hoarding article
صحة نفسية

الحياة السرية للأشخاص المصابين باضطراب الاكتناز القهري

الاحتفاظ بالكثير من الأغراض حتى لو كانت غير مستخدمة وعديمة القيمة قد يشعر المرضى بأنهم بخير وقادرين على مسك زمام الأمور

جرائد قديمة، علب الحليب وقناني المياه، برطمانات وإكسسوارات وملابس قديمة، هذه بعض من الأغراض التي يحتفظ بها محمد شاكر، 27 عامًا، موظف في بنك، في بيته ومنزل والدته وفي عمله ولا يستطيع الاستغناء أو رمي أياً منها. بالنسبة لشاكر وله بالاحتفاظ بهذه الأغراض أو "الكراكيب" كما تسميها زوجته يعطيه شعوراً بالراحة والأمان، كما يقول: "أشعر أنني سأحتاج لهذه الأغراض في يوم من الأيام، لهذا لا أستطيع أن أتخذ قراراً بالتخلي عنها، وأعتقد أنني لن أستطيع ذلك أبداً في حياتي."

إعلان

حب جمع الأغراض القديمة بدأ مع شاكر منذ طفولته: "من سن صغير وأنا أحب أن أحتفظ بكل شيء حتى لو كان قديمًا ولا يعمل، بدأت بالاحتفاظ بالألعاب وعبوات الحليب الفارغة، ومن ثم انتقلت لجمع الجرائد القديمة والأسلحة البيضاء الأنتيك." ويضيف: "غرفتي مليئة كذلك بالبرطمانات والإكسسوارات والملابس القديمة التي لم تعد تناسبني، ولكنني لا أستطيع رميها أو التبرع بها. والدتي كانت دائماً تشكو من احتفاظي بكل هذه الأشياء. وبعد زواجي وانتقالي من المنزل، زوجتي الآن تنزعج كثيرًا بسبب الفوضى وتقول أنني حولت المنزل إلى "كراكيب غير صالحة للاستخدام." هي كانت تعلم أنني أهوى جمع الأشياء القديمة قبل الارتباط، ولكن أعتقد أنها لم تتخيل حجم وكمية هذه الأغراض."

حتى في مكان عمله، لدى شاكر خزانة مليئة بأشياء لا تلزمه "ولكنها قد تلزمه" كما يقول: "في البنك حيث أعمل، يعرف زملائي يعرفون أني مصاب بهوس جمع كل ما هو قديم. لا أحد يعتبر الموضوع مرض أو اضطراب نفسي. ولا أشعر بالخجل من ذلك، أنا فقط لا أحب أن يسخر أحد من حبي لهذه الأشياء التي لا أفرط فيها. أمي حاولت أن تتخلص من أشيائي التي تملأ غرفتي القديمة، وعندما رأت مدى غضبي لم تكررها. زوجتي تنصحني برمي بعض الأغراض طوال الوقت، ولكنني أرفض."

الحالة التي يعيشها شاكر، يطلق عليها اسم "الاكتناز القهري" أو التخزين القهري أو اضطراب الاكتناز أو اضطراب التخزين Compulsive Hoarding وهو تخزين الشخص المقتنيات غير الهامة وتكديسها وعدم التمكن من التخلص منها، وقد يشمل ذلك التعلق بشيء واحد أو قد يكون شعور عام ورغبة عامة في الاحتفاظ بكل ما هو قديم. 

إعلان

ويعاني الأشخاص المصابون باضطراب الاكتناز من صعوبة مستمرة في التخلص من الممتلكات أو التخلي عنها مما ينتج عنه فوضى وتعطيل القدرة على استخدام أماكن المعيشة. الاكتناز ليس مثل الجمع. عادة ما يكتسب هواة الجمع الممتلكات بطريقة منظمة ومتعمدة وموجهة، في حين تفتقر الأشياء التي يحصل عليها الأشخاص المصابون بالاكتناز إلى موضوع ثابت، كما أن الفوضى غير المنظمة هي سمة مميزة لاضطراب الاكتناز.

يبلغ معدل الانتشار الإجمالي لاضطراب الاكتناز القهري حوالي 2.6٪، مع ارتفاع معدلات الإصابة به للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا والأشخاص الذين يعانون من تشخيصات نفسية أخرى وخاصة القلق والاكتئاب. وتشير معظم الأدلة إلى أن الاكتناز يحدث بتواتر متساوٍ بين الرجال والنساء، وهو متشابه بين جميع الثقافات. يمكن أن يتسبب اضطراب الاكتناز في مشاكل في العلاقات والأنشطة الاجتماعية والشعور بالعزلة والوحدة وعدم الرغبة في دخول أي شخص آخر إلى المنزل وعدم القدرة على أداء المهام اليومية مثل الطهي والاستحمام في المنزل. بالنسبة لبعض الأفراد، يعتبر الاكتناز القهري ظاهرة مميزة تستمر مدى الحياة، بينما قد يتطور سلوك الاكتناز القهري عند آخرين كرد فعل للتوتر أو الخسارة.

كما في حالة شاكر، لا يسعى هؤلاء الأشخاص عادة إلى علاج الاكتناز القهري بل لا يعتبرونه مرضًا، والكثير منهم لا يدركون التأثير السلبي للاكتناز على حياتهم. وغالبًا ما يشعر من يعانون من هذا الاضطراب بالإحباط والغضب في حال تم فقدان أي من حاجاتهم وتكون ردة فعلهم الأولى جمع المزيد من الأغراض لتعويض ما فقدوه. 

إعلان

يقول شاكر أنه لسنوات رفض الإعتراف بأنه يعاني من اضطراب الاكتناز القهري، ويتابع: "كنت في البداية أتصور أن هذه مجرد عادة، عادة سيئة ربما ولكن ليس مرضاً. ولكني بعد ذلك قرأت عن الاكتناز القهري، عرفت الوسواس الذي أعاني منه. وحتى أنني قمت بإنشاء جروب على فيسبوك لأشارك معلوماتي مع الآخرين. أعترف أنني أحب منظر الفوضى، ولا أحب أن يقترب أي شخص من أشيائي، وحتى وسط هذه الفوضى أستطيع الوصول بسهولة تامة لأي شيء أريده. لم أفكر في الذهاب للطبيب وأحاول إقناع نفسي أنني أستطيع السيطرة على الأمر. ليس من المعتاد بالنسبة لنا في المجتمع أن نعتبر الاكتناز كاضطراب نفسي يحتاج لعلاج."

الدكتور عنتر سليمان أستاذ الصحة النفسية وصاحب أكاديمية د. عنتر سليمان للتدريب والاستشارات والكوتشينج، في القاهرة مدينة نصر، يعتبر أن هناك علاقة بين اضطراب الاكتناز القهري والاكتئاب. ويقول في مقابلة مع VICE عربية: "قد يتحول الاكتناز في أحيان كثيرة إلى وسواس قهري -أفكار غير منطقية وتصرفات إجبارية ناتجة عن القلق. وعادة ما يعاني هؤلاء الأشخاص من الاكتئاب، ويكون الاكتناز طريقتهم للشعور بأنهم بخير وقادرين على مسك زمام الأمور، من خلال الاحتفاظ بأشياء حتى لو كانت غير مستخدمة وعديمة القيمة والمنفعة. ويقنع بعضهم نفسه أنه في حاجة إليها رغم أنه ليس كذلك. ولكن ما يحدث أن تراكم هذه الأغراض حولهم تزيد من شعورهم بالوحدة والاكتئاب وشعورهم بأنهم عالقين وليس العكس."

إعلان

المنزل مليء بالحاجات القديمة. ومؤخراً، أصبحت مهووسة بشراء طبب من الخيوط وتجميعها. البيت ملئ بالخيوط التي تتواجد في كل مكان، على الأرض وعلى السرير وعلى المقاعد

"منذ أيام هددني زوجي بترك المنزل إذا لم أتخلص من الأغراض التي لدي في المنزل. لا أعرف ما الذي ينبغي أن أتخلى عنه، أدور بينها منذ أيام أحاول أن أنتقي الأهم حتى أتخلص من الأغراض الأخرى، ولكني لا أستطيع. كلها أغراض أشعر أنها جزء مني،" تقول وفاء رزقي، 38 عاماً، تعمل في المبيعات من تونس. 

رزقي تعاني من اضطراب الاكتناز القهري منذ كانت في الخامسة عشر من عمرها، كما تقول، وهي تحب جمع الحقائب والسجاجيد والألعاب والملابس، التي تشعرها "بالسعادة." وتضيف: "أعترف أن لدي عادة غريبة، ولكني لا أستطيع التخلي عن الأغراض التي جمعتها لسنوات. لأنها أصبحت جزء مني تشعرني بالأمان والقدرة على السيطرة على حياتي."

وعن محاولة الذهاب لطبيب لمعالجة هذا الاضطراب، تقول رزقي: "لم أخبر زوجي الحقيقة لم أظن أنه سيمثل مشكلة، في البداية كان يعتقد أن الأمر غريب فقط، ولكن الآن مع ازدياد عدد الأغراض، أصبح يرى أنني أحتاج علاجًا. ربما، كل ما في الأمر أنني أجد متعة كبيرة في جمع هذه الأغراض. ولكن بالعادة لا يعلم معظم المرضى أنهم يحتاجون للمساعدة، وأعتقد أن هذا ما يحدث معي."

سماح قنديل، 35 عاماً ربة منزل، تفهم تماماً ما تشعر به رزقي. وتقول: "لدي اعتقاد أنني لو رميت أي شيء من متعلقاتي سأندم، وحتى أتلافى هذا الشعور بالندم أقرر الاحتفاظ بكل شيء حتى لو كانت هذه الأغراض غير صالحة. فأنا أحتفظ بالجوارب القديمة، وأكياس البقالة أقوم بتخزينها كلها، رغم أنني أشتري غيرها دائمًا. حتى ألعاب الأولاد القديمة والمكسرة وأساتك الشعر، أحب الاحتفاظ بها هذا يجعلني أشعر بالاطمئنان، أنني سأجدها عند الحاجة إليها."

إعلان

تعترف سماح إلى أن الموضوع يؤثر على حياتها، لأن شعور القلق والتوتر يستهلك مجهود نفسي وتخزين كل هذه الأمور بالبيت ينعكس على حياة أولادها، وتقول: "من المفترض أن أكون قدوة لأولادي، ولكني لا أستطيع. المنزل مليء بالحاجات القديمة. ومؤخراً، أصبحت مهووسة بشراء طبب من الخيوط وتجميعها. البيت ملئ بالخيوط التي تتواجد في كل مكان، على الأرض وعلى السرير وعلى المقاعد. بدأ ذلك قبل سنوات عندما بدأت العمل بخيوط الكروشيه. ومن وقتها، أصبح تجميع الخيوط مسيطراً علي."

تقول قنديل أن "هذه الحالة" بدأت معها بعد زواجها، عندما كان زوجها يغيب عن المنزل بسبب سفره المرتبط بالعمل وتتابع: "ربما الأمر مرتبط بشعوري بالوحدة والفراغ. ولكن بدأ الموضوع يخرج عن السيطرة ولم أعد قادرة على التحكم في رغبتي المستمرة في تجميع الأغراض القديمة وطبعاً شراء وجمع المزيد من الخيوط. والدتي تتعامل معي كأنني مجنونة، وتطالبني باستمرار بأن أتخلى عن هذه الفوضى. لم أكن أعرف أن ما أعاني منه هو اضطراب وله اسم، ولكن الذهاب لطبيب سيكون صعباً، وعائلتي لن تتقبل ذلك بسهولة."

يعتبر الدكتور سليمان أن ليس جميع حالات الاكتناز القهري تحتاج تدخلاً طبياً: "بعض هؤلاء الأشخاص يكون لديهم أحيانا نمط الشخصية الوسواسية التي تحب أن تنظم الأشياء وأن تظل الأشياء في مكانها مدى الحياة. عندما يجتمع نمط الشخصية الوسواسية مع اضطراب الاكتناز القهري، يصبح التدخل الطبي ضرورياً. في حال فقد الشخص السيطرة على نفسه ولم يعد قادراً على التخلص من الأغراض، مثل ما نرى في الحالات التي تحدثت معها، هناك من يحتفظ بالعبوات أو الملابس القديمة والحقائب أو الخيوط، وكل منهم قد يغضب بشدة وقد يدخل في عراك لو تخلص شخص قريب منه من هذه الِأشياء، وهذه أعراض مرضية."

إعلان

وعن كيفية التعامل مع المصابين بهذا الاضطراب، يقول الدكتور سليمان: "بداية ينبغي أن يقتنعوا بأنهم يحتاجون لعلاج، حتى لو كانوا يشعرون بالمتعة المؤقتة. عندما يتلقى هؤلاء الأشخاص العلاج المناسب وبنفس الوقت معالجة أسباب الشعور بالوحدة أو الاكتئاب سيجدون أنهم لا يحتاجون لهذه الأشياء القديمة وسيتخلصون منها بشكل تدريجي دون تدخل من أحد. ولكن نحن لم نعتاد في عالمنا العربي أن نتعامل مع هذه الحالات كاضطراب نفسي. الأشخاص الذين يطلبون العلاج قلة قليلة."

ربما لن أستخدم أي من هذه الأغراض، ولكن لو فقدت أي منها أشعر أنني قد خسرت شيئًا كبيرًا، ولا أعرف كيف ستكون ردة فعلي

"أتذكر أنني في سن السابعة، كنت أسير في الشارع وأجمع كل الأشياء التي أجد لها قيمة حتى المسامير وأضعها في جيبي وأذهب بها إلى والدتي في نهاية اليوم الدراسي وجيوبي ممتلئة. والدتي كانت تندهش مما أفعله وتمنعني من ذلك. ولكني لم أتوقف عن ذلك، توقفت فقط إخبارها بما أجمعه،" يقول سامي كلاعي، 40 عاماً، تقني يعمل في صيانة الأجهزة.

ويضيف: "أنا مهووس بجمع الخردوات وأجمع كل ما أجده عن طريق الصدفة أو بشكل مقصود، وأشعر باستمرار أن هذه الخردوات لها قيمة كبيرة جدًا. كما أنني مهووس بالتليفونات المحمول القديمة، وعندي محل ملئ بها رغم أنه ليس لها استخدام ولا تعمل، ولكني أشعر باحتياجي الدائم لها. أحتفظ كذلك بالأجهزة الكهربائية القديمة ولا أفرط فيها أبداً."

يشير كلاعي أنه بعد الزواج، يقوم بالاحتفاظ بأغراضه في منزل والدته: "كل الأشياء التي جمعتها منذ طفولتي موجودة هناك. وأمي لم تحاول التخلص منها، فهي كذلك تحب تخزين الأشياء في المطبخ مثل البرطمانات والعلب الفارغة، ولكنها ليست مهووسة مثلي، ولكن خالي لديه نفس الحب لتجميع كل شيء."

إعلان

ويتابع: "في منزل الزوجية أحتفظ بكل شيء في غرفة المكتب حتى لا أغضب زوجتي. جمع الخردوات يشعرني بالسعادة،  ولا أحب أن يلمس أي شخص أي قطعة منها. ربما لن أستخدم أي من هذه الأغراض، ولكن لو فقدت أي منها أشعر أنني قد خسرت شيئًا كبيرًا، ولا أعرف كيف ستكون ردة فعلي."

كلاعي لم يفكر بالذهاب إلى طبيب، رغم أنه يعترف "أن لديه مشكلة نفسية" كما يقول "أنا الآن أستمتع بكل ما لدي من أغراض، ربما في المستقبل قد أفكر بالذهاب لطبيب، ولكن حاليًا ليس لدي النية لذلك، فهذه الأشياء تسبب لي سعادة كبيرة، وأخاف من أن اضطر للتخلي عنها."

بحسب موقع مايو كلينيك فالعلاج الرئيسي لاضطراب الاكتناز هو العلاج السلوكي المعرفي. يمكن إضافة الأدوية، خاصة إذا كان الشخص يعاني أيضًا من القلق أو الاكتئاب. من المهم طمأنة هؤلاء الأشخاص قبل بدء العلاج، أن أحداً لن يذهب أحد إلى منزله أو منزلها ويبدأ في التخلص من أغراضهم. كما سيساعد أخصائي الصحة النفسية المرضى وأهلهم في معرفة الأغراض التي يمكن الإبقاء عليها، وتلك التي يمكن رميها. وغالبًا ما يتضمن العلاج مساعدة من العائلة والأصدقاء للمساعدة في إزالة الفوضى.

ونظرًا لأن العديد من الأشخاص الذين يعانون من أعراض اضطراب الاكتناز لا يدركون أن سلوكهم يمثل مشكلة، فقد تتعرض أنت كصديق أو شريك أو أحد أفراد أسرتك للضيق أكثر من الشخص الذي يقوم بالاكتناز. لهذا قد يحتاج الشركاء هم أيضاً للحديث مع أخصائي الصحة النفسية لتشجيع من يحبون على طلب المساعدة.

يؤدي الاكتناز إلى العزلة والشعور بالوحدة، مما قد يؤدي بدوره إلى مزيد من الاكتناز. ولكن هذا اضطراب نفسي وطلب المساعدة الطبية ضروري وليس سبباً للشعور بالخجل.