جوليا إنجل
ربما تكون شاهدت الإعلانات التي تنتجها شركات السجائر الكبيرة حول مخاطر التدخين، لكن الحقيقة أن شركات التبغ الإعلانات لتجعل المدخنين أكثر إدمانًا.
بدأ الطريق إلى الإعلانات التي تقوم شركات السجائر الكبيرة بإنتاجها حاليًا في الصحف والإذاعة والتلفزيون، في فندق بلازا في نيويورك في ديسمبر 1953. وذلك عندما اجتمع رؤساء شركات التبغ الأمريكية ومحاموهم وشركة "هيل آند نولتون للعلاقات العامة" لصياغة رد فعل مناسب إزاء تزايد القلق العام - بسبب الأدلة العلمية الحديثة حينها - حول تسبب التدخين في الإصابة بالسرطان. قرر مسؤلو الشركات أنه بدلًا من قبول حقيقة أن التدخين يسبب الأمراض، العمل على إنشاء منظمة أبحاث "مستقلة"، وهي لجنة بحوث صناعة التبغ، لتمويل بحوث تهدف إلى دراسة الجدل الدائر حول الآثار السلبية للتدخين. وأعلنوا إنشاء منظمة "تيرك" TIRC ، ونشروا إعلانات على صفحات كاملة في الصحف والمجلات في جميع أنحاء البلاد، تؤكد للمدخنين وصناع القرار أن الشركات تضع مصلحة الناس كمسؤولية أساسية في المقام الأول قبل أي اعتبار آخر، ولكن شركات التبغ لم تفعل شيئًا من هذا القبيل.
لقد أمضيت عقودا لدراسة وإقامة المعارك مع صناعة التبغ.. هناك أسباب خفية حول سبب مشاهدتك هذه الإعلانات الآن.
غير مستقلة
وبعيدًا عن كون منظمة بحوث التبغ "مستقلة"، فإن محاميّ الصناعة والمديرين التنفيذيين يسيطرون على مجلس المنظمة، وغيرها من المنظمات اللاحقة على مستوى صناعة التبغ. وقد استخدم هؤلاء الأشخاص هذه المنظمات لتوجيه الأموال إلى الأفراد والمنظمات التي من شأنها أن تعارض الأبحاث العلمية التي تربط بين التدخين، أو التدخين السلبي في وقت لاحق مع المرض والموت.
لماذا؟ لأنهم بحاجة إلى دعم للجهود القانونية والسياسية التي تبذلها شركات التبغ لإبقاء الناس يدخنون قدر الإمكان وإلى أقصى حد ممكن؛ حتى تتمكن الشركات من تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح.
وبينما تحارب شركات السجائر الأدلة التي تشير إلى أن التدخين يسبب المرض وأن النيكوتين هو المسبب للإدمان في السجائر، فقد قبلت في الواقع هذه الحقائق سرًا منذ الخمسينات (قبلت أن التدخين يسبب السرطان) وفي الستينات (اعترفت أن التدخين يسبب الإدمان).
وفي الوقت الذي كانت تُنكر فيه حقيقة أن النيكوتين يسبب الإدمان، قامت تلك الشركات بتطوير النيكوتين لتكون السجائر أكثر إدمانًا.
وذلك من خلال بعض الأنشطة التسويقية التي خدعت المدخنين، بالتفكير في أن هناك سجائر خفيفة أو أكثر أمانًا (والحقيقة أنها ليست كذلك)، فضلًا عن تسويق بعض السجائر للأطفال، وهو ما قاد البعض لمقاضاة شركات التبغ بتهمة الاحتيال بموجب قوانين الولايات المتحدة في أوائل التسعينات.
وأجبرت هذه الدعاوى الشركات على فرض بعض القيود حول التسويق (وهذا هو السبب في عدم وجود المزيد من لوحات التبغ الإعلانية والرعاية المحدودة جدًا لبعض الأنشطة الرياضية) وعمل اتفاقية تسوية رئيسية بمليارات الدولارات مع حكومة الولايات المتحدة في عام 1998.
واستنادا إلى هذا الأساس، في سبتمبر 1999، رفعت وزارة العدل الأمريكية دعوى مدنية ضد شركات التبغ الكبرى ومنظماتها العلمية والتجارية بتهمة الاحتيال على الجمهور؛ لإبقائهم مدخنين.
واتهمت وزارة العدل المدعى عليهم بانتهاك قانون ريكو "RICO" بالفساد والتأثير على الجمهور، لأنها أنشأت "مؤسسة" تمارس نشاطًا غير مشروع.
وقانون ريكو RICO هو قانون فيدرالي سُن لمكافحة الابتزاز مقابل الحماية، وهو نفس القانون المستخدم لملاحقة شبكات الجريمة المنظمة.
بعد العديد من التقلبات والمنعطفات، في أغسطس 2006، وجد القاضي الاتحادي غلاديس كيسلر أن ما قامت به الشركات يعد انتهاكًا للقانون، وطالبهم بالتوقف عن دعم مؤسسة بحوث التبغ أو غيرها من المنظمات المماثلة، كما تم حظر إنشاء منظمات جديدة.
كما أمر الشركات بالكشف عن ملايين وثائق السرية، والتي شكلت الأساس لأكثر من ألف 1000 منشور وتقريرًا أدى إلى تغيير المشهد في سياسات مكافحة التبغ، وأصدر القاضي في عام 2012 أمرا إلى الشركات بنشر "إعلانات تصحيحية" توضح حقيقة التبغ.
تأجيل الإعلانات التصحيحية لسنوات
ومع ذلك، واصلت صناعة التبغ محاربة الإعلانات التصحيحية في المحكمة لمدة خمس سنوات أخرى، وتجاهلت قرار القاضي كيسلر بأن كبار صناع التبغ في الولايات المتحدة الأمريكية خدعوا الجمهور الأمريكي عمدًا حول الآثار الصحية للتدخين، وضرورة إصدار تلك الشركات بيان بالحقيقة.
في النهاية، نجحت هذه الصناعة في تجنب الإعلان بأنها "خدعت" الجمهور حول "الحقيقة"، فالبيانات التي نُشرت لأول مرة اعتبارًا من 26 نوفمبر 2017، أقل بكثير مما طلبته المحكمة. ولكنها ليست نهاية المعركة.
ويتساءل الناس، هل بعد كل هذا الوقت، لا يعلم المدخنين أن التدخين سيء بسبب تلك العبارات اللطيفة من شركات التبغ؟
والواقع أن معظم الناس لديهم معلومات بأن التدخين "سيء"، إلا أنهم لا يٌقدّرون مدى سوء ذلك، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإعلانات التصحيحية التي يجب على الشركات القيام بها تعالج مجموعة واسعة من القضايا، مثل إدمان النيكوتين، كما أنها تكشف حقيقة أن السجائر الخفيفة والمعتدلة عبارة عن احتيال، وهذه هي القضايا التي من المرجح أن يجهلها معظم الناس.
هل هذه نهاية المعركة؟ لا، فلا يزال صناع التبغ يبذلون كل ما في وسعهم لاصطياد فرائس جديدة وحماية أرباحهم.
آخر جهودهم في هذا المجال، قيام شركة فيليب موريس الدولية، بإنتاج نيكوتين يتم تسخينه دون حرقه، والتسويق لذلك المنتج باعتباره سيجارة خفيفة، وأكثر أمانا من السجائر التقليدية على الرغم من أن الأبحاث لا تكشف ذلك وفقا لـ 24 معيارا صحيا.
وأطلق فيليب موريس مؤخرا مؤسسة لعالم خال من التدخين، تدعي، مثلها مثل منظمة أبحاث التبغ منذ 60 عاما، أنها تهتم بالصحة، وأنها مستقلة عن فيليب موريس.
ولكن اليوم نحن نعرف الكثير.