رأي

عن أن تشهد ثورة بلدك وأنت في الغربة

على الرغم من كوننا بعيدون جغرافياَ، ولكننا أقرب ما يمكن أن نكون إلى لبنان
Expat

قضينا عطلة نهاية أسبوع لا مثيل لها، نحن اللبنانيون المنتشرون في كل أنحاء العالم. يحدثنا زملائنا الأجانب عن ذهابهم لحضور فيلم أو الاستمتاع مع الأصدقاء. فنشاركهم تجربتنا في التسمّر لأيام أمام الشاشات، ونحن نشاهد بلدنا يُبنى من جديد. في البيت أشعر بالوحدة والغربة حيث أعيش في الإمارات بعيدة عن تفاصيل بيروت. تراودني هذه الأفكار والمشاعر في الأيام العادية. فكيف إذا كانت في وقت يُصنع به تاريخ بلدنا الحديث؟ أشرب قهوتي الصباحية في المكتب، وأتمنى لو أنني كنت أرتشفها قرب عربة عرانيس في ساحة رياض الصلح؟ أضحك وأحزن في الشارع مع صانعي حُلمنا جميعاً.

إعلان

كل شيء يبدو ساحراً، مشاهدة توحّد الشعب اللبناني ضد الفساد، حاملاً علم لبنان من أقصى جنوب لبنان إلى أقصى شماله. كم أريد أن أكون معكم. ولكن أريدكم أن تعرفوا أنه على الرغم من كوننا بعيدون جغرافياَ، ولكننا أقرب ما يمكن أن نكون إلى لبنان. نريدكم أن تعرفوا أن مشاهدتكم موحدين، تعيد إلينا - نحن المغتربين- الأمل بوطن أفضل عن الذي تركناه. كلنا أمل أننا سنعود إلى بلد ناضلنا من أجله سنوات ولن نكلّ. بلد لم ننتظره أن يعطينا كما أردنا إعطاءه. لن نستسلم مهما ألغوا تسجيلنا الجامعي بسبب عدم دفع القسط. لن نستسلم مهما رأينا من مآسي وظلم، من رجل مسن يحرق نفسه تحت جسر بسبب إهمال الدولة، أو صاحب عمل لا يسمع صرخات موظفين يريدون "دواءً لأهلهم." لن نستسلم مهما شهدنا من إفلاس فكري وإنساني في عدد من الجمعيات غير الحكومية، أو رأينا أطفال الشوارع يكبرون في الشارع أمام وزارة الداخلية. كيف نستسلم وكل عاملة أجنبية تنتظر إنصافها في العمل وإلغاء نظام الكفالة؟ إن استسلمنا كلنا، من سيضغط على الدولة الفاسدة؟ الدولة اليوم يتم إعادة بنائها. مع كل ابتسامة ورقصة وأغنية وطرق تعبير لا تشبه سوى نفسها.

1571587555972-Zeina

مشاركتي مع ثورة لبنان من الغربة.

نشعر بالحزن والخجل أننا لسنا على بيك اب الأرزوني (من أيقونات تظاهراتنا في لبنان في ما يتعلّق بالصوتيات) ولا ندبك معكم على أغاني الشارع. نشعر بالغضب على عدم مشاركة بلدنا لحظات مجده ووحدته. يوم 17 أكتوبر سيبقى شاهداً على مجد لبنان ودهشة العالم به. "أنتم شعب غير كل الشعوب. كيف ترقصون وتريدون التغيير؟ هل أنتم جديّون؟" يسأل من لم يفهم سِياقنا الاجتماعي ولا التاريخي ولا حبنا للحياة الذي لم تُدميه سياسات التمويت المستدامة منذ عقود. إذا كانت تلك "الهضامة" والحب بين الشعب قد أرعبهم، إلى ماذا ستؤدي الجدية الأكبر؟

إعلان

إنها بداية حقبة جديدة. معاً، سنبني لبنان الذي طالما حلمنا به

جميع من تحدثت معهم من اللبنانيين "المنتشرين" في الخارج يشاركونني هذا الفخر وبنفس الوقت الحزن لكوننا بعيدين عن قلب الحدث. يارا حركة، 34 عاماً، تتحدث عن المشهد السعيد في لبنان، من مكان تواجدها في إسبانيا، حيث تكمل دراستها العليا، لأنها لم تستطع دفع أقساط الجامعة الباهظة في لبنان: "هرمنا لأجل تلك اللحظة. أشعر بالغصة لعدم وجودي في الشارع الآن، لكنني أيضاً سعيدة لان كل ما حلمنا به في تحركات 2011، 2015، 2017 يتحقق اليوم. كل ما يحصل الآن يُظهر فكرة الوحدة في الشارع فعلياً. الناس هم الأساس في هذه الثورة. هم من يقودون التغيير. هذا كان دوماً حلمي. بكيت على وجع الناس، وحرقتها في اليومين الماضيين، لكنني كنت أشعر بالفرح أيضاً، فرحة لفَرحة الناس وفرحة بما استطاعوا تحقيقه."

أما ريم الشامي، 33 عاماً، فتخبرني من الأردن، عن مدى فخرها بالوحدة الذي يشهدها لبنان اليوم والتي برأيها "لم ترى لها مثيلاً لها منذ عام 1975"وتضيف: "أنه حلم يتحقق، وجودنا موحدين تحت شعار العلم اللبناني فقط. إنها بداية حقبة جديدة. معاً، سنبني لبنان الذي طالما حلمنا به. من موقعي كرئيسة تحرير، أحاول أقصى جهدي في الوسيلة الإعلامية المرموقة التي أعمل بها، أن أنقل الصورة الحقيقية لما يحصل على الأرض في لبنان. إنها ثورة بحق."

أما لونا، 35 عاماً، التي حدثتني بينما كانت تتحضر للذهاب إلى تظاهرة داعمة للبنان في لندن، حيث تكمل دراستها العليا بعلم النفس، فقالت أنها ترفض الطريقة التي يتعامل معها البعض عند الحديث عن النساء المتظاهرات في لبنان وتضيف: "نحن نساء ثائرات، والنساء اللبنانيات لسن ما يتم إظهاره في معظم إعلام العالم، كنساء سطحيات كل اهتماماتهن تتمحور حول المظهر الخارجي."

كيندا عوض، 25 عاماً، والتي غادرت لبنان إلى نيويورك منذ حوالي سنتين لتدرس الإعلام في جامعة نيويورك، فتبعث برسالة حب وتحفيز إلى اللبنانيين في الإغتراب: "البعد الجغرافي ليس عذراً" وهي عبارة اختارتها وأصدقائها منذ يومين عند اندلاع ثورة التغيير في لبنان، وتضيف: "عدد اللبنانيين في داخل لبنان حوالي خمسة ملايين، بينما يتخطى عدد أولئك في الانتشار 15 مليوناً. نستطيع التظاهر مع اللبنانيين من كل بلدان الغربة. كنا 8 أشخاص في اليوم الأول للاحتجاجات خلال تنظيمنا وقفة صامتة تضامناً مع الثورة. أما في التظاهرة الثانية، فقد زاد العدد الى 200. نستطيع التضامن مع لبنان من أي مكان في العالم." كيندا تقول أنها تشعر بالأسى لعدم قدرتها المغامرة بوظيفتها الجديدة للانضمام إلى الثورة في لبنان: "مشتاقة للملوخية، مشتاقة لأمي وأبي. مشتاقة إلى بلدي الذي لم أزره منذ سنة ونصف."

أحمد، 20 عاماً، والذي يصادف اليوم ذكرى سنة على ذهابه لإكمال علمه في إحدى جامعات ميلانو، إيطاليا باختصاص الطب والجراحة، فيشعر بالسعادة لأن "حُلمه تحول لحقيقة" ويضيف: "أنا سعيد أن الشعب اللبناني استطاع نسيان كل تلك الأمور التي تفرقنا بسبب السياسة، والتوحد معاً حول مطالبنا المحقة."

حتماً، نحن أقرب إلى الحلم يا بلدي. ليس فقط اللبنانيون من يريدون الأفضل، وانما كل سكان لبنان من لاجئين وأجانب، وحتى كل من زاره يوماً. تحيات كلها حب وفخر بالتغيير. التوقيع: مهاجرة تريد الرجوع يا لبنان.