فيروس كورونا

عشرة أمور أتمنى أن تبقى بعد إنتهاء الحجر المنزلي

سيكون ضروريا جداً أنّ تستمر الحملات ضد العنف الأسري وتتوسع حتى بعد انتهاء الحجر المنرلي، فلا يكفي خروج المعنِّف من المنزل للحصول على الأمان
covid-19

مرّ أكثر من شهرين على الحجر الصحي في معظم دول العالم لايقاف تفشي فيروس كورونا، وبين إجراءات رسمية وأخرى شخصية معتمدة على الوعي الفردي وقدرة الناس تغيّرت عدّة أمور في نمط حياتنا جميعاً. ورغم صعوبة ما نعيشه كانت هناك أمور بدأنا نعتاد عليها في هذه الفترة وفي الحقيقة أتمنى أن تستمر حتى بعد انتهاء هذه الجائحة. بالطبع الخوف والقلق من خسارة أحبائنا ليس واحداً منها، فإذا ذهب الخوف والقلق ستبقى أمور مريحة كانت قد خرجت من قواميس حياتنا بسبب نمط المعيشة الاستهلاكي والمبالغ به بشكلٍ كبير.

إعلان

إحمممم التباعد الإجتماعي
نعم، التباعد الاجتماعي قد يكون واحداً من الإجراءات المزعجة التي أجبرنا عليها، لكن ماذا لو فكرنا به بعيداً عن المرض؟ كنا في السابق، مضطرين على الكثير من التواصل الجسدي بغرض المجاملة، حتى وإن كنت لست بالمزاج المناسب لأن تقف وتصافح وتقبّل أصدقائك وأقاربك، لأنه سيتم اعتبار ذلك قلة ذوق أو عدم اهتمام. بعد انتهاء الحجر، أتمنى أن نكون تخلصنا من اعتيادنا الزائد على الملامسة المبالغ بها، وأن تقتصر فقط على رغبتنا الحقيقية. في المرة القادمة التي سيقترب مني أحدهم، أظنني سأقول "آسفة، لم أعد معتادة على هذا الاقتراب" وسيكون عذراً مقنعاً ومقبولاً أتجنب به الكثير من الدوامات.

الكمامات
حتى وقت قريب، كان الفرد منا يخاف تعليقات الناس أكثر من المرض إذا ما قرر وضع كمامة في الشارع، وكأن الخوف من المرض أمر لا يليق بإنسان شجاع. صديقة لي كانت قد أجرت عملية زرع كلية ما دعاها لوضع الكمامة لاحقاً، وبعد خروجها إلى الشارع بالكمامة سمعت العديد من التعليقات المزعجة التي تستنكر خوفها على نفسها. الآن صار منظر الكمامة معتاداً وطبيعياً، وأعتقد أن عليه أن يبقى كذلك لأن كورونا ليست المرض الوحيد في العالم، هناك من يخاف من أن يتم نقل المرض له من ذوي المناعة الضعيفة من المصابين بأمراض مختلفة، أو شخص خائف من عدوى الأنفلونزا أوغيرها. لو أن عادة الكمامات تستمر، سيخلق هذا وضعاً مريحاً للكثير من الأشخاص، وهذا أصلاً موجود في الكثير من الدول منها الصين وكوريا الجنوبية قبل انتشار الكورونا وهو مرتبط بالحفاظ على الصحة والخوف من التلوث.

نعم يمكننا العمل من المنزل
العمل من المنزل كان واحداً من الأمور الجديدة في حياتنا، ورغم أن الكثير كانوا بحاجة لوقت للتأقلم ودراسة الإمكانيات المناسبة، تمكّن أصحاب الوظائف المكتبية والتي لا تحتاج إلى وجود في المكتب للعمل من المنزل بسهولة تامة، بل وأنّ العمل صار مريحاً أكثر دون أن يقلل ذلك من الإنتاجية. نقل المكتب إلى السرير كان حلماً مستحيلاً بالنسبة للكثير، لكنه صار ممكناً وتحقق بالفعل. بعد الجائحة سنقول لمدراء العمل أننا سنعمل غداً من المنزل ولسنا بحاجة للتأنق والخروج مبكراً وتَحمل أزمة الشوارع، لأجل إنجاز ما يمكن إنجازه على طاولة المطبخ أو غرفة النوم. وعلى فكرة، أبلغ موقع تويتر موظفيه بأنه "سيسمح لهم بالعمل من المنزل بشكل دائم" حتى بعد انتهاء فترة الإغلاق المرتبطة بفيروس كورونا، وسيتم استثناء "بعض الوظائف التي تتطلب وجودا فعليًا في المكتب." هناك أمل!

إعلان

الاعتياد على الملابس المريحة
ربما كانت البيجاما هي الزي الرسمي للحجر المنزلي، فيما أخذت ثياب الخروج المتنوعة زاوية بعيدة في الخزانة وهبطت إلى المرتبة الثانية. البيجاما تمتاز بأنها مريحة وليست بحاجة لأن يحكم عليها أحد، إنها ذوقنا الخاص تماماً بعيداً عن أعين الآخرين وآرائهم. راحتنا هي الخيار الأول، على عكس ثياب الخروج التي تخضع للموضة وبالتالي لتنازلات كبيرة من قبلنا مقابل رضا هذه الموضة عما نرتديه. على الموضة أن تراجع نفسها قليلاً وتستفيد من تجربة الحجر هذه، علينا أن نعيد نحن خلق هذه الموضة بالأحرى بعد هذه التجربة. سأكون سعيدة لو أنني لست مضطرة لارتداء جينز يطبق على معدتي، أو حمالة صدر تجعلني عاجزة عن التنفس أو كعب عالي لا أستطيع امشي فيه أكثر من دقائق. علينا أن نعيد النظر بأفكار اكتسبناها دون أن ندرك بعد أن اكتشفنا أخيراً ما نرتاح معه فعلاً.

الحق في مشاهدة الأفلام
الكثير من المواقع والأفراد أتاحوا لنا فرصة مشاهدة أعمالهم مجاناً، ورغم أن الكثير ليسوا بحاجة لهذه المجانية بسبب وجود التورنت وما شابه، إلا أنّ الانتاجات المستقلة للأفلام العربية الجديدة ليست متوفرة بهذه الطريقة، وسواء أكان هناك دفع مقابل المشاهدة أو لم يكن وأنه علينا انتظار المهرجانات، فإن عدد لا بأس به من الدول العربية عاجزة عن استضافة المهرجانات أو يعجز أبناؤها عن الدفع الكترونياً. لقد أتاحت لنا الجائحة مشاهدة أعمال سينمائية من المفترض أنها تمثلنا وتتحدث عنا. نحن الجمهور العربي أصبح لنا الحق في مشاهدة هذه الإنتاجات أخيراً، وأتمنى أن يستمر المخرجين في طرح انتاجاتهم لنا في المستقبل.

لسنا بحاجة لبيع أنفسنا للآلة الاستهلاكية
لا أنكر أنني مثل الكثير خفت من فقدان بعض السلع من الأسواق في الأيام الأولى من الإغلاق، وحاولت رغم ذلك عدم الوقوع بفخ الشراء الزائد بغرض التخزين. ولكن بعد مرور الوقت اكتشفت قدرتي على الاستغناء عن الكثير من الأمور التي اعتدت شراءها دون تفكير حتى، والاكتفاء بالضروريات لتقليل مرات الخروج من المنزل للتسوق. الأمر ليس سيئاً حقاً! نحن لسنا بحاجة لكل السلع في السوق لأجل أن نبقى على قيد الحياة، وبالتالي لسنا بحاجة لأن نفني أجسادنا وجيوبنا مقابل السلع المتنوعة. بإمكاننا صنع المشروبات التي تباع لنا بأسعار كبيرة في المنزل مع قليل من المساعدة من اليوتيوب، وينطبق هذا على كل شيء! بعد انتهاء الحجر سأتمسك بهذه العادة الجديدة، سأحاول الإعتماد على الأكل المحضر منزلياً، والاقتصاد في المواد المتوفرة في البيت. كما أنني سأفكر مرتين قبل الاتفاق للقاء صديق في كافيه، لماذا كافيه؟ ماذا لو تمشينا واسترحنا على الرصيف فقط؟ سيكون هذا كافياً في بعض الأحيان.

صحتنا النفسية
خلال الحجر المنزلي، لم يعد لدينا الآن خيار الهرب من مواجهة أنفسنا، إذ أن خيار الخروج مع الأصدقاء برغبة أو بدون لم يعد متوفراً، وصرنا مجبرين على الجلوس بمواجهة أفكارنا ومواجهتها واكتشاف أنفسنا بشكل حقيقي للمرة الأولى بعيداً عن كل مصادر الإلهاء أو التشويش سواء أكنا مجبرين عليها أو أننا نهرب إليها بخيارنا الشخصي بسبب عدم امتلاكنا الشجاعة الكافية على مواجهة النفس. نحن دائماً بحاجة لايجاد الوقت للاهتمام بصحتنا النفسية والجلوس قليلاً مع أنفسنا، لنفكر بشكل حقيقي وهادئ، لنتأمل ونكتشف أننا أخطأنا في حق شخصٍ ما، أو في حق أنفسنا. هذه عادة أخرى جيدة علينا الاحتفاظ بها حتى بعد عودة فرص الهرب.

الحماية من العنف الأسري أولوية لا يمكن التغاضي عنها
من الجوانب المأساوية التي ترافقت مع جائحة كورونا والحجر المنزلي كان تزايد العنف الأسري، ورافق ذلك دعوات جديدة لسن قوانين تحمي من هذا العنف، ونشطت الجمعيات لحماية النساء والأطفال. سيكون ضروريا جداً أنّ تستمر هذه الدعوات والحملات وتتوسع حتى بعد انتهاء الحجر المنرلي، فلا يكفي خروج المعنِّف من المنزل للحصول على الأمان.

سنفكّر عشرون مرة قبل اختيار شريك حياتنا
من النقطة السابقة، علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا فيما يخص اختيار شريك الحياة. علينا أن نسأل أنفسنا إن كنا قادرين على قضاء أيام متواصلة معه في مكان واحد مغلق دون أن نخاف منه. علينا أن نفكر ما إن كنا نستطيع مع هذا الشريك تجاوز أيام صعبة، فالمشاكل التي قد نواجهها في الحياة ليست فقط وباءً معدياً. هناك حروب وأمراض مختلفة، هناك بطالة وفقدان عمل وغيرها الكثير التي قد تجبرنا على التعامل مع هذا الشخص لوقت أكثر من اللازم. سنتعلم أن نسأل أنفسنا قبل المضي معه ما إن كان شخصاً سنستطيع أن نبقى معه في المنزل لوحدنا بدون أي عائلة أو أصدقاء.

الأمر الأخير الذي أود أن يستمر هو ذلك الهدوء، قبل الكورونا كنت أستيقظ مع صداع كل يوم بسبب ضجيج الشارع. الحجر والإغلاق فرض نسبة من الهدوء بسبب التزام الكثير في منازلهم، ولم أعد مضطرة للاستماع لـ "بلاي ليست" الخاصة بشاب يقود سيارته في المنطقة كل يوم للفت الأنظار بأعلى صوتٍ ممكن. أتمنى أن يكون هذا الشاب قد تعلم أن يعبّر عن نفسه بطرق أخرى. لا شك أن عادات النظافة والتعقيم هي أمور أتمنى أن تستمر ولا تكون مجرد خيارات اضطرارية. علينا الخروج من هذه الكارثة الصحية ونحن نعرف كيف نهتم بأنفسنا وبغيرنا، علينا أن نتمسك ببعض العادات لخلق أسلوب عيش أفضل، علينا أن ننجو من شكل حياة يقتلنا ببطء وليس فقط من الموت والمرض.