عندما نتحدث عن أول اختراع للعجلة، وعن أول تشريع لقانون وضعي قبل شريعة حمورابي، وعن أول استخدام للنفط، فنحن نتحدث عن مدينة أور الأثرية التي تقع في محافظة ذي قار-ومركزها الناصرية، في جنوب العراق. وتسمى المدينة أيضًا تل المقير، وتعتبر واحدة من أهم المواقع الآثرية في العراق على مر التاريخ.
مدينة أور، المدينة التي سيزورها قداسة البابا فرنسيس هذا الأسبوع خلال رحلته القصيرة للعراق، تعتبر أور مكاناً مقدساً لجميع الديانات الإبراهيمية، حيث يقال أنها مسقط رأس النبي إبراهيم وفيها بيته. وسيقوم البابا بعقد صلاة في المدينة "من أجل أبناء وبنات إبراهيم" بمشاركة كافة الديانات والطوائف.
"تعتبر أور موطن ولادة نبي الله إبراهيم الخليل، في كل الديانات والمعتقدات من بينهم طبعاً المسيحيين والصابئة المندائيين. علاوة على ذلك، ارتبط نسب عيسى المسيح عليه السلام من خلال أمه مريم العذراء بالنبي إبراهيم، ولذلك تعتبر زيارة أرض ولادته واحدة من أهم الطقوس الدينية للحج المسيحي، ولذلك، يريد البابا منذ زمن بعيد، أن يؤسس الحج الأكبر الذي يبدأ من موطن إبراهيم في أور وينتهي بكنيسة القيامة في القدس،" يقول عامر عبد الرزاق، مدير متحف الناصرية الحضاري.
وتشير النصوص الدينية إلى أن النبي إبراهيم ينحدر من أور ويعرف الإنجيل المكان باسم أور الكلدانيين. تحوي أور على زقورات (معابد سومرية) وقصور ومجمعات سكنية. وتشير المصادر بأن السير ليونارد وولي، عالم آثار بريطاني، اعتبر أن المجمع المجاور للزقورات هو بيت النبي إبراهيم، حيث وجد ختم أسطواني في نفس المنطقة عليه كلمة ابراهام.
بيت نبي الله إبراهيم، بالقرب من زقورة أور، يعود تاريخ بنائه إلى نحو 6،000 عاماً قبل الميلاد. أور، الناصرية، مارس ٢٠٢١. تصوير أسعد محمد.
بيت نبي الله إبراهيم من الداخل. وقد تم ترميم المجمع تمهيدًا لزيارة البابا يوحنا بولس الثاني التي كان ينوي القيام بها عام 2000. أور، الناصرية، مارس ٢٠٢١. تصوير أسعد محمد.
"أهل الناصرية يقولون أن النبي إبراهيم بيته عندهم، كما يعتقد اليهود والمسيحيين أن أور هي مركز حكمهم. ولكن هناك خلاف في الروايات حول ذلك،" يقول المؤرخ العراقي حسن علي خلف، مؤرخ من مدينة الناصرية: "في تركيا، هناك مغارة يقولون أن النبي إبراهيم كان يسكنها، وفي حلب السورية، يقولون أنها سُميت حلب لأن إبراهيم حَلبَ بقرته فيها. وفي مصر، يقولون أن مدينة الكرنك هي المكان الذي حُرق فيه بحسب القرآن (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ). هناك الكثير من الإشارات في مختلف الكتب السماوية لإبراهيم أو أبراهام، وهذا قد يُدلل أن إبراهيم قد أُرسل لأكثر من قوم."
ونظراً لأهمية هذه المدينة، وصل الأمر بمرجع شيعي عراقي في عام ٢٠١٦ بالدعوة إلى استبدال حج بيت الله الحرام في مكة المكرمة بالتوجه إلى زقورة أور باعتبارها الكعبة الحقيقية. واعتبر فرقد الحسيني، هو خطيب حسينية في مدينة الحلة، مركز محافظة بابل "أن مكة التي بناها ورفع قواعدها أبو الأنبياء إبراهيم في مدينة أور الأثرية، تعد مكة الحقيقية وليست تلك الموجودة في السعودية حاليًا."
وتعتبر أور Ur واحدة من بين عدة مدن شيّدها السومريين واتخذوها عاصمة لدولتهم، عندما استقروا في جنوب العراق قبل خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وقد اشتهرت الحضارة السومرية بتأسيسها للتجمعات السكانية بمفهوم المدينة الحالي، وطورت أنظمة الري وزراعة الحبوب كما اخترعت الكتابة المسمارية، وطورت نظامًا حسابيًا يستند عليه قياس الزمن في وقتنا الحالي. كما أن أحد الموروثات الثقافية من الحضارة السومرية هو تدوين الأدب من أشعار وملاحم على الخزف والفخار.
مجموعة من السياح يزورون معبد زقورة أور. أور، الناصرية، مارس ٢٠٢١. تصوير أسعد محمد.
السومريون الذين سكنوا أور، اهتموا كذلك ببناء المعابد من الطين والقير، ألا أن بناءهم لم يُعمّر لفترة طويلة بسبب الظروف الطبيعية والمياه الجوفية، فبدأ الناس ببناء معابد جديدة فوق القديمة، ومنها نشأ العلو في البناء، حتى تشكلت الزقورة أو المعبد السومري المدرج، والذي يعتبر أقدم أهرامات حضارة بلاد وادي الرافدين.
القبور القديمة في أور، لا تأخذ الشكل المستطيل أو المربع كما في عصرنا الحالي، بل كانت بيضوية الشكل. وكان السير ليونارد، الذي نقب عن الآثار في مدينة أور عام ١٩٢٢ قد اكتشف مقبرة ملكية بها أكثر من ألفي قبر، ومجموعة من الخوذات الذهبية والتيجان والمجوهرات التي يعود تاريخها إلى حوالي 2،600 قبل الميلاد.
قصر الملك شولكي، الذي أسس أول دار لتعليم الموسيقى، بالقرب من معبد الزقورة. أور، الناصرية، مارس ٢٠٢١. تصوير أسعد محمد.
مدينة أور، التي صنفتها منظمة اليونيسكو ضمن لائحة التراث العالمي، كانت مقصداً للزوار الغربيين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، قبل أن تتسبب الحروب المتعاقبة بتدمير القطاع السياحي في البلد. وتعتبر أور واحدة من المواقع الأثرية في عموم العراق، والتي يتراوح عددها قرابة 12 ألف موقع أثري. وهناك نحو 1،200 موقع أثري في الناصرية فقط "وهو ما يعادل كل الآثار الموجودة في فرنسا وايطاليا مجتمعة،" حسب وصف الرزاق.
"أرض الناصرية تُخبئ آلاف المواقع الأثرية غير المكتشفة، وقد بقيَ محفور بذاكرتي كلام الدكتور هنري رايت، أستاذ آثار الشرق في جامعة شيكاغو عندما زار الناصرية، قال لي أننا نطلق على المحافظة إسم متحف الآثار العالمي لما فيها من مواقع أثرية تعود إلى أكثر من 6،500 قبل الميلاد، منها مواقع تعود إلى العصور السومرية والأكدية والبابلية والاخمينية والمقدونية واليونانية والساسانية والعصور الإسلامية،" يقول عبد الرزاق.
وبالإضافة إلى أور، سيزور البابا كل من بغداد والنجف والموصل وأربيل، وسيلتقي برجال الدين والأساقفة في كنيسة سيدة النجاة، وسيلتقي المرجع الشيعي علي السيستاني في النجف.