مرأة

عن أصدقاء لا نعرف أنهم معتدون جنسيًا

ما هي احتمالية وجود رجل منتهك في دوائرنا المقربة كنساء؟ الإجابة: مائة بالمائة. ما هي احتمالية "عدم وجود" رجل منتهك في نفس المساحة؟ الإجابة: صفر
sex

Matthew Henry/Unsplash

زارتني إحدى صديقاتي وهي نسوية من بلد مجاور الشهر الماضي. قدّمت لي صديقها المصري. بدا لي شاب لطيف: يحترم مساحاتنا في الحديث، لا ينقض عليه، ولا يمحوره حول نفسه. يحترم وشوشاتنا، ولا يتنصّت عليها. رجل يحترم المساحات. الله!

عرضتُ على صديقتي الغداء في منزلي، ومن باب الذوق عرضت عليه أيضًا. جلسة لطيفة تناولنا فيها مواضيع كثيرة، سياسية واجتماعية وتبادلنا النِكات والضحك. كل شيءٍ كان لطيفاً حتى الآن. ولكن تغير كل ذلك في اللحظة التي التي كنت أتصفح فيها فيسبوك بعد استيقاظي، لأتفاجأ بصورته على بوست لصديقة أمريكية تقيم في مصر. انقبض قلبي عندما قرأت تفاصيل ترويها الصديقة الأمريكية، وتقول أن فلان قبّلها عنوّة. تقول أنه لم يحترم رفضها. تقول أنه ذهب ورائها إلى غرفة نومها بعدما طلبت منه مغادرة منزلها، مُحاولًا تقبيلها مرة أخرى. تقول أنه شدّها من ملابسها بالقوة. ما هذا؟ ما هذا والله العظيم؟

إعلان

بجانب شعوري بالغضب لما اختبرته صديقتي الأمريكية، كنت غاضبة أيضاً من نفسي، لأنني حكمت عليه أنه لطيف ويحترم مساحات الآخرين. وأنني دعوته إلى منزلي وأنا التي أعتبر بيتي ملجأي الوحيد من أي انتهاك. وتأكدت حينها أن دائرة أماني التي أقلصّها دائمًا، مُخترقَة.

في وقت تعتبر فيه النسوية ملاذاً لعدد كبير من نساء يستخدمن نظرياتها لفهم أوضاعهن، تعتبر مصادقة النسويات بمثابة حصول على قبول اجتماعي

طال الغضب ثلاثتنا، الصديقة التي اختبرت الواقعة، والصديقة التي عرفتني عليه، وأنا التي استقبلته في منزلي. اعتذرت الصديقة الأمريكية أنها حملت خبرًا سيئًا كهذا. واعتذرت الصديقة العربية لأنها وثقت فيه. واعتذرت أنا لأنني كنت وسيطة بينهما: "يا فلانة أنا آسفة لقولي هذا، صديقك فلان اعتدى جنسيًا على صديقتي فلانة."

اعتذرنا؛ لأننا نعرف معنى اختراق مساحة شخصية، لأننا نعرف كيف تستقبل إحدانا خبر كهذا، لتُعيد على نفسها أسئلة عن نسويتها، عن الرجال في محيطها، وعن لومها لنفسها لأنها لم تكن حريصة. اعتذرنا وكأنه خطأنا أننا لم نلتمس الحذر لعزل رجال مُنتهكين عن مساحاتنا الشخصية. أي حذر يجب أن نمارسه عندما نتعامل مع الرجال؟ أي وسيلة تُجدي في أن تكون علاقاتنا الاجتماعية مع الرجال من حولنا أقل توترًا؟ أي ذهنٍ يستطيع التعاطي مع هذا الكم من الخطر الدائم من العنف الجنسي؟

نحن كنساء، نعتمد على علاقاتنا الاجتماعية في تشكيل دوائر آمنة من جرائم العنف الجنسي، نتبادل فيها الثقة مع رجال نختار وجودهم فيها كالأصدقاء، أو يُفرض وجودهم فيها كالعائلة. أحيانًا ننجح، وأحيان كثيرة نفشل في أن تكون هذه العلاقات آمنة تمامًا وخالية من المعتدين. أتحدث هنا عن ذلك الصديق المقرب، المناصر للنساء، الذي يكتب كثيرًا ويتكلم كثيرًا عن التمييز ضد النساء، ونكتشف لاحقاً أنه مُنتهك. في الواقعة التي أسردها، لماذا لم ينتهك هذا الرجل مساحتي الشخصية؟ لماذا انتهك مساحة امرأة أخرى لا تعرف صديقته النسوية التي عرفّتني عليه؟

إعلان

يعتمد الرجال من هذا النوع على العلاقات الاجتماعية، فهو يروّج لنفسه كداعم للنساء في دائرة ما، غالبًا ما تكون بهذه الدائرة عدد من النسويات. يبني علاقات اجتماعية، يُعرَف فيها أنه "رجل استثنائي" غير عنيف وغير متحيز ضد النساء. وهو هو نفس الصديق المقرب الداعم للنساء، يكون جزء من دوائر أخرى، ولكنه لا يتعامل كمناصر للنساء، وإنما كشخص يتحين فرص للانتفاع من النساء. يتمثل ذلك في أفعال مثل الإقدام على فعل جنسي دون موافقة، الإلحاح، التحرش، الابتزاز والتهديد، ويصل إلى العنف الجسدي والجنسي.

في وقت تعتبر فيه النسوية ملاذاً لعدد كبير من نساء يستخدمن نظرياتها لفهم أوضاعهن، تعتبر مصادقة النسويات بمثابة حصول على قبول اجتماعي. أُرجع هذا إلى التصوّر السائد عن النسويات ككارهات للرجال، وأنهنّ يختارنّ بعناية الرجال من حولهنّ. يرجع أيضًا إلى شبكة العلاقات الاجتماعية التي تعتبرها النسويات دوائر آمنة من الانتهاك. وفي هذا يتم التعامل مع النسويات كصاحبات نفوذ اجتماعي: يمنحنّ بطاقة دخول الرجل العادي إلى عالم الرجال الاستثنائيين. يحرص الرجل العادي على التقرّب منهنّ، ليتم الإشارة له "كرجل استثنائي" وليستفيد من شبكة العلاقات كوسيلة تحقق لهذه الاستثنائية. عندما يتم الإشارة إلى فلان كصديق مقرب من امرأة نسوية، يكسب هذا الرجل نقطة اجتماعية لدى الجميع، كما حدث معي.

إن كان حديثي مُعمم بالنسبة للرجال، فلن يكون كذلك بالنسبة للنساء اللاتي إما اكتشفن أن رجل قريب منهنّ مُنتهك أو مُعتدي جنسيًا، أو كنّ أنفسهن المُنتهَكات والمُعتدى عليهنّ

ماذا أعني بالرجل "العادي؟" الرجل العادي بالنسبة لامرأة تتعرض للتحرش الجنسي والتشييء وتُختزل في جسمها، هو رجل منتهك/ مُعنّف/ مُتحرش/ سلطوي/ مُغتصب. هذا "العادي" يرجع إلى سببين، الأول هو أن هذه الصفات العنيفة تم تصورها اجتماعيًا أنها بنية الرجولية. والثاني أنه تم اختباره بالفعل: في حياة كل امرأة منّا رجل واحد على الأقل لديه احدى هذه الصفات.

إعلان

الرجل "الاستثنائي" لا يعتبر العنف جزء من ذاته المُشكّلة في علاقة مع محيطه الاجتماعي. شخص يعي امتيازاته كرجل، ويتصرف مع النساء مُدركًا أن هذه الامتيازات لا يحصلن عليها لكونهن نساء، ويحصل عليها لكونه رجل. هو شخص "يدعم" النساء، يُعرّف نفسه اجتماعيًا كمُناصر لهن. هؤلاء رجال نشعر بأريحية عندما نتواجد في مكان واحد معهم. هؤلاء نثق أنهم وصلوا لمرحلة المناصرة بعد رحلة طويلة من الأسئلة والصراعات مع النفس والآخرين.

الرجل العادي يخافُ النسويات. الرجل العادي يعرف أن عدوه ليس القانون، ليس المجتمع، بل هو كل امرأة حريصة على الكلام بعلنية عن أوضاع النساء. مصادقة النسويات هي وسيلة لتجنب "الأذى." يُمارس الرجل استثنائيته معهنّ، ويُمارس اعتياديته بأمان بعيدًا عنهنّ. هناك نساء أخريات خارج ما نُسميه دوائر أماننا الشخصي، ويتعاملنّ مع أصدقائنا الرجال الذين نراهم "رجال استثنائيين"، بينما يتحولون معهنّ إلى رجال عاديين- جدًا.

يعتمد هذا الرجل على رأس ماله الاجتماعي، كشخص معروف، أو ذو نفوذ ومكانة اجتماعية. تشكّل هذه المكانة مصدر تهديد لأي امرأة عنّفها. فيكون رد فعلها إما الانسحاب، أو محاولة "فضحه" بين معارفه، خاصة الذي يدّعي أمامهم مناصرة النساء، كما فعلت صديقتي الأمريكية، وفعلتُ أنا بعدها. لا تؤتى هذه الخطة ثمارها المطلوبة في كل الوقائع. من الممكن ألا تصل أصوات المعنّفات إلى دوائر الرجل العادي/ الصديق الاستثنائي.

هناك أمل، حتى لو كان الرجال المُعنّفون أكثر نفوذًا وأكثر تصديقًا في شبكات علاقاتهم الاجتماعية. عندما تجتمع شهادة من هنا على نميمة من هناك، يقع الصديق الاستثنائي والرجل العادي في ورطة. إن كان حديثي مُعمم بالنسبة للرجال، فلن يكون كذلك بالنسبة للنساء اللاتي إما اكتشفن أن رجل قريب منهنّ مُنتهك أو مُعتدي جنسيًا، أو كنّ أنفسهن المُنتهَكات والمُعتدى عليهنّ. الرجال العاديون قادرون على اختراق أكثر مساحاتنا أمانًا، وعزلة.

في الختام: ما هي احتمالية وجود رجل منتهك في دوائرنا المقربة كنساء؟ الإجابة: مائة بالمائة. ما هي احتمالية "عدم وجود" رجل منتهك في نفس المساحة؟ الإجابة: صفر.