Illustration 3 edited-01
مقال رأي

محاولة لاكتشاف.. لماذا لا نستخدم طقم الكاسات اللي في الصالون

بوفيه السفرة في كل بيت هو التعبير الأكثر صدقًا عن علاقتنا بأنفسنا

في كل بيت عربي، هناك بوفيه (نيش) لم يمسسه بشر ولا جان. صحون كريستال، جاط فواكه ملون، ملاعق وسكاكين مذهبين، كاسات عصير مزخرفين، وربما بعض التحف.. كل ما هو غالي الثمن وجميل المنظر موجود في هذا البوفيه المقدس. 

كان لدى تيتا (جدتي) بوفيه سفرة فينتج رمادي وذهبي اللون، بزجاج لامع، ومليء بالكاسات والصحون الجميلة والملونة التي لا أذكر أننا استخدمناها في حياتنا. كان يوجد في زوايا البوفيه، ضوء داخلي يجعل هذه الصحون والكاسات تلمع لتبدو وكأنها حلقة من مسلسل الأطفال سالي. عندما تشجعت يوماً ما وسألت جدتي "ليه ما ناكل فيهم" جاء الجواب "بس للضيوف."

إعلان

الضيوف. هناك دائماً ضيوف. طاولة الضيوف، غرفة الضيوف. والآن أصبح لدينا بوفيه الضيوف. ولأننا لم نكن نستقبل ضيوفاً من الأصل (جدتي كانت introvert كما اكتشفت مؤخراً) فهذا كان يعني أننا لن نرى وجه هذه التحف الفنية أبداً في حياتنا. 

الضيوف:
هم أشخاص متخيلين غير موجودين نتعامل معهم وكأنهم يعيشون معنا في داخل البيت، ونطلق اسماءً على غرفهم وطاولاتهم وخزاناتهم واسرتهم. وعلى الرغم من أنهم غير موجودين.. مادياً، هم أشباح بمعنى آخر، ولكننا نحضر أنفسنا وننظف غرفنا وبيوتنا استعداداً للحظة التي يكشفون بها عن أنفسهم. وفي اليوم الذي يقرر الضيف قدس الله سره لزيارتنا، سيجد كل شيء جاهزاً لاستقباله كما يجب. ولكن، وهنا البند الأهم، يجب أن لا يشعر هذا الضيف أننا كنا بانتظاره أو توقعنا قدومه.

هذا الضيف المتخيل هو فقط من يستحق أن نفتح له بوفهياتنا وقلوب صحوننا…ولكن قبل أن تنعجق وتبدأ باخراج هذه الصحون للضيوف، انتبه أن ليس كل الضيوف ضيوفاً.

ما يوجد في هذا البوفيه لا يتم إخراجه لأي ضيف. كل عائلة لديها صفات محددة ومتفق عليها لنوع معين من الضيوف الذين يستحقون أن يستخدموا هذه الكنوز. الجيران: لا، الأصحاب المقربين: لا، الأقارب الذين يأتون للزيارة مرة واحدة أو يعيشون في بلد آخر: نعم، نعم.

محتويات هذا البوفيه والتي تجمعت على مدار سنوات، يتم إخراجها فقط لمن نرغب بإبهارهم من الضيوف والأقارب، لنخبرهم أنه على الرغم من أن حياتنا قد لا تكون حلوة وملونة، ولكن لدينا أحلى صحون وكاسات فيكي يا بلد. ولك أن تتوقع أن هؤلاء الأقارب البعيدون هم أنفسهم لديهم ذات البوفيه، وهم أيضاً يقضون حياتهم بانتظار أن يقوموا باستخدامها عند زيارة "نوع معين" من الأقرباء.

إعلان

طبعاً الأمر لا يخلو من استثناءات، هناك مناسبتين فقط يمكن للجميع استخدام محتويات هذا البوفيه، عندما نتحول من صفتنا العادية كأصحاب البيت ونصبح نحن أيضاً ضيوفاً -وهما: حفلة عرس أو عزاء.

لماذا نفعل هذا بأنفسنا؟
أدعي أن هذا البوفيه هو التعبير الأكثر وضوحاً عن كل تلك المتع المؤجلة، كل المناسبات التي تستحق احتفالاً خاصاً، كل الذين ننتظر قدومهم، كل ما هو غير موجود أمامنا، وكل ما هو متخيل. جميع هذه المتع تكون محفوظة في بوفيه، أو خزانة، أو جارور.

نحن دائماً ما نختلق حججاً للانتظار، نحتفظ بالملابس والأحذية والملابس الداخلية لمناسبة معينة، مناسبة أحلى، مع أشخاص نحبهم ويستحقون. لا نفكر كثيراً بمتعتنا الذاتية، هذه ليست أولوية، نحن بالعادة رجالًا ونساء (وإن كانت النساء الأكثر خبرة) لا نشعر أننا نستحق، الآخر هو دائماً موجود بيننا وبين أنفسنا، مؤمنين لا شعوريًا بأن الانتظار أحلى بالضرورة من اللقاء، وأن القادم لا بد أن يكون أفضل. نخاف أن نحب أنفسنا وأن ندللها بكاسة شاي من تلك المحفوظة للضيوف. نخاف أن نختال فيرانا القدر ويقرر معاقبتنا.

بوفيه السفرة في كل بيت هو التعبير الأكثر صدقًا عن علاقتنا بأنفسنا. كيف نتعامل مع أنفسنا مقارنة مع تعاملنا مع الآخر، الآخرين. وبينما نحاول التنسيق بين حب أنفسنا وكرهها في نفس الوقت we end up treating ourselves like shit.

الحق أقول لكم..

تعاملوا مع حالكم كضيوف. أخرجوا الصحون والكاسات من العتمة. لتنكسر حوافها، لتفقد لمعانها، ولينقص طقم الكاسات كاسة أو اثنتين. في النهاية، كل تلك الكاسات والصحون التي تبقى كما هي ولا تنقص، تنقص من عمر صاحبها.