فنون

تونس تحتفي بالرقص المعاصر تحت شعار "لا رقص دون كرامة الجسد"

يقام مهرجان أيام قرطاج الكوريغرافية
تونس

من عرض "ملكة الدم"

أذكر أنني قرأت في أحد المرات عن موقف محرج جرى مع فرقة "من تلا" الراقصة التي تضم راقصين من مختلف الدول العربية في مطار الأردن، حيث اضطرت الفرقة للقول "إحنا فرقة مسرح" ردا على سؤال الضابط الأردني "ماذا تعملون؟" لم يجد أحد من عناصر الفرقة الجرأة ليقول إننا راقصون، فقد توقعوا وجه وردة فعل الضابط فيما لو قالوا له "نحن فرقة رقص" مع إضافة "معاصر."

هذه الحادثة لا أعتقد أنها كانت الأولى ولا أعتقد أن هذه الفرقة هي الوحيدة التي اضطرت لارتداء جلباب المسرح أو السينما أو الدراما لتنقذ نفسها من مواجهة استفزازية سخيفة مع أولئك الذين يسقطون الجسد تحت أقنعة الأخلاق ويؤمنون أن الرقص ميدان المنحلين والمتمردين على السائد ويهددون بإفساد الذوق المجتمعي، فما مازال الرقص المعاصر في المجتمعات العربية لم يرتقي لمرتبة فن معترف به ومهنة يتقبلها الجميع على غرار السينمائيين والمسرحيين والرسامين وغيرها من الفنون.

إعلان

هذا الواقع، دفع إدارة مهرجان أيام قرطاج الكوريغرافية المقامة في تونس (14-20 يونيو) للحفاظ على نفس الشعار الذي رافق المهرجان منذ دورته الأولى (2018) "لا رقص دون كرامة الجسد." وتشير مديرة هذا المهرجان والراقصة مريم قلوز بأن اختيار هذا الشعار يأتي "إيماناً منا بأن الراقص كغيره من الفنانين في حقول أخرى يحتاج الدعم المادي والمعنوي منها الاعتراف بالراقص/ة كفنانين لهم فكرة ورسالة وإخراج الرقص من السياقات المجتمعية والأخلاقوية المتوارثة التي أثبتت عدم جدواها. لغة الجسد ضاربة في القدم ومتأصلة في كل جوانب حياتنا."

الراقص المصري المقيم في فرنسا محمد فؤاد، 33 عاماً، الذي شارك بعرضه بعنوان "بدون خسائر" يشدد على أهمية دور الراقص في تغيير نظرة المجتمع لمهنته. ويقول فؤاد لـ Vice عربية أن "الراقص في المجتمعات العربية معرض للكثير من المواقف الصعبة والردود السلبية المحبطة، وهذا أمر يجب أن يعيه سلفاً، ولهذا لا بد أن يكون مهيأً لخوض معركة في غاية الصعوبة بامتلاك كل أساليب المواجهة الممكنة التي تتراوح حتما بين التصعيد حيناً والمهادنة حينا آخر ولكن دون أن يعني ذلك الخضوع لضوابط هذه المجتمعات." ويشير فؤاد إلى أهمية تنظيم مهرجانات وتظاهرات خاصة بالرقص لأنها ستساهم في نشر فن الرقص وإخراجه من صوره النمطية ووضعه في مكان موازي لبقية الفنون.

1560863624738-2E5A0802

محمد فؤاد "بدون خسائر"

1560863691770-2E5A0737

عروض المهرجان ومنذ البداية حتى اليوم كانت متنوعة بمشاركة فرق من 20 بلداً، وبرؤى وأفكار فنية مختلفة ترجمت بصور عدة على خشبة المسرح بمدينة الثقافة. فقد نجح الرهان على عرض "ملكة الدم" من إخراج الكوريغرافي الفرنسي من أصول أفريقية عصمان سي وبمشاركة راقصات من مجموعة برادوكس سال، حيث ركز العرض على المجتمعات الإفريقية التي عانت كثيراً من الاضطهاد، ولا سيما المرأة ترجمتها أجساد الراقصات بحرفية عالية على الخشبة بأزياء سوداء اختيرت عمداً للتعبير عن عمق المعاناة التي تم التركيز عليها في العرض وإن كانت الحركات السريعة العنيفة في بعض الأحيان تعلن صراحة التمرد على كل هذه الأوضاع.

إعلان
1560863725863-queen-blood

ملكة الدم

العمل التونسي الجزائري "رفش" استطاع هو الآخر تقديم لوحات راقصة جمعت بين المدرسة الصوفية والكلاسيكية في انسجام كبير أخذ الحضور لتيارين فنيين مختلفين على مدار دقائق من المتعة والإبداع. أما الراقصة اللبنانية يلدا يونس فقد اختارت أن تقدم عرضها "هذا الكون ليس لنا" خارج القاعات وأن يكون في أحد الساحات الكبرى في مدينة الثقافة بتونس.

1560926761330-64971487_686123408500359_39413720874483712_n-1

يلدا يونس "هذا الكون ليس لنا"

1560926768015-2

في عرض "شوشرة" (من تونس) استخدم الراقصان التعبيرات الجسدية دون كلام لتمرير معاناة سجينين داخل معتقلهما وانسداد الأفق أمامهما حتى لدى إطلاق سراحهما نتيجة الخوف من نظرة المجتمع وندرة الفرص الجيدة للانطلاق في حياة جديدة أفضل. وتتالت الأعمال التونسية والأجنبية في عدة قاعات عروض ومن مدارس فنية مختلفة، لكنها التقت في مجملها عند الانتصار للغة الجسد للرقص كفن قادر على تمرير قضايا المجتمع على اختلافها شأنه في ذلك شأن بقية الفنون.

صور من العروض المقدمة خلال المهرجان

1560926891539-2E5A0628-1

قوة أبل - تونس

1560927145166-1

شقائق النعمان- تونس

1560927217042-

آلامنا نحن - بوركينا فاسو

1560863906286-64322735_685957948516905_4241652277816852480_n

بوسة خال- تونس

1560863922013-2E5A2862-Copie

الرفش - تونس، الجزائر

1560927244448-64386521_686214998491200_742690228770177024_n

عرض المهندسون- المغرب

1560927169985-

شوشرة - تونس

الصور: فاطمة عمر/ مهرجان أيام قرطاج الكوريغرافية.