تمرّ منطقة السويداء، بحدادٍ صامت، فملامح الفرح غائبة عن المدينة، كحفلات الزفاف التي تم إلغاؤها وعيد الأضحى الذي سيمضي دون احتفال، حيث قامت طائفة عقل الموحدين الدروز (مشايخ العقل) بإصدار بيان أعلنت فيه تحريم الاحتفال بالعيد والاقتصار على الطقوس الدينية دون مظاهر الاحتفال والبهجة كإطلاق الألعاب النارية وإطلاق النار في الشوارع، تضامناً مع أهالي المخطوفين وحداداً على أرواح الشهداء. كما تغيب مظاهر العيد أيضاً في بعض مناطق لبنان وبالأخص المناطق ذات أغلبية درزية حيث أفادتنا ناديا من قضاء عاليه في جبل لبنان أن أهالي عاليه أيضاً سيمتنعون عن الاحتفال في عيد الأضحى وإطلاق الألعاب النارية وإعداد مأكولات العيد تضامناً مع شهداء ومخطوفي السويداء. الوضع هادئ حالياً في السويداء، ولكن ما الذي حدث يوم الأربعاء "الأسود؟" كما اطلق عليه؟
إعلان
تقع مدينة السويداء في الجنوب السوري ويتّبع سكانها المذهب الدرزي بالإضافة إلى أقليات من طوائف وأديان أخرى. واتّخذت مدينة السويداء موقفاً ثابتاً طوال الأزمة السورية دون تدخل مباشر فكان هذا الهجوم أول حدث إرهابي فعليّ يطراً على السويداء وأقساه أيضاً. صباح يوم الأربعاء (25-7-2018) استيقظ أهالي السويداء على هجوم إرهابي مفاجئ ومنسق تمثل في ثلاثة تفجيراتٍ انتحارية في وسط المدينة بالتزامن مع إقتحام القرى الواقعة في ريف السويداء الشرقي والشمالي الشرقي مثل قرية رامي وشبكي وطربا. وقع أول تفجير منهم في سوق الخضار في مركز المدينة في الساعة الخامسة صباحاً، وتلاه التفجير الثاني بعد عشر دقائق في دوار المشنقة ومن ثم الثالث في دوار النجمة. وتم تجنب تفجير رابع كان ليقع في المشفى الوطني. بالرغم من صدّ الهجوم ومقاومته في غضون ساعات إلا أنه أودى بحياة حوالي 250 شهيد وأكثر من 200 جريح بالإضافة إلى ما يقارب 30 مخطوفٍ من نساء وأطفال، وقد قامت داعش بنشر صور للمخطوفات مع لائحة شروط للإعفاء عنهم، وحتى يومنا هذا ما زال مصير المخطوفين بين مفاوضات ومباحثاتٍ مجهولاً. ويجدر بالذكر أيضاً أن هذا الهجوم الوحشي قد خلف أكبر حصيلة من الشهداء المدنيين في يومٍ واحد في السويداء منذ بدء الأزمة السورية. أما مصير الإرهابيين كان قتل العشرات منهم، فمنهم من شُنِق أمام المشفى الوطني ومنهم من شُنِق في "المشنقة" التي تعتبر رمز من رموز السويداء وإحدى أهم آثارها الرومانية ومعالمها السياحية. يتذكر بعض أهالي السويداء ما حصل في ذلك اليوم.
صور للمخطوفات نشرها "داعش"
تسلل إرهابي مع سيارة إسعاف متنقلة إلى داخل المشفى
تخبرنا هديل، 26 عاماً، ممرضة في المشفى الوطني عما حصل في ذاك النهار: "ليلة الرابع والعشرين من آب، كنت أقوم بمناوبتي الليلية وكان الوضع هادئ وآمن. أما صباح يوم الخامس والعشرين، توالت التفجيرات الثلاثة ثم إطلاق نار وأصوات صريخ وبكاء. أسرعت إلى غرفة الإسعاف وفوجئنا بمنظر المصابين بسبب التفجيرات ومصابين من قرية دوما التي تسللت داعش إليها أيضاً، ومن ثم وصلتنا إصابات من قريتي شبكي وشريحي وكانت إصاباتهم أسوأ. وبعد اكتظاظ المشفى بمدنيين ومصابين ومسعفين، تسلل إرهابي مع سيارة إسعاف متنقلة إلى داخل المشفى. أسرعت إحدى الممرضات إلى إسعافه ظناً منها أنه أحد المصابين حيث كان فاقداً أصابع يديه، وسرعان ما لاحظ ممرض آخر الأسلاك الممتدة من أكمام الإرهابي وقاموا بتثبيته وإخلاء قسم الإسعاف إلى أن حضر الأمن وقام باحتجازه وتفكيك الحزام الناسف. من بعدها تم التحقيق معه وإعادته إلى ساحة المشفى حيث قاموا الأهالي بشنقه علناً أمام المشفى الوطني. ولو قام بالتفجير لكنا خسرنا مئات الشهداء بسبب الأعداد الكبيرة التي كانت في المشفى."
إعلان
تعلمت أن أقدّر الشعور بالآمان
"أصابتني حالة اكتئاب، شعرت كما لو أن كل شيء تغير في لحظة" تخبرنا سارة من مدينة السويداء، 21 عاماً، "كما لو أن كل شيء قد توقّف، التجارة مثلاً والدراسة وتماريني الرياضية. لم أشعر برغبة في القيام بأي شيء، وتشعر كما لو أن حياتك برمتها مرهونة بشيء آخر وأنك تنتظر حدوث شيء ما أو سماع صوت انفجار أو قنبلة. أصابني أرق في الأسبوع الأول وكنت أفزع من أي حركة أو أي صوت يخلّ بصمت الليل وأمضي وقتي في قراءة التعليقات على الإنترنت وأصدقها من شدة الهلع والخوف وإن كانت إشاعات كاذبة. تفشى شعور الخوف والترقب في الناس جميعها، وأصبح اهتمامهم الوحيد تحضير أنفسهم فباستعمال كل وسائل الدفاع الممكنة؛ بعض العائلات التي لا تملك أسلحة قامت بتحضير طنجرة زيت ساخنة في حال اقتحام منزلهم من قبل الإرهابيين وأيضاً وتم تنظيم دورات خاصة لتدريب الفتيات على استعمال الأسلحة. وتعلمت أن أقدّر الشعور بالآمان الذي حظينا به في مدينتي، فالآن حين تتجول في شوارع السويداء يمكنك الشعور بخوف الناس ونظراتهم الشكوكية بين بعضهم، فبالنسبة لهم وبسبب شعورهم الدائم بالخوف والتهوّب من المحتمل أن يكون أي شخص إرهابياً. وأعتقد أن ذلك كان الهدف من هجوم داعش، توليد الخوف والرعب بين أهالي السويداء ومحاولة تفريقنا وتخريب وحدتنا."الأهالي يقومون بدوريات مراقبة وحراسة خوفاً على أهلهم
من بعد الهجوم، قامت مجموعات من شباب وأهالي السويداء بدوريات مراقبة على دوام الساعة وكلٌّ في حارته. يخبرنا بشار، 21 عاماً، أن أهالي حارته يقومون بدوريات مراقبة وحراسة خوفاً على أهلهم وحارتهم منذ يوم الهجوم وحتى الآن، كل ليلة من الثامنة مساءً وحتى السادسة صباحاً، حاملين ما لديهم من أسلحة خفيفة تكفي للدفاع في حال هجوم مباغت، متيقظين على الدوام في حال اشتباههم لأي حركة مريبة والتصدي لها.
فرن محلي قام بتعليق هذه الصورة على مبنى محله للشهداء
استيقظ السكّان من نومهم ليشاركوا في التصدي للهجوم
أما بالنسبة لقرى السويداء، فحظيت بالنصيب الأكبر من الشهداء، وتتحدث هديل، 21 عاماً، من قرية طربا الواقعة في ريف السويداء الشرقي عن ما حصل في صباح ذاك اليوم: "حاول الإرهابيون التسلل مشياً على الأقدام إلى طربا الساعة الرابعة صباحاً في ظلام الليل، لكن حاجزاً مدنياً في تل بصير تصدى لهم مما أدى إلى اشتباك وإطلاق ناري بين الطرفين أيقظ سكّان قرية طربا من نومهم ليشاركوا في التصدي للهجوم بما لديهم من أسلحة وأنجم هذا الاشتباك عن 6 شهداء من قرية طربا إلى أن تدخل الطيران السوري في الساعة السابعة صباحاً". يوم الأحد (19-8-2018)، فقدت قرية طربا 5 شهداء أُثناء تمشيطهم للمنطقة واصطدامهم بعبوة من مخلفات داعش. ترتّب أيضاً على أحداث السويداء عدة وقفات تضامنية حيث قامت مجموعة من نساء بلدة بعقلين اللبنانية مؤخراً بوقفة استنكار لمجزرة السويداء وطالبوا بإطلاق سراح المخطوفين، وأيضاً أعلنوا عن تقديم مساعدة مالية من قبل بيت بعقلين لأهالي المخطوفين في السويداء. وقامت منظمة "بيتي أنا بيتك" بتنظيم اعتصام صامت في مدينة شهبا في السويداء تذكيراً بقضية المخطوفين، مطالبين بإطلاق سراحهم.قد يكون هدوء التي تشهده السويداء اليوم في عيد الأضحي الهدوء ما قبل العاصفة فالمنطقة الآن على "كف عفريت" وما زالت قضية المخطوفين غير محلولة. والجملة الأكثر تدوالاً على ألسنة أهالي السويداء هي "الله يمضي هالعيد على خير!"