجاني وأهله، تارة خوفًا من الفضيحة وكلام الناس، وتارة تحت تهديد ووعيد الجناة أو ترغيبهم من خلال تقديم مبالغ مالية لذوي الضحية.

إعلان

في ظل تكتم ذوي الضحايا ورضوخهم للإغراءات المادية أو التهديد من جهة، و تقاعس الدولة الموريتانية عن تقديم مشروع قانون يحمي ضحايا الاغتصاب، من جهة ثانية كما هو الحال في بعض الدول العربية المجاورة، تظل نسبة ظاهرة الاغتصاب في ارتفاع

علمنا بوقوع حالة اغتصاب جديدة خلال عملنا على هذا التقرير بمنطقة نواكشوط الجنوبية، الضحية فتاة قاصر قدمت شكوى عند مفوضية الشرطة، والمتهم رجل شرطة كانت تعمل عنده. وحسب رواية منظمة "صحة الطفولة والأمومة" المدافعة عن ضحايا الاغتصاب، فإن الفتاة قالت إن المتهم عاد إلى المنزل في وقت العمل، وكانت زوجته خارج المنزل، وقام باغتصابها. لكن بعد أيام وخلال بحثنا عن توثيق لتفاصيل الحادث، علمنا بأن الأمر تمت تسويته بين المتهم وذوي الضحية.

بعد هذه الحادثة بأيام معدودة، علمنا بحالة اغتصاب، ضحيتها طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات، والمتهم رجل بلغ من العمر أرذله، كان يسكن مع أهلها. ذهبنا إلى المنظمة التي كانت تعمل على توصيل القضية للعدالة، وجدنا أن والد الطفلة الضحية سحب الشكوى بسبب تدخل أفراد من القبيلة التي ينتسب لها الوالد والمتهم، وأطلق سراح الأخير. وفي ظل تكتم ذوي الضحايا ورضوخهم للإغراءات المادية أو التهديد من جهة، و تقاعس الدولة الموريتانية عن تقديم مشروع قانون يحمي ضحايا الاغتصاب، تظل نسبة ظاهرة الاغتصاب في ارتفاع.

منظمة مٌعيلات الأسر، استطاعت في احصاءاتها للأعوام الماضية، وتوصلت إلى أنه في عام 2014 وصل عدد الحالات المسجلة 390 حالة، فيما قفز العدد قفزة كبيرة عام 2015 ليصل إلى 598، أما في عام 2016 فقد تم إحصاء 7 ولايات من أصل 12 ووصل عدد الحالات المسجلة 412 وتتوقع رئيسة المنظمة أن يكون العدد كبيرا عندما يتوصلون إلى الإحصاءات في الولايات المتبقية. لكن هذا العدد لا يعكس الأعداد الحقيقية عن عدد حالات الاغتصاب، فالعائلات في المناطق النائية والولايات خارج العاصمة نواكشوط، لا تبلغ عن حالات الاغتصاب ويتم التستر عليها نهائيًا بسبب نظرة المجتمع، كل هذا وسط سكوت مفزع من طرف الدولة والوزارة الوصية.

تهرب حكومي
اتصلت بمسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة من أجل إعطاء الفرصة للجهة الرسمية للرد على الأسئلة الموجهة لهم، والمتعلقة أساسا بسكوتهم المطبق عن ظاهرة الاغتصاب، وعدم سعيهم إلى المساهمة في وضع قانون صارم يعاقب الجاني وينصف الضحية. المسؤول في البداية قال إنهم لا يحبون الحديث عن هذا الموضوع، لكنني عاودت الاتصال به مرة أخرى، فأجابني بأن الوزيرة وطاقمها مشغولون هذه الأسابيع في حملة التعديلات الدستورية ولن يقبلوا الحديث عن موضوع حساس مثل ظاهرة الاغتصاب في هذه الظرفية. وما بين صمت المجتمع وخوفه من العار أو بطش الجناة من جانب، وبين ضعف القانون المجرم للظاهرة وتجاهل الجهات الرسمية لها على الجانب الآخر، تظل الفتاة الموريتانية عرضة للاغتصاب في أي وقت ومهددة بنفس مصير مريم وعيشه، ما لم يتغير الوضع.