حريات

وسام بلقاسم وحديث عن رهاب المثلية، كرة القدم ورحلة تقبل الذات

أشعر أحياناً كأن بيتي الفعلي هو البحر الأبيض المتوسط بين البلدين: تونس وفرنسا
838_belkacem

وسام بلقاسم. تصوير: باسكال ايتو

وسام بلقاسم، ٣٣ عاماً، هو لاعب كرة قدم سابق فرنسي من أصول تونسية بدأ مسيرته مع نادي تولوز لكرة القدم، ثم التحق بصفوف المنتخب التونسي، قبل أن يعتزل نتيجة ما وصف بالجو "العنيف والرافض للمثلية." ينفي وسام فكرة أنه حرم من فرصة أن يكون "زيدان القادم" ولكنه يرى بأن الظروف المحيطة به منعته من أن  يحاول من أن يرفع من مستواه إلى أقصى درجة ممكنة، وبأن رهاب المثلية قد أنهى مسيرته قبل أن تبدأ فعليًا. 

إعلان

في كتابه " Adieu ma honte أو "وداعًا لعاري" يصف بلقاسم رحلته من عائلة عربية مُسلمة في حي شعبي إلى عالم كرة القدم ومحاولته التصالح مع مثليته بين عالمين متناقضين كلاهما يحمل عداءً للمثلية والهويات الجنسية. الكتاب اعتبره شبه سيرة ذاتية، حيث يتحدث بلقاسم عن حياته كمثلي ضمن عائلة عربية مسلمة، ومن ثم كمهاجر ولاعب في فرنسا، وفي نفس الوقت يوجد جوانب من النقد والنقاش حول وضعية مجتمع الميم عموماً وفي مجال الرياضة بشكل خاص، وقد شغل حيزًا هامًا من النقاش في الوسط الثقافي الفرنسي، أمام غياب تام لأي تغطية تذكر من المواقع العربية أو التونسية.

قرأت كتاب وسام ورأيت في قصته انعكاساً للعديد من الفئات المجتمعية من الأقليات الجنسية إلى المهاجرين الأوروبيين ذوي الأصول العربية وممارسي الرياضة، وأعجبتني الأبعاد الإجتماعية والفلسفية التي ترتبط مع رحلة البحث عن الذات. أجريت مقابلة مع وسام، الذي يقيم في باريس، عبر الإنترنت. أخبرني وسام  فيها عن الخلفية التي دفعته إلى نشر كتابه، ردود الفعل حوله ورؤيته لمجتمع الكوير في العالم العربي وكان لبقًا، لطيفًا وصبوراً على مشاكل الإنترنت التي كانت تعترضني طول الوقت، كما بادر أكثر من مرة بإدارة حلقة النقاش نحوي فقط سأل عن رأيي حول بعض النقاط، مما جعلني أشعر بأن المقابلة كانت ساحة حوار وليس ثنائية سؤال وجواب.

VICE عربية: بداية، كيف تعرف عن نفسك بعد دخولك عالم الكتابة؟
وسام بلقاسم:
أحاول تجنب الأوصاف عادة لأنها غير قادرة على التعبير عن الشخص بشكل كاف، كأن أقول بأنني لاعب كرة سابقًا أو كاتب حاليًا، لقد خضت الكثير من التجارب المختلفة وعملت في عدة مجالات. فمثلاً، أنا رائد أعمال وصاحب شركة منذ 2015 تدعى OnTrack Sport تساعد لاعبي كرة القدم على الاندماج في مجتمعهم وتوسيع آفاقهم بعد اعتزالهم، كما تم التعاقد على تحويل كتابي إلى فيلم سينمائي، وسأكون منتجًا فيه وهي تجربة جديدة أيضًا. أما عن الكتابة، فقد كنت دائما شغوفاً بها وقد مثلت قصتي الشخصية الفرصة المثالية لكي أحول الشغف لحقيقة.

إعلان

عدى عن شغف الكتابة، ما هو العامل الأساسي في قرار مشاركة قصتك ونشرها في كتاب؟
لقد إعتزلت كرة القدم بعمر الـ20 بسبب رهاب المثلية وعدم قدرتي على التصالح مع هويتي. جو الكراهية لا يزال سائدًا الآن، تمامًا كما كان قبل 15 سنة. تكاثفت الجهود في المجتمع لمحاربة رهاب المثلية في المجالات الأخرى كالفن والأكاديميا، وتقاطعت مع مواضيع هامة على غرار العنصرية والتمييز في المجتمع، ولكن هذا التقدم لم يلمس في مجال الرياضة. وحسب تجربتي، إن لم تتصدى لرهاب المثلية سنبقى ندور في دائرة مغلقة من الظلام والرفض. حتى اليوم، لا يوجد أي لاعب كرة محترف في ناد كبير أعلن عن مثليته- هناك لاعبات نساء أعلن عن مثليتهن، وهناك لاعبين أعلنوا عن ذلك بعد اعتزالهم. عمري الآن 33 سنة وقد ولّت أيامي في الرياضة، لكني أود أن أكون قادرًا على منح بصيص أمل لأي رياضي من مجتمع الميم بأن يكون على حقيقته كما هو.

كيف تفسر صمود مجال الرياضة وكرة القدم بالتحديد أمام موجات التغيير والانفتاح على عكس المجالات الأخرى؟
يبدو وكأن مجال كرة القدم لا يزال عالقًا في الزمن، وذلك بسبب إرتفاع نسبة الـ Toxic Masculinity أو الذكورية السامة. المعادلة سهلة لدى اللاعبين والمتفرجين، إذا كنت مثليًا فإنك أنثوي، وبالتالي ضعيف، الأغلبية لا تستطيع ربط الأنثوية بالقوة، كره النساء وعداء المثلية مرتبطان بشدة في عالم الرياضة، فكلما كنت شرسًا وأظهرت فحولتك تم تقبلك بشكل أكبر. هذه أفكار بدائية جداً، ولا أرى أن لها أي مكان لها في وقتنا الحالي، ولكنها لا تزال موجودة.

visuel_belgacem.png

تحدثت في كتابك عن جاستن فاشانو، لاعب كرة قدم إنجليزي أعلن عن مثليته في التسعينات وواجه عدة صعوبات وقام بإنهاء حياته على أثرها. وكما أشرت لشخصيات شجاعة جدًا قررت تحدي المجتمع على الرغم من كل شيء، كيف تقارن هذه النقلة؟
أؤمن تمامًا أن هناك أشخاص متقدمون على المجتمعات التي يعيشون فيها ويتم تقديرهم لاحقاً مثل روزا باركس ومحاربتها للعنصرية في الولايات المتحدة، ونيلسون مانديلا ومعاداته لسياسة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا. والأمر ينطبق على جاستن فاشانو، المجتمع لم يكن مستعدًا لشجاعته. ما أقوم به اليوم مهم، ولكنه ليس مهمًا بقدر أولئك الذين سبقونا ومهدوا الطريق لنا. مع إصدار كتابي كانت ردود الفعل إيجابية جدًا من الصحافة، المجال الوحيد الذي لم يدعمني هو كرة القدم. لكن جاستن فاشانو في التسعينات كان وحيدًا ولم يدعمه أي أحد، حتى أنه خسر عائلته وجميع الصفقات التي عقدها.

قمت مؤخرًا بعقد ورشات عمل ولقاءات مع لاعبي كرة صغار، وتحدثت معهم عن تجربتك وكتابك، برأيك، كيف تستطيع التواصل مع الأشخاص الذين يكنون لك عداءً، على الأقل شكليًا؟
عند التعامل مع الأشخاص الذين لديهم رهاب المثلية، دائماً ما تنتهي لقاءاتنا باكتشافهم البسيط، وهو أنني لا أختلف عنهم كثيراً فيما يتعلق بأي إهتمامات مشتركة فأنا أحب الملاكمة، وكرة القدم كما أنني شخص متدين. الإعلام لوقت طويل أظهر جانبا ضيقًا وأحاديًا من هذا مجتمع الميم. اليوم يجب فهم نطاق الوجود والتعريف الواسع للمثليين وإعادة تعريف الرجولة والأنوثة بمفاهيمها المحدودة والنمطية. يجب كسر حاجز الإغتراب الذي يشعر به العديد ممن لا يفهموننا أو لديهم أفكار نمطية جاهزة، وأرى أن عملية التواصل والمحاورة ومشاركة التجارب أول خطوة نحو تقبل النفس وتقبل الآخر.

لنعود إلى جذورك العربية. أنت فرنسي من أصول تونسية مما يعني أنك جزء من مجتمع مصغر يعاني من مشاكل محددة كالعنصرية وصعوبة الاندماج، كما أنك أيضا لاعب كرة قدم سابق. هويتك العربية ومهنتك لا يتقبلان التنوع المرتبط بالهوية الجنسية، فما بالك إذا كان الشخص مثليًا، عربيًا ولاعب كرة في بلد أجنبي؟ كيف إستطعت لم شمل كل هذه العناصر اليوم في تعريفك لنفسك.
لقد ولدت في فرنسا، ولكنني من أصول تونسية وأقول دائمًا بأن القارة الإفريقية جزء لا يتجزأ مني، ولكنني أؤمن أيضًا بمبادئ الجمهورية الفرنسية. ومع ذلك، يتم معاملتي في فرنسا والنظر إلي بإعتبار أنني عربي ومُسلم فقط، وأصبح فرنسيًا فقط عندما أذهب إلى تونس. أشعر أحياناً كأن بيتي الفعلي هو البحر الأبيض المتوسط بين البلدين. في الحقيقة، لا تهمني التسميات كثيراً، فأنا متصالح مع ذاتي ومع مهمتي لمساعدة الآخرين على تحرير أنفسهم. نفس الأمر ينطبق على الدين فأنا مُسلم، ولا بد أن أعترف أن طريق تقبل أنني مُسلم ومثلي عسيرًا جداً، فالعديد من الناس سيقولون لك بأن الهويتين لا تتماشان مع بعضهما البعض، ولكن من هم ليحددوا ذلك؟ في نهاية المطاف، الله هو من سيحكم عليّ ويحاسبني، ولا يجب أن يتدخل الآخرون في الجوانب المرتبطة بمن أحب أو بمن أؤمن. عندما يقرأ الناس كتابي، سيعرفون حجم المعاناة التي مررت بها. لقد جربت كل شيء ممكن من أجل تغيير هويتي الجنسية، ولكن كان ذلك مستحيلاً بالطبع، لقد ولدت هكذا أو born this way كما تقول ليدي غاغا. باختصار، أعلم تماماً حجم الظلم الذي نتعرض كمثليين من المجتمع العربي وكمهاجرين من المجتمع الفرنسي، الأمر صعب ومتعب، ولكني وجدت في الكتابة وسيلة للتعامل مع كل هذه التصنيفات وإيجاد أرضية مشتركة.

ما نطاق معرفتك بالمشاكل التي يتعرض لها مجتمع الميم في تونس والعالم العربي؟
أعاين وضعية مجتمع الميم في العالم العربي إجمالاً، وأنا على علم بحقيقة المثليين في المجتمع التونسي الذي يجرم المثلية بالسجن لحوالي ثلاث سنوات -حسب الفصل 230 من المجلة الجزائية، كما يتعرض المثليون الموقوفون إلى الفحص الشرجي المهين لإثبات التهمة عليهم وهو ما يعد خرقًا واضحًا لحقوق الإنسان. المثير للإهتمام أن تجريم المثلية الجنسية في تونس كان نصًا وضعته فرنسا أيام الإستعمار (المجلة الجزائية سنة 1913) ثم أبطلت العمل به، ولكن تركتها من رهاب المثلية أثر على طريقة تعامل وتفكير المجتمع التونسي فيما يتعلق بالهويات الجنسية. من المهم العودة إلى جذور القوانين، وفهم أن الإستعمار الأجنبي هو الذي حدد طريقة رؤيتنا للتنوع والاختلاف.

ماذا تقول لمجتمع الميم في العالم العربي؟
حبوا أنفسكم/ن وتقبلوا اختلافكم/ن رغم القمع والكراهية. لقد كرهت نفسي لمدة زمنية طويلة، على الرغم من أنني لم أتسبب بالأذى لأحد لأكره نفسي وأرفضها. الآن في كل فرصة أجدها أمامي أحاول دعم من يعاني من التمييز سواء بسبب الهوية الجنسية أو الدين أو العرق والوقوف معهم وإيصال صوتهم الذي هو صوتي كذلك. علينا الإتحاد مع بعضنا البعض لنشر قيم التسامح والحب ولتحرير الأجيال القادمة.