هافيفوبيا مصطلح يصف رهاب لمس الآخرين، أو لمسهم لك، سواء كانوا غرباء، أو أصدقاء مـقربين، أو حتى أحباء. يجد المصابون بالهافيفوبيا لمس الآخرين لهم مـزعجًا لأبعد حدّ، وفي بعض الأحيان لا يـطاق. في العادة لا يكون ذلك خوفًا من الجراثيم أو التّلوث -الذي يعرف بمصطلح ميزوفوبيا -ولكنه هّوس بحماية المساحة الشخصية.
للحصول على نظرةٍ يوميةٍ على ما يعنيه العيش مع هذا الرهاب، تحدثنا إلى إي جاي مصمم الجرافيك البالغ من العمر 23 عامًا. يخبرنا عن كيفية ملاحظته الرهاب في البداية، كيف أّثر على حياته العاطفية، وكيف يـؤذي مشاعر الأخرين أحيانًا برفضه لمسهم.
عندما يلمسني شخص ما، يكون الأمر مزعجاً للغاية. لا أستطيع شرح الأمر بطريقةٍ أفضل. إلى وقتٍ قريب، كنت أستطيع تذكّر كلّ المرات التي لمسني فيها أحدهم على مدى حياتي: أين قاموا بلمسي، وما كان يجب عليّ فعله لمنعهم من ذلك. كلما اقترب أحد أكثر من اللازم، أصبح متوتراً. إن لمسوني فعلاً، يصيبني شعور بالحرق، وأستطيع الشعور بيدهم لفترةٍ طويلةٍ عقـب ذلك. ببساطة أشعر بالانتهاك، وذلك إلى أن أتمكّن من التركيز على فكرةٍ أخرى. أشار أحد الأصدقاء ذات مرةٍ إلى أنه من المضحك أن يراني أتحرّك بين مجموعةٍ من الناس لأني أتلوّى بجسمي حول الجميع للتأكد من ألّا نتلامس.
لطالما شعرت بهذا طوال حياتي، لكن لم أدرك حجم المشكلة إلى أن ظهر فيديو Free Hugs اللعين في عامي الأول من المدرسة الثانوية. في ذلك الحين، عندما كنت أجرب بحثاً لكتابة ورقةٍ في علم النفس، مررت بمصطلح هافيفوبيا. عندما رأيته، أردت أن أريه للجميع والقول: "أترون! إنه أمر حقيقيّ!"، وفعلاً قـمت بذلك.
سخـر مني والديّ. أخبروني أنّ "البشر يحتاجون للاحتكاك"، رغم أنّ إظهارهم لعواطفهم تجاهي لم يكن جسدياً جداً. من المثير للاهتمام أنّ جدة جدتي من ناحية أمي كانت تلقّب في غيابها بـ "الكبيرة التي لا يمكن لمسها". ومثلها، أظنّ أنّ والديّ قد عانقوني بعض عشرات المرات لا غير على مدى حياتي كلها، لم نتبادل القـبل أبداً، ولا حتى على الوجنات. في الحقيقة، عندما كنت صغيراً، سمعت مرةً أمي تتحدث على الهاتف عن أنّه من المقرف أن تقوم العائلات بتقبيل أبناءها. لم أشكّ يوماً بأنّهم أحبوني. كلّ ما في الأمر أنّ اللمس لم يكن مهماً بالنسبة لهم.
لقد أثـّر الرهاب على كلّ علاقاتي، لكن في الحقيقة، أظنّ أنّ النساء يتجاوبن معي بأكثر إيجابيةٍ من الشباب الآخرين. أعتقد أنّ ذلك يعود لأنهنّ يستطعن الجزم أنّي لست مهتماً بأن يكون لي علاقة معهن. الكثير منهن يفترضن أيضاً أنّي شاذ جنسياً. لا أعلم ما يعنيه أن تكون امرأةً، لكن يبدو أن عليهنّ العيش بشعور أنّ كلّ شابٍ يريد أن يضع يده عليهنّ، ويبدو لي ذلك جحيماً.
ولكن لمجرّد أنّي لا أحبّ اللمس، لا يعني ذلك أنني لا أمتلك غريزة. الأمر أنّي لن أقوم بأفعالٍ مبنيةٍ على هذه الغريزة ما لم أكن مرتاحاً إلى حدٍ كبير. في مرة، أقنعني أصدقائي بأخذ فتاةٍ ثملةٍ من الحانة إلى البيت لأنها لا تستطيع القيادة. لم أدرك الأمر حينها، لكنهم كانوا يحاولون جعلي أتعرف عليها بشكل أفضل. ومن أجل مثل هذه اللحظات، ارتديت خاتماً في إصبع الزواج للاحتياط. أخبرت الفتاة أنّي متزوج وأنّ بوسعها النوم على الأريكة. لم أتمكن من النوم تلك الليلة لأنّي خشيت أن تأتي إلى غرفتي وتنام بجواري.
هذا أحد أسباب وقوعي في شرك إدمان الكحول، وكيف تعرّفت على ممرّضةٍ ساعدتني في معالجة التوتّـر والقلق المتعلّق بالاتصال الجسديّ. كانت تمـدّ يدها وتـخبرني أنه لا بأس إن لمستها وأنّ ذلك لن يسبب ألماً. ثـم كانت تجعلني ألمس ذراعها، وكانت هي تقوم بلمس وجهي وتقول بأنّ الأمر لم يكن سيئاً. كان ذلك مزعجاً، لكنّها وجدت طريقةً لجعله مضحكاً. انتهى بنا الأمر أن تزوجنا. لم أكن لأستطيع ذلك بدونها. كما أن لزوجتي طفلان. عشت معهم لسنتين ولم ألمسهم البتة. ولا حتى لمسة يدٍ عرضية.
ذات مرةٍ في الحانة، رأيت صديقي يضع يده على كـتف أحدهم فيما كان ماراً. أتذكر أنني فكرت: كان ذلك رائعاً، أتمنى لو أستطيع فعل ذلك. لكنّي لا أستطيع. عندما أذهب إلى مكانٍ مزدحم، غالباً ما أثمل، أو إذا لم يكن ذلك ممكناً، ينتهي بي الأمر أن أهمس لكلب ليس هـناك. لا أعلم لماذا يعطيني ذلك شعوراً أفضل، لكنه يفعل. لقد تمّ الإمساك بي كثيراً وأنا أتحدث إلى الكلب المتخيّل، فأخبر الناس أنّي أغني. لم يسألني أحد عن اسم الأغنية لليوم. أذرعي مكتوفة على الدوام تقريباً، لكنّي أحاول جهدي أن أضع ابتسامةً ودودةً وأضحك على النكات، لكنّي أعتقد أنّ الحركتين تـناقـضان بعضهما وتجعلاني أبدو مثل المختلّ عقلياً.
لقد أصبحت جيداً حقاً في تجنب اللمس، لذا لا أعاني من المزيد من التجارب السيئة. أنا فنان غرافيك لكنّي حالياً أحاول الانتقال إلى برمجة الحاسوب حيث يكون التفاعل مع الزبون محدوداً. تعلمت أن أدفع متقصداً للأشياء بواسطة بطاقة الائتمان بدل النقود. إن كنت أتعامل بالقطع النقدية، أرمي القطع في أيدي الباعة، وأحاول جعلهم يقومون بالأمر ذاته لي وذلك بعمل إشارةٍ واضحةٍ بيدي.
لكنّي لا أستطيع التحكّم بكلّ شيء. ذات مرةٍ، أعطتني مديرتي في العمل بطاقةً بمناسبة عيد الميلاد المجيد ومضت لتقوم بعناقي، فقمت بالتراجع خطوةً ورفعت يدي وقلت لها أنّي لا أستطيع عناقها. بدا بشكلٍ واضحٍ أنّي آذيتها بذلك وعندما قمت بفتح البطاقة واكتشفت أنّها أعطتني علاوةً كبيرة، كان شعوري مزرياً.
بالأمس فقط، كانت حماتي تبكي، وكلّ ما استطعت فعله كان أن أتحرّك نحوها قليلاً. حاولت التربيت على ظهرها، لكن انتهى بي الأمر بأن نكزتها بإصبعٍ واحد.
لقد كانت رحلةً طويلة. لو لم أقم بأخذ خطواتٍ لإصلاح نفسي، لكنت بالتأكيد أصبت بفشلٍ في الكبد من كثرة شرب الخمر. أحياناً أشعر بأنّي دخيل، لكن لا زلت أحظى بفرصٍ للراحة، بما أنني أفضل ألّا يتم لمسي على أن أكون مندمجاً في محيطي. ما زلت في المراحل الأولى وحسب للتغلّب على الأمر، لذا سنرى إلى أين يقودني ذلك. لأنّي أعتقد أنّ والدي على حق: يحتاج البشر فعلاً للمس. كلّ ما عليّ هو أن أجد طريقةً لأصبح مرتاحاً مع ذلك.