النص والصور بالتعاون مع أوكسفام العراق.
خسر أحمد جميع الخراف التي لديه بسبب نقص الماء، وجف كل محصول العنب لهذا العام في مزرعة فضالي نتيجة لارتفاع درجات الحرارة. ولم تعد فاطمة قادرة على زرع الخضار في مزرعتها نتيجة للجفاف. ويفكر محمد في ترك أرضه وحياته كمزارع للعثور على عمل آخر بسبب ملوحة المياه.
هذه القصص تظهر حجم تأثير تغير المناخ على حياة العائلات الزراعية في العراق، الذي يصنف على أنه خامس دولة معرضة لتغير المناخ في العالم بسبب نقص المياه والغذاء ودرجات الحرارة القصوى. وكما هو الحال في بقية العالم، فإن أفقر الناس هم الأكثر عرضة للآثار السلبية لتغير المناخ، على الرغم من كونهم أقل مسؤولية عن التسبب في ذلك.
يمر العراق بواحدة من أسوأ أزمات المياه والذي يهدد قطاع الزراعة بشكل مباشر وخطير، ويعرض مئات الكيلومترات من الأراضي الزراعية لخطر الجفاف التام. بعد عقود من عدم الاستقرار السياسي، أصبحت الدولة التي مزقتها الحرب تتأرجح الآن على حافة كارثة جديدة - تغير المناخ. بدأ المزارعون الذين نزحوا خلال الحرب مع داعش (2014-2017) في إعادة بناء حياتهم ببطء، فقط ليجدوا أن العودة لأعمالهم وحياتهم لم يعد ممكناً. واضطر كثيرون لترك عملهم في الزراعة بحثًا عن فرص أخرى.
بحيرة حمرين، ديالى، العراق. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
ويعتبر حوض دجلة والفرات من أكثر المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم. الحوض هو شريان الحياة للعراق وتركيا وسوريا وإيران التي تعتمد على مياهها للاستهلاك المنزلي والري وتوليد الطاقة. أدت قضايا إدارة المياه العابرة للحدود والجفاف الناجم عن تغير المناخ لنقص كارثي في المياه في جميع أنحاء العراق. وربما لا يوجد مكان أكثر وضوحًا من الامتداد بحيرة حمرين في ديالى - الخزان الصناعي هو المصدر الرئيسي للمياه في المحافظة، لكن أزمة الجفاف أدت إلى انخفاض منسوب المياه في البحيرة بشكل غير مسبوق منذ عام ٢٠٠٣.
جفاف قناة ري من بحيرة حمرين والتي كانت تنقل المياه إلى القرى الخارجية. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
غالبًا ما تستخدم قنوات الري من بحيرة حمرين لتزويد المناطق الريفية المحيطة بالمياه، ولكن مع انخفاض منسوب المياه بشكل كبير هذا العام، لا يتوفر للكثير من القرى شمال العراق الآن أي مصدر أو سوى القليل من المياه للمحاصيل أو الماشية.
صبي يراقب قناة للري حيث تضاءلت إمدادات المياه إلى قريته الصغيرة خلال السنوات الأخيرة. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
فاضلي حمد سالم، 34 عاماً، وهو مزارع من محافظة ديالى شرقي العراق والتي تعتبر الأكثر تضرراً من أزمة الجفاف، خسر جميع محصول العنب الخاص به نتيجة لارتفاع درجات الحرارة هذا الصيف. ويقول أنه حتى بعد أن قام ببيع سيارته لدفع ثمن بئر جديد، فإنه لا توجد مياه كافية: "نحن نعمل في الزراعة لإطعام أطفالنا، ولكن هذا العام كان أصعب بكثير من السنوات الماضية. كل الأراضي ماتت بسبب نقص إمدادات المياه. لقد خفضنا نصف نفقاتنا الشخصية والعائلية وبعنا سيارتنا الخاصة لإبقاء المَزارع على قيد الحياة."
فاضلي حمد سالم يعرض أشجار العنب التي جفت في مزرعته خلال موجة الجفاف الاخيرة. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
"قضت جميع الأغنام التي لدي بسبب نقص الماء. المصدر الوحيد المتبقي لدينا هو الماء المالح،" يقول أحمد أشكيتي عجيل، 51 عامًا، مزارع ومربي مواشي. ويضيف: "لم أكن أتوقع أنه لن يكون هناك مطر أو ماء في المستقبل. إذا علمت أن الأمر سينتهي على هذا النحو، كنت بعت الخراف وعملت في قطاع آخر. لكن لا توجد وظائف على أي حال. هذه أرضنا وسنبقى هنا ونموت هنا."
مواشي أحمد أشكيتي عجيل تمرض وتموت من قلة مياه الشرب. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
تجاوزت درجات الحرارة في العراق هذا الصيف 51 درجة مئوية، ليصبح البلد الأسرع الذي ترتفع فيه درجات الحرارة مقارنة بباقي دول العالم، كما ارتفع متوسط درجة حرارة العراق بنحو 2.3 درجة مئوية منذ نهاية القرن التاسع عشر أي ضعف ما شهدته باقي مناطق العالم، وفقاً لمؤسسة "بيركلي إيرث" لعلوم المناخ ومقرها كاليفورنيا.
فاطمة عوض صالح، 60 عامًا، هي أم لأسرة زراعية في ريف ديالى تعرضت مزرعتها وممتلكاتها للهجوم أثناء الحرب مع داعش، مما تسبب في إصابة اثنتين من بناتها بإعاقات دائمة بالإضافة إلى الفواتير المستمرة.
فاطمة عوض صالح مع ابنتها المصابة. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
بعد سنوات من العمل الجاد لاستعادة ممتلكاتهم وإعادة بناء حياتهم، بدأت أزمة المياه الآن في انتزاع حيواناتهم واحدة تلو الأخرى. "إذا استمر الوضع، فسوف نفقد كل الماشية،" تقول صالح: "هذا العام هو أسوأ ما شهدناه. هذا العام لا يوجد شيء بسبب نقص المياه. الآن لا يمكننا فعل أي شيء. لا يمكننا زراعة الخضار. لا يمكننا زراعة أي شيء."
فاطمة عوض صالح في الحظيرة التي تربي فيها مواشيها. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
العراق بلد زراعي، ويمثل هذا القطاع نسبة صغيرة ولكن حيوية من الاقتصاد العراقي والتي توظف ما يقرب من 20٪ من القوى العاملة في البلاد، وهي ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي بعد النفط. ولكن ندرة المياه تهدد ملايين المزارعين، ويمكن أن يكون هذا الوضع أيضًا سببًا جذريًا للهجرة والمزيد من الصراعات.
محمد عدنان، 49 عاماً، مزارع آخر في ديالى، نزح لمدة ثلاث سنوات خلال الصراع مع داعش، وهو يفكر في ترك أرضه مع عائلته مرة أخرى بسبب أزمة المياه. يقول: "هذا هو أصعب عام مررنا به على الإطلاق. بسبب نقص المياه، نحن مضطرون لشراء الماء للشرب، كما أننا لم نحصد أي شيء هذا الموسم. أنا أعيش على الزراعة، والآن أصبحت حالتنا أسوأ بكثير. كل شيء ميت الآن، والجو حار جدًا، لم يكن الوضع مثل هذا قبل بضع سنوات. لم تكن المياه مشكلة من قبل."
محمد عدنان في الحقل الذي كان يزرع فيه محاصيله، فشل الحصاد هذا الموسم. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
هذا العام، خفضت الحكومة العراقية مساحة محاصيلها الشتوية بنسبة 50٪ بسبب أزمة المياه - وهذا يعني عمليًا أن عددًا أقل من المزارعين سيحصلون على الدعم بالمدخلات الزراعية بما في ذلك البذور والأسمدة، كما أن الحكومة لن تقوم بشراء محاصيلهم، مما يعني أن العديد من المزارعين المتضررين من لن يتمكنوا من الاعتماد على الزراعة لكسب عيشهم في العام المقبل. في محافظة ديالى، لن تدعم الحكومة أي مزارع طيلة فصل الشتاء.
أدت أزمة المياه إلى استنفاذ إمدادات مياه الشرب لمحمد المياحي، كما أنها قتلت عشرين في المئة من قطيع الأغنام الذي يملكه، والتي هي مصدر دخله الرئيسي، وهو يفكر كذلك في ترك أرضه وحياته كمزارع للعثور على عمل آخر.
"فقدنا حوالي 20 من الأغنام. كانت الأشهر الخمسة الماضية صعبة للغاية حيث لم يكن هناك ماء على الإطلاق،" يقول المياحي: "مات الكثير من الأغنام ولا يوجد ماء للشرب، كما أن الماء له طعم مر. هذه ارض والدي وجدي، لكن الوضع الآن صعب للغاية لأنه لا يوجد ماء ولا يمكننا الاستمرار في الزراعة.لا يوجد شيء يمكننا القيام به، إذا استمرت الأمور على هذا النحو دون تغيير، فسيتعين علينا المغادرة."
محمد المياحي مع قطيع أغنامه. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
ناطق جاسم صبيّة، 60 عامًا، مزارع من ديالى، أراد أن ينقل تقاليد الزراعة التي ورثها من جده إلى ولديه، ولكن كان عليهم العثور على عمل كعمال لتغطية نفقاتهم مع استمرار الجفاف وقلة المياه: "كنا ننتج أنواع مختلفة من القمح والخضروات. لم نزرع أي شيء هذا العام لأنه لا توجد مياه. ورثت هذه الأرض من جدي. ولكن لم يعد هناك ماء للزراعة."
ناطق جاسم صبيّة في الحقل الذي اعتاد فيه زراعة القمح والمحاصيل الأساسية الأخرى. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
من المرجح أن يتأثر المزارعون في المناطق الريفية الفقيرة بشدة بنقص المياه الناجم عن انهيار المناخ والإدارة غير الفعالة للمياه، حيث تعتمد سبل عيشهم ومستقبلهم بالكامل على الوصول المستمر إلى المياه. وقال العديد من المزارعين، إنه إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فهم لا يريدون لأبنائهم العمل في الزراعة، بل تشجيعهم على العثور على فرص عمل أخرى أكثر استقراراً.
عامر مزهر علي، مزارع في قرية صغيرة في ديالى، العراق. جفت أرض عامر هذا العام وفشلت المحاصيل. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
في ظل قلة المياه، أفادت المراكز الصحية في محافظة ديالى بالعراق عن زيادة عدد المرضى الذين يعانون من أعراض الأمراض المنقولة بالمياه وسوء التغذية بمقدار عشرة أضعاف منذ بدء نقص المياه هذا العام. على الرغم من أن هناك زيادة مرتبطة بأشهر الصيف، إلا أن هذا العام كان مختلفًا تمامًا، وفقًا للموظفين بالمراكز الصحية.
طبيب يفحص مريضة في مركز صحي مجتمعي في ديالى شرقي العراق. الصورة: بابلو توسكو/ أوكسفام.
قال طبيب مركز صحي (طلب عدم ذكر اسمه) : "هذه الحالات تحدث كل عام لكن هذا العام كان مختلفًا تمامًا. نحن نستقبل 10 مرضى كل يوم يعانون من الإسهال وأعراض التيفوئيد وفقر الدم، مقارنة بواحد أو اثنين فقط في السنوات السابقة. المياه غير صالحة للشرب. في الظروف العادية ليست حتى آمنةً للحيوانات. الحالة الاقتصادية للناس أسوأ ولا يمكنهم شراء البروتينات مثل اللحوم والبيض لأكثر من شهر. تعتمد صحة الإنسان على التغذية الجيدة."