FYI.

This story is over 5 years old.

علوم

مشروع تونسي لإنتاج البروتين من الذباب

تقول الإحصائيات أنه بحلول العام 2050 سيصل عدد سكان العالم إلى 9 مليار نسمة يتطلب إطعامهم رفع الإنتاج الغذائي الحالي بنسبة أكثر من 70%
سيرين شعلالة ومحمد قصدلي

كيف سيكون شعورك وذبابة تحوم حول رأسك؟ أكيد ستكون الإجابة "شعور بالقرف" هذه الحشرة التي لطالما نظرنا إليها في ثقافتنا على أنها مقرفة، بل إن هناك من تساءل عن فائدتها في نظام الطبيعة. لكن اليوم ومن خلال هذا المقال سنكتشف عن إحدى فوائد الذباب، وهي إنتاج البروتين.

تقول الإحصائيات أنه بحلول العام 2050 سيصبح عدد سكان العالم ما يقارب 9 مليار نسمة، رقم سيطرح مشكلات كثيرة تتعلق بالأمن الغذائي العالمي، إضافة إلى ما يعانيه العالم اليوم من مجاعات، إذ يتطلب إطعام 9 مليارات نسمة رفع الإنتاج الغذائي الحالي إلى أكثر من 70%. هذه الأرقام تأخذنا إلى تساؤلات أخرى حول كيفية تطوير الإنتاج الغذائي باستخدام نفس الأساليب والاعتماد على نفس المصادر، لتصبح الإشكالية: "كيف يمكن تطوير أساليب الإنتاج من خلال الاعتماد على آليات أخرى دون المساس بالناحية الصحية للغذاء؟ إشكالية صعبة جدًا في عالم سيجد نفسه مضطرًا لتحقيق الكفاية دون أي اعتبارات أخرى، ولو كانت الناحية الصحية، لكن سيرين شعلالة، ومحمد قصدلي، تمكنا من حل هذه المعادلة الصعبة من خلال مشروعها الفريد من نوعه و هو "ناكست بروتين" الذي تأسس سنة 2014 والذي يهدف إلى إنتاج البروتين من خلال نوع من الذباب يطلق عليه "ذباب الجندي الأسود".

إعلان

البداية
في سنة 2013 انتقلت سيرين شعلالة إلى مدغشقر في إطار عملها بمنظمة الأغذية و الزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، في إطار برنامج لمكافحة الجراد هناك. أعلنت المنظمة حالة الطوارئ في مدغشقر، إثر هجوم أسراب الجراد الضخمة على البلاد، إذ وصفت الأوضاع بالأسوأ منذ آخر هجوم للجراد وقع في الخمسينيات، وتسبب بتوقف الزراعة في البلاد، كما قضي على المحاصيل والنباتات البرية التي تستخدم لإطعام الحيوانات. كانت الأوضاع في مدغشقر كارثية، لكنها دفعت سيرين إلى التساؤل "لماذا لا يتم استعمال هذه الكميات الهائلة من الجراد لاطعام الحيوانات؟.

محمد قصدلي (زوج سيرين) كان برفقتها في ذلك الوقت، درس في تونس حتى سنة 2000 وسافر إلى فرنسا لاستكمال دراسته، إلى أن تخرج بعد ذلك ليصبح مهندسًا في تخصص الكيمياء، وبعد عودتهما من مدغشقر سارع محمد وسيرين إلى بلورة الفكرة ثم وقع الاختيار على تونس لإنشاء شركة صغيرة، "أقل كلفة بسبب التشجيعات التي ترصدها الدولة لباعثي المشاريع إضافة إلى أنني امتلك قطعة أرض صغيرة في معتمدية بني خيار من محافظة نابل"، يعلق محمد على سبب اختيار تونس لتحتضن المشروع.

لاحقًا أنشأ الزوجان شركة صغيرة في فرنسا تعني بالبحوث والتطوير، ثم بدأ الزوجان مرحلة الإنتاج حتى وصل المشروع إلى ما يعادل 500 ألف ذبابة يوميًا، كل ذبابة تبيض ما بين 500 و1000 يرقة وهو ما يجعل العدد يصل إلى أكثر من 500 مليون ذبابة، كل هذا العدد الضخم يتم إنتاجه في أقل من 300 متر مربع.

الحشرات حل مهم لمشكلة الانفجار السكاني
يرى خبراء في مجال الأغذية و الزراعة أن الاهتمام بالحشرات في كل ما يتعلق بالاعلاف والسماد أصبح يتزايد شيئًا فشيئًا لعدة أسباب أهمها غلاء هذه الاخيرة بطريقة غير مسبوقة بسبب المشاكل التي نتجت عن الاحتباس الحراري، وأهمها شح الأمطار.و في سنة 2013 أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة تقريرًا بعنوان "دور الحشرات في الأمن الغذائي من خلال الإعاشة والبيئة "أكدت فيه أن أكثر من 2 مليار شخص يستهلكون الحشرات بصفة غير مباشرة أو تعتبر الحشرات مكملاً لغذائهم". واعتبر التقرير أن الحشرات هي الحل للانفجار السكاني الذي يشهده العالم وأن واحد من بين بعض الحلول التي يمكن بها مجابهة مشاكل الأمن الغذائي للإنسان والحيوان هو تربية الحشرات لأنه يمكن إيجادها في كل مكان إضافة إلى أنها تتكاثر بسرعة، كما أنه يوجد أكثر من 1900 نوع من الحشرات يتم استهلاكها في العالم من بينها الخنافس، النحل، النمل، الجراد، اليعسوب والذباب وغيرها.

إعلان

حسب الجمعية الدولية لتغذية الحيوان وصل إنتاج الأعلاف في سنة 2010 إلى أكثر من 720 مليون طن، وتعتبر الحشرات من أهم المكملات الغذائية للحيوانات، وتتكون الأعلاف في نسبة كبيرة منها من نوع معين من الذباب يسمى الذباب الجندي.

تأسيس المشروع وبداية تحقيق الحلم
خلال زيارته الأخيرة إلى تونس لم يفوت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الفرصة من أجل زياردة مقر مشروع ناكست بروتيين، كان لهذه الزيارة أثر كبير في نفس محمد وسيرين. كما تم استدعاؤهم بإسم المشروع في الكثير من الندوات والمجالس العالمية الخاصة بالغذاء، وحماية الأرض، واستخدام الحشرات في المستقبل.

يقول محمد "فكرنا في استخدام الجراد في بادئ الأمر لإنتاج البروتين لكننا استبعدناه بعد ذلك بسبب حجمه وطول دورة حياته التي تصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة أشهر، بعد ذلك وقع اختيارنا على الذباب الجندي أحد أهم أنواع الذباب والتي لا تشكل أي ضرر للإنسان إضافة إلى أن دورته الحياتية تدوم ما بين أسبوعان وثلاثة أسابيع، هذا بالإضافة إلى أنه يمتلك خاصية مهمة وهو أنه يكتفي بالشرب ولا يأكل".

فريق العمل

ويعتبر الذباب الجندي أحد أهم أنواع الحشرات المستهلكة للمواد العضوية، يعيش في الأرض منذ أكثر من 250 مليون سنة، لا يلدغ ولا ينقل أية أمراض. تعيش ذكور الذباب الجندي فقط لأيام قليلة تتزاوج فيها فيما تبيض أنثى الذباب الجندي ما معدله 800 بيضة في كل عملية تزاوج. كما أنه يحتاج فقط للماء ولا يحتاج للأكل لأنه يعود إلى اجترار احتياطيات الدهون المخزنة خلال مرحلة اليرقات. يرقات الذباب الجندي قادرة على استهلاك أكثر من 70 بالمائة من الفضلات وامتصاص روائح الفضلات العضوية ما يجعلها صديقة للبيئة وتمر بـ 6 مراحل وتحتاج ما بين 14 و22 يوم لاستكمال جميع هذه المراحل.

تعيش اليرقات لمدة 3 أسابيع على الأكثر ثم تموت. بعد الغربلة، تنتج خليطًا من روث اليرقات والمواد العضوية يسمى NextGrow وهو سماد يستخدم في الزراعة يصل ثمنه 100 يورو للكيلوجرام الواحد، بعد عملية الغربلة يقع استخراج ما يسمى NextOil وهو منتج دهون للاستخدام كعنصر تغذية لتربية الأحياء المائية والأعلاف الحيوانية الأخرى، وفي النهاية وبعد عملية التجفيف نحصل على مادة ثالثة مهمة أيضًا وهي NextProtein وهو مسحوق بروتين جاف يستخدم كعنصر تغذية لتربية الأحياء المائية ويدخل في صناعة أغذية الحيوانات الأليفة والأعلاف الحيوانية الأخرى، ويصل ثمن الطن الواحد منها 1000 يورو.

يخطط الزوجان إلى الوصول بالطاقة الإنتاجية للمشروع إلى ما بين 1000 و5000 طن سنويا، ليبدأوا التسويق عندها على نطاق واسع، مع تصور لخطة تطوير لمقر المشروع والبالغ مساحتها 300 متر تُنتج 30 كيلوجرام يوميًا، لتصل إلى 2500 متر مربع وهو ما يمكنهم من بلوغ معدل إنتاج يصل إلى 1 طن سنويًا".