Vice Romantic Melancholy

رسم: رفيق الحريري.

صحة نفسية

مشكلة تطبيع الحزن على السوشیال میدیا

عدد كبير من المراهقين مقتنعون بأن الاكتئاب، والقلق، فقدان الشهية والثنائية القطبية هي ما يجعلك مثيراً للاهتمام

ھل سبق لك أن شعرت بالعزاء والراحة في خضم الحزن المطلق؟ يمكن أن يكون بعد بكاء شدید أو بعد أن تقوم بجلد ذاتك على شيء حصل في الماضي. قد نقوم أحياناً بتغليف هذه اللحظات من الحزن والأسى ببعض الرومانسية، ضمن ما يوصف بـ رومانسية الحزن أو الكآبة الرومانسية.

الحزن الرومانسي أو الكآبة الرومانسية هي نظرة فلسفية للحياة، تنبع جزئيًا من عدم إيجاد تطابق بين الواقع والحياة المثالية التي يتمناها الرومانسيون غير القادرين أو غير الراغبين في التكيف مع متطلبات الحياة ومعايير المجتمع، وهم يشعرون بالحزن نتيجة لذلك. بعبارات أخرى، أكثر فنیة، الحزن الرومانسي ھو الكمية غير الصحية للكسر والحزن ملفوف في صندوق "حالم ورومانسي."

إعلان

ھذه الهدية الملفوفة ھي في الواقع وصفة كارثية للصحة النفسية. قد يحاول البعض إضفاء نوع من الرومانسية على أحزانهم، نتيجة لعدم قدرتهم على إيجاد صلة معقولة بین واقعھم الحالي وتصور حالم لما يجب أن تبدو عليه حياتهم، أو نتيجة لشعورهم بأنهم لا ينتمون إلى أي مجموعة، ولهذا قد يلجئون للشعور بالأسى على أنفسهم ليشعروا بالخصوصية وبأن اختلافهم لا يفهمه الآخرون، وأن ليس لديهم سوى حزنهم مع أنفسهم. محاولة البعض اضفاء نظرة شاعرية على مشاعر الحزن والأسى والفقدان قد يكون شكل من أشكال الهروب من الأوضاع الصعبة التي نعيشها، وقد يكون مبررًا لعدم فعل المزيد.

هناك شعور زائف بالراحة والدفء في كآبتنا. وقد نحاول أحياناً تجاهل أو تخبئة هذا الألم خوفاً من الوصمة والعار، وقد نلجأ في بعض الأحيان إلى أفضل صديق وأكبر عدو: السوشيال ميديا. هناك الكثير من الحزانى الرومانسيين في العالم الإفتراضي، الذين يجعلون الحزن والكآبة تبدو وكأنها cool و interesting. قد تقرأ على إنستغرام أو بنترست أو تمبلر جملاً تقدس الحزن، مثلاً "وھكذا أصبحت صغيراً ومغموساً في الجنون، لقد وقعت في حب الحزن." أو جمل مثل "أستيقظ بنصف إحساس بالحياة، أبدأ يومي بنصف شعور بالذنب من أجل العيش ونصف الهموم مدفون في ذهني" وغيرها الكثير.

ولكن هناك مشكلة أساسية في romanticizing sadness قد تعود جذورها للثقافة الشعبية. معظم الأبطال في الأفلام والمسلسلات الغربية والعربية يتم احاطة مشاكلهم النفسية بهالة من الجمال، وقد تبدو صراعاتهم مع الصحة النفسية كعلامة قوة ويتم وصفها بأنها "جميلة بشكل مأساوي." ولكن الاضطرابات والأمراض النفسية ليست جميلة، وهي غالبًا ما تكون مدمرة ومنهكة.

إعلان

مسلسل Thirteen Reasons Why هو مثال على ذلك. يحكي المسلسل قصة هانا، مراهقة تنتحر وتترك صندوقًا من التسجيلات يحتوي على 13 سببًا وراء قرارها إنهاء حياتها. تم تصوير انتحارها على أنه عمل انتقامي من زملائها، بينما في الواقع، نادرًا ما يتم التخطيط للانتحار بطريقة انتقامية. في الواقع، 46٪ من الأشخاص الذين ينتحرون يعانون من مرض نفسي تم تشخيصه. جعل العرض الانتحار يبدو كخيار قابل للتطبيق وطريقة لجذب الانتباه هو أمر خطير.

"عدد كبير من المراهقين مقتنعون بأن الاكتئاب، والقلق، فقدان الشهية والثنائية القطبية هي ما يجعلك مثيراً للاهتمام،" تقول رولا جدايل، وهي مؤلفة مشاركة لدراسة عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في "تجميل" الأمراض النفسية. وتشير الدراسة إلى أن الكثير من الاضطرابات والأمراض النفسية مثل فقدان الشهية العصبي، وإيذاء النفس والاكتئاب واضطرابات القلق يتم إضفاء الرومانسية عليها من خلال العديد من منصات التواصل الاجتماعي والمدونات.

وتشير الإحصائيات المذكورة في الدراسة إلى أنه خلال العقد الماضي، كان هناك زيادة بنسبة 70٪ في إيذاء النفس لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 14 عامًا. عدد المراهقين الذين أبلغوا عن نوبة اكتئاب كبرى ارتفعت بنسبة 37٪ وزاد عدد الفتيات اللواتي عولجن كمريضات داخليات بعد محاولة الانتحار بنسبة 285٪. الأرقام مخيفة.

على الرغم من أن السوشيال ميديا ساعدت بشكل كبير في إزالة الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية، لكنها أيضًا تسببت - بشكل غير مباشر أو مقصود- بنشر ظاهرة رومانسية الحزن وتحويلها إلى "جمالية عصرية" أصبحت إلزامية بطريقة أو بأخرى كي نبدو مثيرين للاهتمام. كما حصل هناك خلط بين الشعور بالحزن والكآبة والقلق الطبيعي وبين المصطلحات المستخدمة لتشخيص الاضطرابات النفسية، مثل القلق المرضي والاكتئاب.

إعلان

إن الشعور بالحزن والتوتر أمر طبيعي، وعاطفة مهمة يمر بها كل إنسان، وهو شعور يختلف تماماً عن الاكتئاب والقلق. يمكن الشعور بالقلق الشديد أن يشل شخصًا ما من مواصلة مهامه اليومية. الاكتئاب يختلف عن التقلبات المزاجية العادية والانفعالات العاطفية. الاكتئاب حالة صحية خطيرة ويسبب معاناة كبيرة للشخص المصاب به، ويمكنه أن يفضي إلى الانتحار- ثاني سبب رئيسي للوفيات بين الفئة العمرية 15-29 عاماً.

إضفاء الجمال على المشاعر المرتبطة بالمشاكل النفسية ونشر ثقافة يتم من خلالها وصف أنفسنا أو الآخرين بأنهم "bipolar" أو مكتئبين كإشارة عرضية لتقلبات المزاج هو أمر يجب الانتباه إليه. من المهم أن نستخدم الأوصاف الصحيحة. الشعور بالحزن، لا يعني أنك مصاب بالاكتئاب، والشعور بالقلق بشأن اختبار أو مقابلة لا يعني أنك مصاب باضطراب القلق. نحن جميعًا نكافح بشكل مختلف، ولكن لغة هذا الكفاح واحدة ونحتاج جميعًا طلب يد المساعدة دون الشعور بالخجل أو الإحراج.

تطبيع الاضطرابات النفسية وإظهار أنها ليست شيئًا نخجل منه هو تطور مهم وضروري. ولكن تطبيع الاضطرابات النفسية بين أولئك الذين لا يواجهونها، ليس هو السبيل لتحقيق ذلك. نحن بحاجة إلى إيجاد توازن بين إدراك أهمية الحديث عن الصحة النفسية وعدم إضفاء الطابع الرومانسي عليها.

إن وجود منصة أو منفذ للتعبير عن نفسك ومشاعرك هو أمر رائع، وأؤكد مجدداً على أهمية الحديث عن مشاعرنا واضطراباتنا بالطريقة التي نراها مناسبة. ولكن، من الضروري كذلك التمييز بين معرفة أنه لا بأس بأن لا نكون على ما يرام، وبين جعل المعاناة تبدو "سحرية وحالمة."

إذا كنت تشعر أنك تعاني من مشكلات تتعلق بالصحة النفسية، يجب عليك الاتصال بطبيب للإجابة على الأسئلة التي لديك وتشخيص حالتك بشكل صحيح إذا لزم الأمر. لا تعتمد على المقالات ولا تقم بتشخيص نفسك بنفسك. لا تعتمد على مسلسل أو فيلم يصور شخصًا مصابًا باضطراب نفسي كي تحدد أنك أيضاً تعاني من هذا الاضطراب.