0003 (1)
شباب

الشبحية: ظاهرة جديدة في عالم العلاقات

عندما يكون من السهل جدًا التواصل مع بعضنا البعض، يصبح من السهل أيضًا عدم التواصل

بتذكر شو حكيوا عليي
لما نطرت وإنت نسيت
وصار الشتي ينزل عليي
وإجا الصيف و إنت ما جيت

هذه الأغنية للرائعة فيروز يمكن اعتبارها أول حالة ghosting حدثت في التاريخ الحديث. نطرت ونطرت واجى الصيف وما سمعت شي منه.

في كل مرة ينخرط الناس في علاقات رومانسية أو صداقة أو شراكة عمل، دائماً ما يجدون طرقًا ما لإنهائها، ولكن في حين كنا في السابق نتساءل إن كان من المقبول أن نعلن انتهاء العلاقة في رسالة نصية، أو على الهاتف، تطور الأمر لتصبح الرسالة النصية نفسها أمراً مستبعداً. فالبعض يختار أن يختفي، هكذا ببساطة، بدون شرح، وبدون أي تفسير. أتحدث عن ظاهرة الـ ghosting والتي اتفق على ترجمتها بالشبحية (من شبح)، وتعني وجود شخص في حياتك تعتقد أنه يهتم لأمرك، سواء كان صديقًا أو حبيبًا أو زميلاً في العمل، ثم برفة عين يختفي من حياتك كشبح، لا مكالمة هاتفية أو بريد إلكتروني أو حتى رسالة نصية.

إعلان

 الطرف الآخر في هذه العلاقة عادة ما يعيش حالة صراع، في محاولة فهم الأسباب التي دفعت هذا الشخص للإختفاء، لدرجة أن رأسك توشك على الانفجار من كثرة الاحتمالات، ربما أنه اضطر إلى السفر ولا يوجد لديه إنترنت، أو أنه مريض في المستشفى، أو أنه أضاع تلفونه والأرقام التي فيه، أو أنه وقع في حفرة ومات.

في معظم الحالات، كل هذه الاحتمالات "سوى وقوعه في حفرة ربما" هي غير صحيحة بالضرورة، ولا تشكل أي سبب منطقي للاختفاء. ببساطة، لقد قرر هذا الشخص انهاء العلاقة دون أن يكلف نفسه عناء التوضيح أو التبرير.

ولكن لماذا قد يختار شخص ما الاختفاء ببساطة من حياة شخص آخر، بدلاً من ابلاغهم بذلك؟

سألتني ليه، والجواب هو من غير ليه. لانه لا يوجد أي سبب منطقي.

إنهاء العلاقات ليس بالأمر الجديد، وهناك العديد من الاستراتيجيات المختلفة التي يمكن أن يختارها -الناس اللي بتفهم بالذوق - لإخبار الطرف الآخر بذلك. تقول تارا كولينز، الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة وينثروب في روك هيل بولاية ساوث كارولينا لـ Live Science أن هذه الظاهرة موجودة منذ القدم لكن أصبح الأمر أكثر وضوحًا الآن بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا، وتضيف: "عندما يكون من السهل جدًا التواصل مع بعضنا البعض، يصبح من السهل أيضًا عدم التواصل وملاحظة من يتجاهلك عن قصد."

نشأ مصطلح الشبحية في سياق المواعدة، لكنه لا يقتصر بأي حال من الأحوال على العلاقات الرومانسية طويلة الأمد. قد تنتهي علاقات المواعدة غير الرسمية والصداقات وحتى علاقات العمل بهذا الشكل، بل إنه أصبح اتجاهًا ملحوظًا في العلاقات المهنية، فقد قال عدد من أصحاب العمل إنهم تعرضوا لذلك، حيث يتوقف فيها موظف عن القدوم إلى العمل من دون إشعار ومن ثم يستحيل الاتصال به. وبحسب جيم إروين، مدير فرع في في شركة توظيف أمريكية، فإن هذا السلوك يتقنه جيل الألفية وخاصة العاملين منهم في المجال الإبداعي والرقمي وتكنولوجيا المعلومات، ويشير إلى أن البعض يقررون عدم حضور مقابلات العمل، أو يقدمون استقالتهم ويختفون دون إعطاء أي إشعار.

إعلان

بالنسبة للشخص الذي يقوم بذلك، فإن مجرد الابتعاد عن علاقة قائمة، أو حتى علاقة محتملة - علاقة رومانسية أو علاقة عمل -هي طريقة سريعة وسهلة لإنهائها بشكل فوري. لا دراما ولا نوبات هستيرية ولا أسئلة مطروحة ولا حاجة لتقديم إجابات أو تبريرات لسلوكياتهم، ولا حاجة لمراعاة أو التفكير بمشاعر الطرف الآخر -نتحدث هنا عن علاقات طبيعية وليست علاقات عنيفة أو سامة.

أما بالنسبة للشخص الذي وقع ضحية، فإن الأمر مختلف تماماً، حيث يتولد لديه شعورً عميقً بعدم اليقين وانعدام الأمن، ويفكر ألف مرة أين أخطأ، وما هي المشكلة، وكيف لم يتوقع ذلك؟ وقد يجد نفسه يترصد هذا الشخص على وسائل التواصل الاجتماعي أو بين اصدقائه أو مكان عمله، محاولًا فهم الأسباب وملء الثقب الأسود الذي ظهر فجأة في حياتك.

ما مدى شيوع هذه الظاهرة؟

وجد استطلاع نشر عام 2018 أن 65٪ من المشاركين أفادوا أنهم قاموا بالاختفاء من حياة شريكهم، وأفاد 72٪ أن شريكهم قد اختفى. وفي بحث آخر شمل فريقين، الأولى ضمت 554 مشاركًا، والثانية 747. في كلتا الدراستين، ادعى حوالي 25 %من المشاركين أنهم كانوا ضحية للشبحية من قبل شريك سابق، وأشار حوالي 20% إلى أنهم هم من قاموا بالاختفاء من حياة  شخص آخر. أما الدراسة الثانية فقد درست أيضًا نفس الظاهرة لكن ضمن إطار الصداقات حيث وجدت أن 32% من المشاركين اختفوا من حياة صديق و 39% كانوا ضحية للشبحية من قبل صديق. 

وفي دراسة استقصائية حول الشبحية في العمل، تبين أن 83٪ من أصحاب العمل قد عانوا من المتقدمين الذي اختفوا دون سبب - وهي ممارسة ارتفعت بشكل كبير في العامين الماضيين. فيما أشار ما يقرب من نصف المستجوبين إنهم لم يظهروا في مقابلة عمل مجدولة، وتوقف 46٪ عن الرد على مسؤولي التوظيف، فيما قال 22٪ أنهم وافقوا على عرض عمل ولم يحضروا للدوام في يومهم الأول.

إعلان

بالعودة لسؤال ليه.

لماذا يقوم أي شخص بالاختفاء هكذا؟ في الواقع، الجواب معقد قليلاً. هناك أربعة أنواع من الأشباح، الشبح المتجنب الذي سوف يهرب من أي شيء صعب، الشبح الكسول (مفهومة) والشبح الأناني، الذي لا يأبه على الإطلاق بمشاعر الآخرين. وهناك كذلك نصف الشبح، الذي يظهر فجأة ويعود ليختفي، فهو يحب إبقاء الخيارات مفتوحة، أي بالعامية "رجل ورا ورجل قدام."

في العلاقات، غالبًا ما يعمد الناس إلى الاختفاء لأنهم يريدون تجنب المواجهة وإيذاء مشاعر الآخر، أو لأنهم فقدوا الاهتمام تماماً بالشخص الآخر في العلاقة. وتقول كارين روسكين، الخبيرة في العلاقات والسلوك البشري: "بالنسبة للبعض قد يدل ذلك على الافتقار إلى التعاطف مع الآخرين. ولكن هناك أيضاً من يضعون احتياجاتهم العاطفية في المقام الأول، لذا يمكنك اعتبارها أنانية." وينطبق الأمر على العمل كذلك، حيث يفضل البعض الاختفاء بدلاً من اخبار صاحب العمل بالسبب الحقيقي لعدم رغبتهم بالعمل.

قد يشعر ضحايا الشبحية بأنهم تعرضوا للخيانة

قد يعتقد هؤلاء المختفون أن الاختفاء من العلاقة بهذه الطريقة هو أفضل للطرفين، وقد يعتبرون أن الشخص الآخر قد فهم الرسالة وسيستمر في حياته وكأن شيئاً لم يكن. ولكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا. إنهاء العلاقات هو دائماً مؤلم، نهاية العلاقة هي شكل من أشكال الخسارة، واعتمادًا على طبيعة العلاقة، يمكن أن تتبعها فترة من الحزن والشعور بالفقدان. ولكن عندما يختفي شخص ما من حياتك فجأة، يكون الأمر محيرًا للغاية لأنك لا تعلم يقيناً إن إنتهت العلاقة أم لا، وقد تبقى معلقاً منتظراً، وقد تقنع لنفسك بأنه انشغل قليلاً وسيتصل في أي لحظة؟

إعلان

غالباً ما يصف الأشخاص الذين كانوا ضحية للشبحية شعورهم بأنهم تعرضوا للخيانة، وفقدوا احترامهم، وثقتهم بالآخرين وبأنفسهم، وقد يستمرون بلوم انفسهم على عدم فهم الإشارات أو على فتح قلبهم لشخص لم يكلف نفسه عناء اخبارهم بأن العلاقة انتهت. عدم التواصل يترك الناس في مأزق محير للعقل حيث لا يعرفون كيفية التصرف والرد. وتقول جينيس فيلهاور، عالمة النفس في جامعة إيموري، أن "البقاء على اتصال بالآخرين مهم جدًا، فقد تطور دماغنا ليكون لديه نظام مراقبة اجتماعي يقوم بمسح البيئة بحثًا عن إشارات حتى نعرف كيفية الاستجابة في المواقف الاجتماعية. وتسمح هذه الإشارات الاجتماعية لنا بتنظيم سلوكنا وفقًا لذلك، ولكن الشبحية تحرمك من هذه الإشارات المعتادة، حيث تشعر أن هناك خلل عاطفي وأنك غير قادر على السيطرة."

على الرغم من عدم وجود الكثير من الأبحاث حول تأثير التعرض للشبحية، فقد درس علماء النفس منذ فترة طويلة قضية مماثلة وهي النبذ ​​أو الرفض الاجتماعي. للنبذ عواقب سلبية على الشخص المرفوض، وتشير الأبحاث إلى أن ألم الرفض يشبه الألم الجسدي الفعلي. ربما لهذا السبب، يشير الناس إلى أن الشبحية هي الطريقة الأكثر ضررًا لإنهاء العلاقة ويفضلون التخلي عنهم من خلال المواجهة المباشرة.

من الآخر، إذا كنت تريد الانفصال عن شخص ما، يجب أن تكون لديك الشجاعة لإخباره أن الأمر قد انتهى وجهًا لوجه إن استطعت، وإن لم تتمكن فالمكالمة الهاتفية أو الرسالة النصية أفضل من لا شيء -وهذا أضعف الإيمان.

الإختفاء من حياة الآخرين هو أسوأ وأجبن خيار. وليس الخيار الأفضل.

كيف يمكنك التصرف في حال وقعت فريسة للشبحية؟ إليكم بعض الأساسيات:

أولًا: عليك التأكد بأن هذا الشخص حقًا لم يحدث له أي مكروه قد حال بينه وبين القدرة على التواصل معك.

إعلان

ثانيًا: لا تطارد شبحك.
بعد التأكد بأنه بخير، لا تحاول تبرير سلوكه أو تقديم عذرًا له مثل مرض والدته أو أنه كان منغمسًا في العمل أو يعاني من اكتئاب، فإنك حينها قد تستمر في مطاردة شخص لا يريدك، مما سيزيد وجعك أكثر. 

ثالثًا: لا تلم نفسك، مهما كان السبب الذي دفع ذلك الشخص إلى ذلك، فإنك بالتأكيد تستحق الأفضل.

رابعًا: إياك والابتعاد عن الذين يحبونك بل احرص على التواصل معهم، وحاول قضاء وقتًا معهم لتجنب التفكير في الشخص الآخر.

خامسًا: تجنب ملاحقة هذا الشخص، والأفضل أن تقوم بحذفه أو حظره إن كان مازال صديقًا لديك على مواقع التواصل الاجتماعي.. يعني block block block.

والأهم، لا تتصل به حتى وإن كنت ترغب بشدة في معرفة السبب، فتذكر أن مطاردته اشبه بمحاولتك للإمساك بظلك. وإن صادفته في طريقك ذات مرة، فتعامل معه كأنه غير مرئي، لا تتوقف للحديث معه إطلاقًا. تذكر أنك قد نجحت في تحرير نفسك من قيود شبحك، والآن أنت حرٌ في العثور على الشخص المناسب.