623A0085

أمي وشم على زيتون.

طعام

هل تساءلت يوماً عن طَعم الكون؟ وهل فكرت بتجربة شوكولاته مصنوعة من الجميد؟

الشيف الأردني عمر سرطاوي يأخذ الطعام إلى مستوى آخر من خلال علم الطبخ الجزيئي

لا بد أنه مر عليكم عدد لا يحصى من الطاهيات والطهاة باختصاصاتهم وأساليبهم المختلفة، لكن ربما لم تسمع عن علم الطبخ الجزيئي أو Moleculaire Cuisine -أنا لم أعرف عنه قبل هذا المقال. هذا العلم هو أسلوب جديد لتجربة الأطعمة، يعتمد على التلاعب بالحواس واتباع منهج علمي لخلق أطعمة جديدة تماماً.

بحسب هذا العلم، حاسة التذوق ليست المحرك الوحيد عندما يتعلق الأمر بالاستمتاع بالطعام، فالحواس الأخرى؛ مثل حاستي السمع والشم أيضاً لها دور كبير بالاستمتاع بالطعام، مثلاً عندما تأكل جزرة أو خسة مع تكبير صوت القرمشة من خلال السماعات، سوف تشعر بأنها أطيب من تلك التي تأكلها بدون استخدام هذه المؤثرات.

إعلان

لا يزال هذا الفن جديد نسبياً في العالم العربي، ولكن عمر سرطاوي، شيف أردني عالمي، يحاول تغيير ذلك وتقريب فن الطهي الجزئيي للجمهور من خلال أخذ الأكلات التقليدية لمستوى آخر. تواصلت مع عمر لاستفهم منه أكثر عن هذا الفن واختراعاته الأخيرة.

IMG_0019 - Copy.JPG

عمر سرطاوي. تصوير: خالد عُمران.

VICE عربية: مرحبا عمر، بداية، كيف بدأت علاقتك مع الطبخ؟
عمر سرطاوي:
لطالما أحببت الطبخ، لطالما كنت شغوفاً به، إلا أني لم أره قط كمهنة في البداية، لكنها حدثت تدريجياً ودون تخطيط. ترعرت وعشت في عمّان، ودرست هندسة إلكترونيات في لندن، وعملت في دبي، الإمارات في مجال المقاولات لفترة طويلة، قبل أن أقرر تغيير مسار حياتي تماماً ودراسة فن الطبخ الجزئيي، وعلم الغذاء بما في ذلك فيزياء الغذاء والكيمياء الغذائية.

لقد فقدتني عندما تحدثت عن الفيزياء والكيمياء...اشرح لي أكثر عن فن الطبخ الجزيئي؟ 
هو عبارة عن فن وعلم، لأنه يغير ويعيد تشكيل الصور التقليدية لفنون الطهي وخلق أطباق جديدة من خلال دراسة التحول الفيزيائي والكيميائي لمكونات الطعام.

حسنًا. كيف وصلت لمشروع "قضمة من مذاق الكون" واختراع طعم لدرب التبانة؟
انطلق هذا المشروع من مقال كنت قد قرأته يقول أن العلماء في وكالة ناسا اكتشفوا أن طعم مركز المجرة يشبه التوت البري، تواصلت مع أحد العلماء وأخذت معلومات منه حول هذا المذاق أو الطعم. وعلى ما يبدو فإن الباحثين صادفوا مادة خلال البحث عن علامات حياة على كواكب أخرى، واسمها "فورمات الإيثيل" وهي المادة المسؤولة عن الروائح العطرة للفواكه والزهور، وطعمها بحسب العلماء يشبه التوت.

إعلان

عندها قررت أن أتحدى نفسي أن أحول هذا الاكتشاف العلمي الذي توصل له العلماء إلى حقيقة ملموسة وقابلة للتذوق. وارتأيت أن الورق أفضل طريقة لإيصال المذاق. فبدأت بالعمل على تطوير ورقة قابلة للأكل وتحمل طعم مجرة "درب التبانة" وقدّمت في فبراير ٢٠٢٠ هذه التجربة الفريدة والتي تعتمد على تقنية الـ3D في دبي، وفي مدن أخرى لاحقاً ضمن مشروع Bite Of The Universe.

تعتمد الكثير من أعمالك على تطوير أطباق وعناصر موجودة أصلاً في الثقافة الأردنية والعربية. كيف تحرص على المحافظة على أصل وقصة الأطباق بينما تطورها؟
هنا تكمن المهارة، هذه خلاصة المهارات والتجارب المكتسبة عبر السنوات. يغير الكثيرون في الأطباق بدلاً من تطويرها وتحسينها. الموازنة بين العاملين هي مهارة. في البداية من الضروري أن يكون التصور والفهم للطبق قوي بما فيه الكفاية حتى تتمكني من تحليل وتفكيك العناصر الموجودة في الطبق: العناصر المهمة والعناصر التي يمكن التخلي عنها، أي العناصر نطور وعلى أيها نحافظ. ليست مهمة سهلة، ولا يتقنها كثيرون، لأنها تجربة مختلفة تماماً.

أرى هذا النوع من الطهي مهم جداً لتطوير وبنفس الوقت الحفاظ على هوية هذه الأطباق. مثلاً قمت بوشم كلمة أمي على زيتونة شفافة، وهي تعبير لما تعنيه الأم، كان تعاونًا مع مجموعة نقش لإنشاء مجموعتهم الجديدة "جهازك يا شمس." تم تحضير زيت الزيتون الشفاف، عن طريق طهي الزيتون الأخضر في الماء بدرجة حرارة محددة، عملية معقدة ومن ثم وشم كلمة "أم" على زيتون بحبر صالح للأكل بإبرة على الطراز العربي القديم للوشم.

المنسف بالجميد هو الطبق الرسمي بالأردن، ولكن ما هي قصة "شوكولاتة الجميد."
الفكرة من "شوكولاتة الجميد" هي إعادة تعريف ثقافتنا بطريقة معاصرة. بدأت الفكرة بالترمس وجربت بعدها الحمص والفول، وجربت أن أصنع سندويشة فلافل محشية بداخل حبة الفلافل، وحمّص محشي بالفلافل، جرّبت عدة أمور. كنت مهتماً بفكرة الغرابة، ما هو غريب وما هو مألوف. بمعنى أنني أردت أن أغير فكرة الأردني عن الجميد المألوف بالنسبة له، وأن أجعل الفرنسي يجده مألوفاً. وشعرت أن هذا كان سؤالاً مثيراً، وبدأت أجرّب مع الجميد، وفشلت لثلاثة أشهر، كانت النتائج غير قابلة للأكل.

إعلان

بعد ذلك، عدت خطوة إلى الوراء وأدخلت الشوكولاتة للتجارب، وشيئاً فشيئًا صرت أبحث عن طريقة لدمجها مع الجميد. كان الأمر صعباً، لأنني كنت أعامل الجميد والشوكولاتة بناءً على تعريفي وتصوري لهما. وفجأة جاء الوحي، وقررت أن أطبخهما كأنني لم أرهما من قبل، وكأنني لا أعرفهما. ربما هذا كان سبب فشلي، كنت أدخل للتجربة محملاً بالأحكام والتعريفات. ذهبت للموقد وطبخت الجميد والشوكولاته معاً، وكانت النتيجة مدهشة، لم أصدق كم كان طعمهما رائعاً معاً. بعد ذلك طوّرت الوصفة لتصبح أكثر قابلية للإنتاج.

وكيف كانت ردة الفعل؟
قدمت الوصفة في أسبوع عمان للتصميم في النسخة الأولى. وترك انطباعاً قوياً، فهنالك من أحبه كثيراً وهناك من كرهه كثيراً، لم تكن هناك أي حيادية، وهذا أمر جيد. بعد ذلك، قررت إطلاق شوكولاتة الجميد كمنتج يمكن شراؤه، وليس فقط تجربته في المطاعم الفاخرة. توقعت أن أبيع  ٥ أو ١٠ قطع منها فقط، لكنها بيعت بشكل واسع ونفذت من أول يوم.

Screenshot_20210328-134943_Instagram (1).jpg

ماذا عن "عين الغزال"؟
كنت قد تعرفت على طريقة جديدة كانت قد طُورت من قبل خبير في الطبخ الجزيئي وأنتج منها مواداً صلبة قابلة للأكل، وفكرت أن آخذ الموضوع لبعد آخر، من خلال إضافة الجميد لهذه المادة، بما أنه مصدر كالسيوم وسيعمل على تقوية البناء. بدأت أفكر ماذا أصنع بهذه المادة، وشعرت أن تمثال عين غزال هو الأفضل فهو واحد أقدم من التماثيل المكتشفة في الأردن، وهو الآن معروض في متحف اللوفر. وهكذا ما حصل، صنعت نسخة قابلة للأكل منه، وأحدث ذلك ضجة واسعة.

ayn ghazal replica.jpg

عين غزال مصنوع من الجميد. عين غزال هي مجموعة من التماثيل المصنوعة من الجص تعود للحجر الحجري.

ماذا عن آخر أعمالك، جلد الباذنجان؟
بعد التجارب السابقة، تطورت طريقة تعاملي مع الطعام، وأصبحت أرى الأمور بمنظور مختلف نتيجة التجارب الجديدة. مع انتشار فيروس كورونا، ارتأيت أن أحوّل قشر الباذنجان إلى مادة تشبه الجلد المزخرف واستخدمت مزيجاً من تقنيات الطهي القديمة والحديثة. اتبعت تقنية من مطبخ "الإنكا" والتي تعود للقرن الـ13، وتقوم على تمليح المادة وتجفيفها. كما استخدمت النمط الفرنسي الحديث للطهي بالضغط، والذي أنتج لي مادة تشبه الجلد شكلاً وملمساً، وطرحتها ككمامة صحية وتحافظ تماماً على البيئة.

IMG_1234.JPG

يبدو فن الطهي الجزيئي نخبوياً وحصرياً. أين ترسم الخط ما بين الفن النخبوي الذي لا يفهمه الكثيرون وبين تقديم فن من وإلى المجتمع والثقافة ذاتها؟
كل جديد يمر بمراحل عديدة حتى يتقبله الناس، وتكون هناك انتقادات بسبب حصره بمجموعات معينة، هذا التطور الطبيعي للفنون كلها. ولكن بشكل عام أرى أن الجمهور قادر على تمييز المفاهيم والأفكار الجيدة من تلك الفارغة.