بوسترات تحكي قصة شعب

تصوير علاء دراغمة

FYI.

This story is over 5 years old.

سياسة

بوسترات تحكي قصة شعب

يرى البعض أن هذه البوسترات هي تقدير وطني للشهيد، فيما يرى البعض الآخر أنه يتم استغلالها أحياناً من قبل التنظيمات الفلسطينية لرفع شعبيتها في الشارع

لم تمض ساعات قليلة على استشهاد الاسير المُحرر محمد عطا، 19 عاماً، من مخيم قلنديا للاجئين٬ شمال مدينة القدس المحتلة برصاص جيش الاحتلال الاسرائيلي خلال دخولهم للمخيم لاعتقاله قبل عامين، حتى تحولت ابتسامة الشاب الذي كان يجوب شوارع المخيم ليل نهار الى "بوستر" تم إلصاقه على جدران المخيم، لينضم الى عشرات البوسترات التي تنتشر في شوارع المدن الفلسطينية فمن الصعب أن تمشي في أي شارع أو زقاق بدون أن تلمح بوستر لشهيد ما معلق على الجدران وأبواب المحال التجارية يطل عليك بابتسامة باهتة بينما تختفي ملامحه مع تمزق وتلف ألوانه الذي لا يتجاوز مقاسه A3 بسبب تعرضه للشمس والريح والمطر.

إعلان

بوستر الشهيد محمد عطا، مخيم قلنديا للاجئين، شمال مدينة القدس

بدأ الفلسطينيين باستخدام البوسترات لتخليد ذكرى الشهداء الفلسطينيين في السبعينات من القرن الماضي، حيث كان يتم رسم صورة الشهيد باليد أو يتم إضافة رموز نضالية أخرى كالحجر والعلم الفلسطيني إضافة الى شعار التنظيم الذي ينتمي إليه الشهيد تزينه عبارات ثورية مثل ثورة حتى النصر وشهداء الشعب يعبدون طريق التحرير. مع بداية الانتفاضة الأولى في عام 1987 بدأت طباعة "بوسترات" الشهداء في المطابع المحلية، لكن القيود الإسرائيلية في حينها حدت من طباعة وتداول البوسترات المطبوعة حيث كان الذي يقوم بتعليق هذه البوسترات على الجدران يعرض نفسه للسجن أو الموت. معظم هذه البوسترات كانت تتضمن صوراً او رسوماً لمناضلين فلسطينين استشهدوا أثناء القيام بعمليات، ومن ثم أصبحت تتضمن صوراً لفلسطينين استشهدوا ظلماً بدون أن يكون لهم دور سياسي او نضالي، بسبب كونهم اولا فلسطينين وثانياً مجرد وجودهم في المكان والزمان الخطأ.

معظم هذه البوسترات الفنية التي كانت تتفنن التنظيمات الفلسطينية في الداخل والخارج الفلسطيني في تصميمها، لم تكن تحوي الكثير من الرموز السياسية أو الدينية، ولكن مع بداية الانتفاضة الثانية في عام 2000 تغير شكل البوستر ليصبح أقل فنية وأكثر عملية، وتسللت رموز جديدة كصور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ومؤسس حركة حماس أحمد ياسين إضافة إلى صور ذات رمزية دينية كالمسجد الأقصى والآيات القرآنية وتدريجياً طغت ألوان ورموز التنظيمات الفلسطينية على ألوان العلم الفلسطيني. "تختلف صور الشهداء من حزب الى آخر من ناحية صورة القائد والشعار فمثلاً بوسترات حركة حماس تجد عليها صوراً لقادتهم كأحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ويطغى عليها اللون الأخضر الذي يُمثل علم الحركة، أما شهداء الجبهة الشعبية فيطغى على بوسترهم اللون الأحمر،" هذا ما قاله أحد مصممي بوسترات الشهداء والذي فضل عدم ذكر اسمه.

إعلان

بوستر للشهيد محمود حطاب، مخيم الجلزون للاجئين، شمال مدينة رام الله

"في المراحل الأولى من الثورة الفلسطينية وخاصة في مرحلة الانتفاضة الأولى، كانت قوة الفعل أكبر من قوة الصورة، وكانت الصورة تأتي لتخليد الواقع، وتأبيد اللحظة الزمنية،" يقول الدكتور وليد الشرفا أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة بيرزيت مشيرا إلى أن صورة الشهيد "البوستر" كانت دائماً تعبر عن حالة العمل الوطني وعليه فإن شكل البوستر والهدف منه يتغير تبعاً لتغير معطيات العمل الوطني: "حالياً في مرحلة تراجع العمل الوطني، فإن الصورة أصبحت أقوى من الواقع، وتحاول أن تعبر عن الحنين إلى الماضي، إلى الثورة المسلحة، فأصبح هناك إفراط في استخدام صور السلاح وانتقلنا من عصر الواقع الذي يصنع الصورة، إلى مرحلة الصور التي يراد لها أن تخلق واقعاً،" مشيرا إلى المبالغة في إظهار السلاح والرموز الوطنية مثل القدس وعرفات في "بوسترات" الشهداء.

انتقلنا من عصر الواقع الذي يصنع الصورة، إلى مرحلة الصور التي يراد لها أن تخلق واقعاً

خلال الانتفاضة الثانية (2000-2005) والتي شهدت ظهور مقاومة مسلحة فلسطينية اثناء الاجتياح الاسرائيلي للمدن الفلسطينية، أصبح البوستر جزء لا يتجزأ من العمل الفلسطيني، وأصبح هناك رغبة شخصية من قبل المناضل/الشهيد نفسه بأن يخلد ذكراه، فلم يعد الأمر مسؤولية التنظيم فقط بل أصبح الشهيد المستقبلي يختار بوستره بنفسه من بينهم الناشط السابق في كتائب الأقصى مهدي أبو غزالة، 36 عاماً، وصديقه الشهيد فادي قفيشة، 30 عاماً، والذي استشهد في الثلاثين من حزيران عام 2006. يستذكر مهدي الذي كان مسؤولاً عن مجموعة مسلحة تتكون من 36 مقاتلاً، صديقه فادي عندما اختار حدد الشكل الذي سيكون عليه البوستر وحدد الصورة التي يجب أن يحملها البوستر وهي صورة له وهو مختبئ داخل زقاق البلدة القديمة في مدينة نابلس بجانب مجموعة من العبوات الناسفة وما كان من مهدي إلا أن قام بتنفيذ وصيته. ويشير مهدي إلى أن الكثير من الشبان الذين كانوا ملاحقين من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكان مصيرهم معروفاً، إما الاغتيال أو السجن، اختاروا صور البوسترات المخصصة لهم قبل استشهادهم. وفي الحالتين، الاستشهاد والاعتقال، كان يجري طباعة بوسترات لهم، وإلصاقها على الجدران. ويؤكد مهدي إلى أنه مع تطور التكنولوجيا وأدوات الطباعة اتجه الكثير من الفلسطينيين إلى دبلجة الصور ووضع سلاح وخاصة كلاشينكوف مع صورة الشهيد للدلالة على أنه كان مقاتل.

إعلان

عند الاعلان عن سقوط شهيد، يتم فرض اضراب تجاري تغلق فيه كافة المحلات ابوابها احتراماً له ولاهله. الصورة من مخيم قلنديا للاجئين

ويشير محمد أبو لطيفة، عضو الهيئة التنظيمية لحركة "فتح" في مخيم قلنديا، لـ VICE عربية أنه مع عودة منظمة التحرير الفلسطينية إلى الضفة الغربية بعد توقيع اتفاق أوسلو للسلام في بداية التسعينيات سُمح للفلسطينيين بفتح المطابع الخاصة دون رقابة إسرائيلية كما كان في السابق، ومنذ حينها امتلأت الجدران ببوسترات الشهداء والأسرى." ويضيف: "إن إلصاق صور الشهيد تعتبر بمثابة تقدير وطني قليل لما قدمه الشهيد لوطنه من قبل أهالي الشهيد وأصدقائه وحتى التنظيم الذي ينتمي له. صور الشهداء على الجدران تذكر الفلسطينيين دائماً بأن هناك من ضحى من أجل الوطن."

بوستر الشهيد محمد حطاب الذي استشهد عندما اطلق جنود الاحتلال النار على السيارة التي كان بها. مخيم الجلزون للاجئين

العديد من النشطاء في الحركات الفلسطينية، وأفراد من عائلات الشهداء يشيرون إلى أن اختيار صورة الشهيد لوضعها على البوستر يتم اختيارها من قبل أهل الشهيد وأصدقائه، وعادة ما يتم اختيار الصورة وطباعة البوستر خلال الساعات الأولى من سقوط الشهيد. وفي الغالب يجري طباعة ما يقارب 300-400 بوستر، بتمويل من التنظيم الذي ينتمي له الشهيد. يشار الى انه في بعض الحالات ايضاً يتم اختيار الصور التي يبدو فيها الشهيد في أفضل حالاته وعادة ما يكون مبتسماً، وفي حالات اخرى، يتم اضافة سلاح أو كلاشينكوف الى صورة الشهيد لجعله يبدو أكثر بطولية.

وفي حين طباعة البوستر وتعليقه على جدران المدن والمخيمات أصبح تقليديا ثورياً هدفه تخليد دور الشهيد في النضال الفلسطيني، يرى البعض أن هذه البوسترات يتم استغلالها أحياناً من قبل التنظيمات الفلسطينية لرفع شعبيتها في الشارع من خلال طباعة البوسترات الخاصة بها. "تختبئ الفصائل خلف صور الشهداء" يقول الدكتور الشرفا مشيرا إلى اتكاء الفصائل على الشهداء الأفراد بعد أن فقدت دورها في صناعة الأحداث، كما كانت تفعل من قبل، متوقعاً أن يتغير شكل بوستر الشهيد في المرحلة المقبلة خاصة مع تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا، ويقول: "السوشيال ميديا أعطت أبعادا رومانسية هائلة لصورة الشهيد،" مشيرا إلى حالة من "الاستعراض" في نشر صور الشهداء على الانترنت.

تختبئ الفصائل خلف صور الشهداء يقول الدكتور وليد الشرفا مشيرا إلى اتكاء الفصائل على الشهداء الأفراد بعد أن فقدت دورها في صناعة الأحداث

وكما طغى وجود وسائل التواصل الاجتماعي على جميع أشكال المقاومة في فلسطين والعالم، لم تسلم بوسترات الشهداء من هذا التأثير فقد أصبح نعي الشهيد يتم عبر الانترنت، كما أن المداهمات الإسرائيلية لعدد من المطابع في الضفة الغربية التي تطبع بوسترات الشهداء وإغلاقها ومصادرة محتوياتها أثر على انتشار هذه البوسترات، حيث يشير غازي بني عودة، مسؤول قسم الرصد في مركز "مدى" للحريات الإعلامية، أن قوات الاحتلال اقتحمت العام الماضي سبع مطابع في مختلف المناطق الفلسطينية، وأغلقت منهم أربع مطابع. وفي حين استطاعت البوسترات أن تتأقلم وتتغير وتستمر خلال سنوات النضال الفلسطيني الطويلة على الرغم من الاحتلال والانتفاضات والانقسام وتغير الأولويات، يبدو أنها لن تستطيع مواجهة اختبار السوشيال ميديا، وقد يأتي ذلك اليوم الذي تختفي فيه صور الشهداء من على جدران المدن والمخيمات الفلسطينية وتصبح مجرد صورة على موبايل او بوست على فيسبوك.

شعار العاصفة، كتائب شهداء الاقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، مخيم قلنديا للاجئين