FYI.

This story is over 5 years old.

ترفيه

فيلم تالولا: الأمومة بين الفخ والجريمة

وحدها الأم هي التي تعرف كيف تُدبّر أمورها. كيف تبني عائلة، وكيف تُدّمرها
الممثلة ايلين بايج في تالولا. المصدر: مهرجان ساندانس السينائي

"تالولا،" أحد أفلام الدراما المستقلة يحكي قصة ثلاث نساء مع الأمومة بمنظور مختلف. بطلته والتي سُمي الاسم على اسمها، أو كما تُحب أن تُنادى "لو" هي شابة عشرينية بلا مأوى، تعيش حياة عشوائية بمقاييسنا، لكنها ممن يُطلق عليها روح حرة تجوب المدن الأمريكية في شاحنة مُتهالكة تتخذها منزلًا ووسيلة للترحال. تعيش "لو" على فضلات الطعام، وسرقة البطائق الائتمانية مع حبيبها "نيكو" والذي يخبرها في المشهد الأول برغبته في الاستقرار وتكوين عائلة لأن حياتهما لم تعُد تُناسبه، ويكون ردها أنها سعيدة بحياتها ولا ترغب في الزواج أو الإنجاب. تبدأ قصة "لو" برحيل حبيبها فجأة في الصباح. يجن جنونها وتتبّع أثره إلى حيث اعتقدت أنها وجهته التالية، منزل والدته مارغريت. تعيش مارغريت حياتها وحيدة ككاتبة ومُفكرة، بعد أن رحل زوجها ستيفن، وبعده ابنها نيكو، ولكنها لا تزال محتفظة بسكن الزوجية بعد الانفصال، وتعيش بين أطلال لوحات ستيفن والحياة التي اختارها هو منذ زواجهما. تذهب "تالولا" إلى منزل مارغريت وتسألها عن نيكو، لكن تنتهي الزيارة قبل أن تبدأ، عندما اكتفت بإخبار تالولا أن نيكو لم يزورها منذ عامين، وتغلق الباب في وجهها.

إعلان

تذهب لو إلى أحد الفنادق الفارهة، باحثة عن بواقي الطعام أمام الغرف في انتظار خدمة الغرف للتخلص منه. لكن فجأة، تفتح كارولين باب غرفتها في الفندق، وتظن أن "لو" من خدمة الغرف، وتطلب منها الدخول. في الواجهة الأخرى من الكاميرا تظهر الطفلة ماديسون، ابنة كارولين ذات العام الواحد التي تتجول في الغرفة وتُزيدها فوضوية وهي عارية، دون حفاضة. تطلب كارولين من "تالولا" الاعتناء بطفلتها حتى تعود، وتُخبرها بأنها في نيويورك دون علم زوجها، لمقابلة رجل آخر. تبدو "لو" متوترة، وتستغرب تصرفات واعترافات كارولين، لكنها تبقى مع الطفلة ماديسون حتى تعود أمها. تنشأ علاقة متوترة بين "تالولا" وماديسون، تبدأ بالشفقة وتنتهي بالتورُّط العاطفي، حين تُغادر "تالولا" وتصطحب الطفلة لتحقيق مهمة ما. تهرول "تالولا" إلى منزل مارغريت مرة أخرى، ولكنها تدّعي أنها أنجبتها من نيكو، فتسمح لها مارغريت بالدخول. تُضفي "تالولا" روحًا مُفعمة بالحيوية على حياة مارغريت، حيث تطلق مارغريت العنان لنفسها لأول مرة، في وجود "لو" والطفلة ماديسون التي تعتقد أنها حفيدتها. لكن لا تستمر القصة طويلًا، حيث تقابلهما كارولين صدفة في الشارع، ويتم التوصّل إلى مكانهما، وتُعتقل "تالولا."

الأمومة بين الحالة والفعل
يُعد "تالولا" واحد من الأفلام القليلة التي تنظر للأمومة بعين نسوية. فيعرض قصص ثلاث نساء: تالولا، كارولين، ومارغريت مع الأمومة خارج الصندوق نسبيًا. كارولين تبدو أم مهملة، لأنها تركت طفلتها مع شابة غريبة. لكنها بين الحين والحين تخبرنا كم هو صعب أن تصبحي أمًا. لا يتوقف الأمر حد الرضاعة وزيادة الوزن، ولكنه في الاعتناء اليومي بالطفلة، وما يتطلبه ذلك من تركيز وانتباه، وتوظيف كامل للجسد والمشاعر. مثّلت كارولين الجزء الأصعب من الأمومة، وهو الحالة.

إعلان

كارولين أم بيولوجية، أنجبت ماديسون، لكن لا تشعر تجاهها بأي مشاعر، حتى أنها تعترف في مشهدها قبل الأخير، أنها تمنت اختفاء الطفلة أو موتها كثيرًا، لأنها ببساطة لا تشعر بالأمومة. كارولين هي نموذج لنساء كثيرات، تَشبعن بأوهام السعادة بعد الزواج والإنجاب، لكنها تجد نفسها وحيدة ومهملة من زوجها الذي رمى بعبء رعاية ماديسون عليها، واكتفى بدور رجل الأعمال المشغول، الذي لا يحرم زوجته من أي رفاهية. كارولين تعيش حالة الأمومة، والزوجة المُدللة، والمُلامة أيضًا على أي شيء، لأنها لا تقوم بفعل الأمومة، أي الرعاية. ولكنها فريسة للصورة الذهنية عن الأم المتورطة عاطفيًا. فأنتج انفصالها عاطفيًا عن ابنتها، نوعًا من السخط على الذات، والشعور بالتقصير والإهمال.

على جانب آخر، تبدو "تالولا" نقيضًا غير حاد لـكارولين. فهي لم تُنجب الطفلة، لكنها ترعاها، وتتورط عاطفيًا معها، حتى أنها لم تنجو من الاعتقال، لأنها أصرت ألا تُغادر وتترك الطفلة في المستشفى. "تالولا" هي المثال الحي أن الأمومة، بوصفها فعل رعائي، هي حالة غير مرتبطة بالإنجاب، ويُمكن لأي شخص القيام بها، بما في ذلك الرجال. لنخرج جميعًا من أسطورة أن الأم هي التي تقوم بالإنجاب، وأن النساء يعرفن "بالفطرة" كيف يقُمن برعاية أطفالهن. «"تالولا"مثل "كارولين" كلتيهما لم تعرف كيف ترعى الطفلة، كيف تكون أمًا، ولكنها الصدفة هي التي لعبت دورها. فتنمو مشاعر عاطفية من "تالولا" بينما تنفصل كارولين عاطفيًا عن الطفلة.

لن تحكي لنا "لو" أبدًا عن كيف انتهي بها الحال في شاحنتها، لكنه حدث واحد فقط الذي تستدعيه من الماضي. تروي كيف تركتها أمها في الشارع، وتخبرها أنها لن تتأخر، حين يظهر أبوها ويأخذها لتعيش معه. ربما السبب في ذلك هو أن المخرجة تريدنا أن نربط بين قصة "لو" مع أمها، وقصة الطفلة ماديسون، من خلال فعل "الانفصال". هل تنفصل النساء عن أطفالهن دون وصم أو لوم – سؤالًا تطرحه المخرجة ضمنيًا على المشاهدين. ماذا لو لم تقدر إحداهن يومًا على الأمومة؟ هل بإمكانها حينئذٍ الرحيل؟

إعلان

فالعائلة هنا هي مجموعة أشخاص بغض النظر عن جنسهم، يقيمون في مكان واحد، ويتشاركون اتخاذ القرار. هذه العوامل التي لم تتوفر في زواج كارولين أو مارغريت، لكنها تحققت بين تالولا ومارغريت، دون زواج

تُجيب مارغريت على تلك الأسئلة بسلاسة. فهي نموذج للأم المُضحية والتي أفنت نفسها للحفاظ على كيان عائلتها. مارغريت التي تكتب عن وحدة العائلة وضرورتها، تواجه واقعًا قاسِ. حين تركها زوجها ستيفن منذ سنوات ليرتبط بصديقه. ويتبعه ابنها نيكو الذي رحل مع "تالولا". كلاهما ترك مارغريت وحيدة، متمسكة بآخر ما يربطها بحياتها العائلية، وهو المنزل. عندما سألت مارغريت عن خطط "تالولا" المستقبلية، أجابتها "تالولا" بنفس السؤال، لنعرف أن حلم مارغريت كان الأمومة، وأنها فشلت رغم محاولاتها في الاستمرار. مثّل المنزل هنا الحياة التي ودت أن تحياها مارغريت. حياة جامدة، بلا روح. فقد عاشت بين لوحات أثرية وأجهزة منزلية لا تستخدمها، فقط لأنها ظنت أنها ركن الحياة المثالية التي تسعى إليها. ما ينقلب في مشهد طفولي، تُعيد فيه "تالولا" تلوين اللوحات، وتستشيط مارغريت غضبًا؛ لشعورها بانتهاك "لو" لمقتنياتها ومساحتها الخاصة. وفي لحظة تنقلب الألوان على إحدى اللوحات، فتبكي مارغريت، ثم تبدأ محبطة بالبصم مرارًا على اللوحة، بيديها الملطخة بالألوان، وكأنها تُعبّر عن وجودها، في مساحة لم تكن أبدًا ملكها. وتخترق كلمات "لو" بكاء مارغريت وضرباتها العشوائية على اللوحة، لتُعلن أن هذه اللوحة أصبحت الآن ملك مارغريت.

إعادة انتاج العائلة
رغم التوتُّر، تتطور علاقة "تالولا" و مارغريت، من خلال اعتنائهما المشترك بالطفلة ماديسون. فتوزيع المسئوليات بينهما يبني بديلًا لمفهوم العائلة الذي نعرفه: (رجل+امرأة+أطفال). فالعائلة هنا هي مجموعة أشخاص بغض النظر عن جنسهم، يقيمون في مكان واحد، ويتشاركون اتخاذ القرار. هذه العوامل التي لم تتوفر في زواج كارولين أو مارغريت، لكنها تحققت بين تالولا ومارغريت، دون زواج، ودون علاقة جنسية تربطهما. وعلى صعيد التعددية، تأتي قصة ستيفن زوج مارجريت واكتشافه لميوله المثلية، ثم إقامته مع صديقه، أيضًا إعادة إنتاج للعائلة المُغايرة.

الرجال يُصلحون ما تُفسده النساء
في ثنائية بين العقل والعاطفة. تأتي أدوار الثلاثة رجال: فورد، ستيفن، نيكو، لتُعطي انعكاسًا واقعيًا لمواقع الرجال والنساء في الفيلم. فورد يُمثل الرجل المُهيمن على زوجته بأمواله. يُغدقها بالرفاهية، مقابل اختفاؤه الكامل من حياتها الاجتماعية والجنسية. يلعب فورد دور المُتحكم عن بُعد. ويُعاقب كارولين على إهمالها، بالتوبيخ واللوم، وبذلك، يلعب دور المُعاقِب القريب. أما ستيفن، فيقوم بالإبلاغ عن "تالولا" فورًا، ليُنقذ الطفلة ماديسون، دون اهتمام لأمر مارغريت التي قد تواجه تهمة اختطاف الطفلة. فيما يطلب نيكو من "تالولا" الهروب خارج المدينة قبل اعتقالها. ويلومها على رجوعها، ولا يُدرك فشلها في الهروب لأنها تورطت عاطفيًا مع الطفلة. جميعهم لم يُدركوا البُعد الإنساني لأي قصة من قصص الثلاث نساء. فاللوم والتوبيخ وإعادة الأمور لمسارها الصحيح، كانت أولويات، لم يتم تنحيتها لصالح المشاعر التي شعرنّ بها في مواقفهن المختلفة.

رسالة نحو الانطلاق
الفيلم في مُجمله إنساني. يغوص بنا إلى أعماق الأنماط الاجتماعية التي آلفناها، حتى أننا نخاف من إطلاق العنان لأنفسنا بسببها. "تالولا" تنطلق لتعيش الحياة التي تُريدها لنفسها، ضاربة بكل الوصم للأشخاص المُقيمين بالشارع عرض الحائط. وتتغيّر حياة مارغريت للأفضل، عندما تبدأ في التعبير عمّا بداخلها، وتترك الماضي ورائها، لتعيش حاضرها وتتعاطى معه. وتظل كارولين حبيسة مشاعر أمومة، لم تختبرها أبدًا. لتقول لنا ببساطة، أن الأمور ليست دائمًا كما تبدو. ولا نملك جميعنا قوة الانطلاق نحو المستقبل، دون أن نحسم أمر الحاضر.

تالولا (2016) كتبه وإخراجه سيان هيدر وهو من بطولة ايلين بايج، أليسون جاني، وتامي بلانشارد. وتم عرض الفيلم في مهرجان ساندانس السينمائي.