شنودة (يمين) بعد انتهائه من رسم تاتو - جميع الصورة مقدمة من شنودة
بدأت فكرة الوشم منذ قديم الزمان، ولا يمكن نسبها إلى حضارة بعينها؛ فقد تعددت الأدلة على وجودها في حضارات العالم المختلفة في الصين واليابان، وبين الأمازيغ والسكان الأصليين لأمريكا الشمالية، بل وفي مصر القديمة أيضًا. والوشم أو الـ"تاتو" كما يعرف الآن، يُرسم لأسباب متنوعة؛ إما للتعبير عن فكرة أو إيصال رسالة، أو حتى يمكن أن يكون وسيلة لإظهار الحب بكتابة اسم شخص عزيز، أو توثيق رسالة أو عهد له، وقد يكون غرض الوشم جلب الحظ أو مجرد شكل من أشكال الزينة وهو أكثر الأسباب انتشارًا بيننا الآن. كما يعتبر الـ"تاتو" أحد الفنون التي تستحق التأمل وتعبر عن تراث الحضارات القديمة، فهناك أمثلة لجثث محنطة حتى الآن تمتلك وشومًا ما تزال خطوطها واضحة رغم مرور آلاف السنوات على موت أصحابها.
فكرة الوشم ليست جديدة على مصر، لكنها اتخذت منحى جديدًا في السنوات الأخيرة. وعلى عكس الوشوم التي تميز سكان بعض المناطق أو الأعراق، مثل البدو أو سكان الصعيد (مدن جنوب مصر)، بدأ فن الوشم بشكله الحديث "التاتو" في الانتشار خلال السنوات الأخيرة. وساعد على انتشارها اتجاه عدد من الفنانين للمجال مؤخرًا، ولذلك قررت اكتشاف "عالم التاتو"، والتعرف على أبرز فنانيه.
بدأت رحلتي بالتحدث إلى أحد فناني التاتو، وبعد مكالمة طويلة رفض الكشف عن هويته في مقابلة منشورة، خوفًا على سلامته؛ إذ أن مهنة التاتو غير معترف بها في مصر، ولا يمكن الحصول على ترخيص لمزاولتها بسهولة، رغم كثرة من يعملون بها دون تراخيص. وبعد فترة من البحث تمكنت من التواصل مع شنودة عبد الملاك، والذي يُعد فنان التاتو الوحيد الذي يزاول المهنة بتصريح من وزارة الصحة المصرية، وتعرفت معه عن تفاصيل هذه المهنة وخباياها وعن حياته بعد تفرغه لهذا العمل غير الاعتيادي.
VICE عربية: كيف بدأت العمل في هذا المجال، وما الذي يمثله لك.. هل هو مجرد هواية أم مهنة؟
شنودة: بدأت الاهتمام بفكرة الوشم منذ الصغر، فأنا مسيحي الديانة وارتاد زيارة الكنائس باستمرار، وفي الموالد والأعياد كنت أرى عملية "دق الصلبان والوشوم" المرتبطة بالديانة المسيحية، كنت أشعر بانجذاب ناحية تلك الرسوم، ورسمت تاتو على ذراعي وأنا في عمر 8 سنوات، وبعدما كبرت كانت لدي اهتمامات فنية فكنت أرسم لوحات بالفحم وبعد أن أكتشف أحد أصدقائي موهبتي انتقلت إلى الغردقة للعمل في مجال رسم الحنة عام 2009؛ الذي هو قريب من مجال التاتو؛ ومع احتكاكي بالسياح وتعرفي على صديق ألماني يعمل في رسم التاتو بشكل محترف، تعلمت المهنة على يده وتعرفت على سوق العمل في هذا المجال. أصبح لدي خبرة كبيرة في هذه المهنة، وحصلت على التصاريح اللازمة ثم انتقلت إلى القاهرة لأمارس العمل بشكل أوسع.
ما هي أكثر الفئات التي تأتي إليك لرسم التاتو؟
في الحقيقة كان التاتو بشكله الحديث مرتبطًا بالشباب، ولكن بعد أن اتخذ شهرة في السنوات الأخيرة، ومع قيام عدد من الممثلين برسم تاتوهات أصبحت الفكرة أكثر رواجًا لدى مختلف الأعمار، لكن في السنوات الأخيرة وجدت أن الجميع يأتون لي، سواء شباب أو كبار في السن،" وبعد أن قمت بتدشين مبادرة "حب نفسك" وهي مبادرة لإخفاء عيوب الجسد بالتاتو، مثل الأشخاص المصابين بحروق أو تشوهات أو عيوب خلقية، وهي مبادرة غير ربحية، حيث ننفذها مجانًا لمن لا يقدر على تحمل تكلفة رسم التاتو. بعد هذه المبادرة أصبحت الفئة الأكثر ترددًا علىّ هي فئة الفتيات الأكبر من سن 18 عامًا، وكنت أرثي لما آراه من تشوهات أو حروق لهن، لكني كنت سعيد بعدما أنهي رسم التاتو وأساعدهن في تجاوز تلك الأزمة، بجانب كل ذلك يأتي إلي عدد من الممثلين، فقد رسمت للفنان أحمد الفيشاوي والفنانة ريم البارودي والفنانة سارة سلامة وغيرهم الكثيرين، وجميعهم يشهدون لي بالكفاءة.
هل هنالك صعوبات (من أي نوع) تواجهك أثناء أدائك لهذه المهنة؟
اعتبر نفسي من المحظوظين؛ لأني تعلمت على يد ألمان، ثم أصبحت صاحب المكان الوحيد الذي يحمل رخصة من وزارة الصحة في مصر، بمزاولة المهنة، وهذا سهل على الكثير، على عكس فنانين التاتو الآخرين، فالحبر الذي أستخدمه يأتي بسهولة من الخارج والإبر التي أستعملها أصلية، على عكس كثيرين، لهذا لم تواجهني أي صعوبات حتى الآن، لأني تعلمت بشكل صحيح، كما لا تواجهني أية انتقادات فأنا أمارس المهنة منذ أكثر من 10 سنوات وإلى الآن لم يصلني أي تعليق سلبي- الحمد لله.
ما شعور الزبائن عندما يرون التاتو على أجسادهم بعد انتهاء عملك؟
في الأساس من يأتي ليرسم تاتو يكون راغبًا في ذلك بشدة ولهذا بعد أن أتم مهمتي يكون في قمة السعادة وأكون أنا سعيدًا بسعادته، ولكن يكون الوضع أكثر بهجة حين أرسم لشخص تاتو أداري به عيبًا خلقيًا أو حرق أو تشوه؛ حينها فعلًا أشعر أني أفعل شيئًا يستحق وأساهم في إسعاد الآخرين، كما أنهم يكررون التجربة وغالبًا ما يأتون بأصدقائهم كذلك.
هل رسم التاتو أمر مناسب للجميع، أم أن هناك شروطًا لذلك؟
رسم التاتو أمر مناسب للجميع، ولكنني أشترط على أي مراهق أن يكون ولي أمره موافق على هذا القرار، ولا أقوم برسم أي تاتو للمراهقين من دون موافقة أولياء الأمور الذين غالبًا ما يأتون معهم، ومن النصائح التي أشدد عليها لمن يرسم عندي، هو عدم كتابة اسم شخص على الجسد مثل اسم الحبيب/ ة، فهذا منتشر كثيرًا بين الشباب، لأن علاقات الحب كثيرًا ما تنتهي، ويأتي لي أشخاص كثيرين يريدون تغطية التاتو القديم بتاتو جديد، لهذا أنصح بعدم وشم أي اسم على الجسد؛ إلا الأسماء الأبدية التي لن يمحيها الزمن مهما حدث، مثل أسماء الأب والأم أو الأبناء.
وماذا عنك، هل تمتلك رسوم تاتو؟ لماذا اخترتها، ومن اخترت لوشمها؟
رسمت تاتو على جسدي منذ كان عمري 8 سنوات كما ذكرت سابقًا، وكل فترة أرسم تاتو على جسدي حين أشعر برغبة في ذلك، غالبًا ما أقوم برسمه لنفسي، وآخر تاتو رسمته لنفسي كان بصمة قدم ابنتي الصغيرة على يدي وسعدت بها كثيرًا لأنها تذكرني بأعز إنسانة في حياتي.
ما هو أغرب وشم طلبه منك أحد زبائنك، وما هي أغرب الأماكن التي يرغبون بالرسم بها؟
لا أعتبر أن هنالك رسمة غريبة في التاتو، لأن حتى الغرابة في الرسم هي أمر نسبي، فما آراه غريب بالنسبة لي قد يكون لغيري عادي، وحتى الأماكن لا تمثل لي أي غرابة حتى الآن، فهناك من يرغب بالرسم على قدمه أو على ظهره أو أي مكان آخر، كلها تفضيلات شخصية ليس إلا.
شنودة خلال عمله
ما الذي تحلم به تجاه مستقبلك في هذه المهنة؟.. هل تشعر بأنها مهنة مرتبطة بـ"صرعة مؤقتة" يمكن أن تتعرض للانحسار؟
أحلم بأن كل من يرغب في رسم تاتو يأتي ليرسم عندي ويسعد برسمته، سواء كان يرغب في إخفاء عيب في جسده أو يرسم لشغفه بالتاتو، وأتمنى أن أرى في عيون الناس التقدير لهذا الفن الذي يعبر عن صاحبة وشعاره في الحياة أكثر من التقييم الديني للأمر، لا أظن أنه يمكن أن ينتهي يومًا؛ فالتاتو موجود منذ سنوات طويلة جدًا وأنا أمارس المهنة منذ 10 سنوات ولم أواجه أي عراقيل خلالها، لذلك لا أتوقع أن تنتهي المهنة أو يقل شغف الاهتمام بها.
بم تنصح من يرغب في امتهان هذه المهنة؟
أتمنى من كل من يرغب في التعامل مع هذه المهنة أن يتعلمها جيدًا قبل أي شيء، فهذه المهنة مهنة تحتاج لشخص شغوف بالمهنة وحذر في التعامل مع كل شيء، التعلم بالتجريب هو أمر سيء لأبعد الحدود، لهذا لا ترسم لأي عميل قبل أن تتأكد أنه يمكن أن ترسم لنفسك بكل ثقة أولًا، فأجساد الناس ليست لعبة لنتعلم بها، وأنصح كل من يريد أن يدخل هذا المجال أن يعمل بشكل مرخص ويستخدم أدوات أصلية وصحية من أحبار وإبر وغيرها.
هل يمكنك ترك هذه المهنة في يوم من الأيام؟
رسم التاتو بالنسبة لي أكثر من مجرد مهنة، هي شغف وإيمان وحب وقناعة، فأنا في الأصل خريج كلية التجارة ومع ذلك لم أفكر أن أعمل يومًا في المحاسبة، لكن بعد أن وجدت هذه المهنة التي أحببتها وأحبتني وأضافت لي الكثير من الناحية المعنوية والمادية لم يبدر إلى ذهني ولو مرة واحدة أن أترك المهنة يومًا، فالمهنة تجري في عروقي.
يمكنكم متابعة شنودة عبر صفحته على موقع إنستغرام