مراجعة

مسلسل وساوس.. تجربة نسائية سعودية لصناعة لغز درامي

كسر العمل نمط الظهور الذكوري في الأعمال السعودية. البطل الذكر غير موجود، حتى لو كان الحدث يدور حول مقتله، وهذه نقلة نوعية على مستوى الدراما العربية
Whispers

Netflix 

منذ أيام، عرضت شبكة نتفليكس المسلسل السعودي "وساوس" على شبكتها، وهو أول عرض أصلي للشبكة العالمية من السعودية. والعمل من سيناريو وحوار وإخراج هناء العمير، وقصة رولان حسن، وبطولة عبد المحسن النمر وشيماء الفضل وإلهام علي وميسون الرويلي. يحكي المسلسل قصة مقتل رجل الأعمال حسان الديال (عبد المحسن النمر) ومحاولة عائلته الكشف عن ملابسات الجريمة واكتشاف القاتل.

منذ مشاهدة الصورة الدعائية للعمل بدا أن التواجد النسائي غالب على أحداثه، فرغم وجود عبد المحسن النمر في قلب الصورة إلا إن بطلات العمل من النساء أحطن به من اليمين واليسار، فكسر العمل نمط الظهور الذكوري في الأعمال السعودية، وتحول المسلسل لأغلبية نسائية، سواء على مستوى التمثيل أو الإخراج والكتابة. فنسبة التواجد النسائي تزيد عن 75٪ في حلقات العمل إذا نظرنا إليها على مستوى السرد، كما أن البطل الذكر غير موجود، حتى لو كان الحدث يدور حول مقتله، وهذه نقلة نوعية على مستوى الدراما العربية.

إعلان

"أنا محظوظة لأنني أعرف تفاصيل الشخصيات النسائية، فبعض زملائي المخرجين لا يعرفون هذه التفاصيل، لذا فأنا أحرص على إبراز أحاسيس المرأة وتفاصيلها." هذا التصريح لمخرجة العمل يظهر أثره في عناوين حلقات المسلسل التي عبرت عن مخاوف كل شخصية نسائية، فكانت العناوين من بينها (أوهام أمل، هاجس أروى .. إلخ)، فسُردت الحكاية من وجهة نظر الشخصية وعبرت في نفس الوقت عن حالتها النفسية. كما أفرد السيناريو والحوار مساحة جيدة لكل شخصية من النساء الست نرى فيها الحقيقة من وجهة نظرهن. وهذا يحيلنا للحديث عن النوع الفني الذي ينتمي له هذا المسلسل، Thriller Genre/ التشويق والإثارة، الذي يكون بطله الحكاية/اللغز وليس الشخصيات.

1592213910064-S01-E01-Whispers-Amal-s-Illusions-mp4-11-59-279

Netflix

الشخصية في مسلسل "وساوس" لا تروي الحدث بنفسها، لا يوجد راوي، لكننا نسير مع الكاميرا التي تحكي وجهة نظر الشخصية. فقد اعتمد المسلسل على استخدام أسلوب المنظور الذاتي (Point of View/Personal Perspective) في سرد القصة، إذ تقدم كل شخصية منظورها/ وجهة نظرها في الحكاية، وهذا النوع من الأعمال ليس معتادًا في الدراما العربية، رغم أنه بدأ في السينما منذ عقود مضت مع الفيلم الياباني الشهير Rashomon للمخرج أكيرا كوروساوا. وتكرر منذ ذلك الوقت هذا الشكل السينمائي لكنه لم يُنتَج تليفزيونيًا بنفس الكثافة.

أن تحكي القصة وتعيد سردها أكثر من مرة وفقـًا لوجهة نظر كل شخصية ليس أمرًا سهلًا، فالمخرج عليه تجنب الوقوع في فخ الملل، وأن يقدم مع كل تكرار سردي معلومات/مفاجآت جديدة تساعد في حل اللغز، وهذا أحد مميزات العمل، إذ وضع المشاهد منذ الحلقة الأولى في محاولة تركيب المكعبات من أجل الوصول للحل. إلا أن ما عاب هذا اللغز بعض البطء في السرد، فأعمال التشويق من أهم سماتها السرعة والمفاجأة. هذا البطء النسبي بررته مخرجة العمل، هناء العمير عندما قالت إن "العمل تشويقي، لكنه بعيد عن الأكشن، فالجانب الدرامي فيه أكبر، وإيقاعه سريع نوعًا ما، لكن السرعة لا تفصلنا عن مشاعر الشخصية."

إعلان

لقد نجح العمل في اصطيادي كمشاهد من أجل الانتهاء من المسلسل على دفعة واحدة، فمع نهاية كل حلقة تظهر مفاجأة تساعد في حل جزء من الفزورة، فأجد نفسي متوجهـًا للحلقة التالية، خاصة مع قصر مدة الحلقات

الحلقة الأضعف في نص "وساوس" هي إعادة المنظور الحواري بشكل يختلف عن أول منظور شاهدناه، بمعنى أن جمل الحوار تتغير بشكل أو بآخر عندما نشاهد المنظور الجديد، وهذا غير منطقي لأن جمل الحوار ينبغي أن تكون كما هي، مادام الحدث لم يتغير، لكن ما حدث في المسلسل أن بعض الجمل زادت أو نقصت أو تغيرت عندما قالتها الشخصية من منظورها- لاستيضاح ذلك يمكن مشاهدة فيلم Vantage Point الذي لم يتغير فيه أي جملة من جمل الحوار، رغم تعدد المنظورات خلال ساعة ونصف فقط.

ورغم أن موت حسان صار جنائيًا منذ الحلقة الأولى، إلا أننا لم نشاهد أي رجل شرطة أو محقق في الأحداث، مما أتاح للمشاهدين مساحة ارتداء ثوب المتفرج المحقق. وأصبح العمل يدور في إطار جريمة دون وجود مؤسسي، ولكن في سياق اجتماعي أسري، مما جعله أكثر بساطة وبعيدًا عن التعقيدات القانونية. كذلك فقد ترك العمل النهاية مفتوحة، فرغم معرفتنا بالقاتل، إلا أننا لم نعلم ماذا حدث بعد ذلك، هل تم القبض عليه أم أنه نجح في الهروب؟ وهذا أمر غير معتاد في الدراما العربية التي تسعى كثيرًا لتحقيق العدالة والوصول للنهايات السعيدة.

خلال الأحداث ظهرت بعض الشخصيات غير مؤثرة في التطور الدرامي، مثل الصحافي الذي يحاول البحث عن أسباب وفاة حسان، لكننا لم نره، نسمع لصوته فقط، ومداخلاته التليفونية لم تقدم أي جديد بالنسبة لحل اللغز. كذلك زوج (أروى) شريكة حسان، لم يكن له دور تقريبـًا سوى أنه يتعجب طول الوقت من أفعال زوجته أو يتحدث في الهاتف. بمعنى آخر إذا حُذفت هذه الشخصيات من العمل لن نجد أي فرق، مثل الجملة الاعتراضية.

الأداءات النسائية في مجملها لم تصل لحد التميز، لكنها كانت مقبولة إلى حد كبير، فلم أشعر بتغليب الأداء المسرحي خلال الأحداث، إلا أن أداء بعض الممثلات كان باهتـًا ويميل للافتعال، مثل شخصية أمل زوجة حسان (شيماء الفضل). في المقابل، كان أداء (إلهام علي) التي قامت بدور (لمى) شقيقة حسان، طبيعيـًا يبتعد عن المبالغة في التعبير، في الواقع، كان دورها الأصعب بين باقي الممثلات، لأنها كانت الشخصية الأكثر شرًا، ولكنها لم تلجأ للطرق التقليدية في التعبير عن الشر مثل استخدام العين أو الضحكات أو الصوت المرتفع. استطاعت بهدوء أن تنقل للمشاهد مشاعرها المختلطة تجاه أخيها. كذلك الممثلة ندى توحيد التي قامت بدور (وعد) ابنة حسان، كان دورها جيدًا عندما اعتمدت على التعبير عن انفعالاتها، دون استخدام الكلمات.

عمومـًا، لقد نجح العمل في اصطيادي كمشاهد من أجل الانتهاء من المسلسل على دفعة واحدة، فمع نهاية كل حلقة تظهر مفاجأة تساعد في حل جزء من الفزورة، فأجد نفسي متوجهـًا للحلقة التالية، خاصة مع قصر مدة الحلقات وعدم وجود إعلانات كما أن الموسم كله 8 حلقات، مما جعل الأمر استثناءً حميدًا بالنسبة للمسلسلات التي نعيش معها لمدة ربع قرن دون أن تنتهي.