مقال رأي

لماذا لا يُعفى الفقراء من صيام رمضان؟

مع من تتعاطف إذا كنت أنت نفسك تستحق التعاطف
منى سعيد
إعداد منى سعيد
mostafa-meraji-ZtgL9q_rSs4-unsplash

يستعد المسلمون في جميع أنحاء العالم للاحتفال بشهر رمضان المبارك، وعلى الرغم من أن البعض قد يكون مقيدًا بزيارة العائلة والأصدقاء بسبب جائحة كورونا، إلا أن هذا الشهر يأتي لإعادة التواصل مع الله، والنفس والآخرين.

يعد الصيام أحد أهم أركان الإسلام بعد الشهادة بأنه لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. حيث ذكر القرآن أكثر من آية تحث على الصيام منها "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" -البقرة 183. في رمضان يتخلى الإنسان عن الأكل والشرب والجنس لتطهير الجسد من الخطايا البشرية. ومن جملة مسائل التقوى التي يحض عليها الصيام أن يشعر الغني بحال الفقير، وكيف يعاني الجوع والحاجة فيدعوه ذلك إلى الإحسان إليه وهذا من جملة التقوى. من الناحية النظرية المثالية، يدعو الإسلام إلى الصيام لتذكر الفقراء، لكن الفقراء أنفسهم لا يُعفون منه.

إعلان

لقد كبرت وأنا أسمع المقولة الشائعة "المسلمين يصومون للتعاطف مع الفقراء والمحتاجين والشعور بواقعهم" ولكن ماذا لو كنت "فقيرًا" فهل تصوم أيضًا؟ لماذا تصوم رمضان إذا كنت لا تملك القدرة على توفير الطعام كي تحرم نفسك منه، ومع من تتعاطف إذا كنت أنت نفسك تستحق التعاطف؟

أتحدث بشكل خاص عن بلدي اليمن. بالنسبة لليمنيين، الصيام هو الواقع، وليس شهر واحد، وهذا الواقع مستمر منذ سنوات، حيث تشير الإحصاءات إلى أن ما يقارب من 20.1 مليون شخص - ما يقارب ثلثي السكان - بحاجة إلى مساعدات غذائية، وقد تركت الحرب ملايين اليمنيين يتضورون جوعًا ويصومون لسنوات بدون رمضان. 

يعيش اليمنيون منذ بدء الحرب قبل خمس سنوات ظروفاً غير عادية بكل المقاييس من قصف وحصار ومرض وجوع.  وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يموت طفل يمني في كل 75 ثانية، وقد وصف ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، الوضع بأنه "جحيم على الأرض." وأضاف أن اليمن تتجه نحو أكبر مجاعة يشهدها التاريخ الحديث.

اليمني اليوم منهك تماماً، وهو يعيش طوال سنوات الحرب على survival mode. الحرب أدت لتدهور الوضع الاقتصادي وتدهور العملة اليمنية وغلاء الأسعار وارتفاع نسب البطالة، الجميع يعيشون بشكل أساسي على الرز والخبز والفاصوليا والروتي. قليل من العائلات تستطيع شراء الدجاج أو اللحوم من حين إلى آخر.  وحتى في حال كان كنت محظوظاً وكان لديك وظيفة، فعلى الأغلب أنه بحلول نهاية الشهر لن تحصل على أجرك وراتبك المستحق من الدولة، فلم يتم دفع رواتب موظفي الدولة بانتظام خلال العامين الماضيين.

إعلان

هذا بالاضافة إلى انقطاع الكهرباء المستمر، فهناك 10 في المئة فقط من السكان متصلة بشبكة الكهرباء العامة، مما يعني أن أغلبية اليمنيين يعيشون في الظلام بشكل دائم فيما ترتفع درجات الحرارة مع دخول شهر الصيف. كل هذا يجعل فكرة صوم يوم كامل في رمضان دون احتساء الماء لإبقائك واقفًا على قدميك، صعب التخيل. وجاءت كورونا لتضيف مستوى آخر من الأزمات والبؤس التي يعاني منها اليمن، إلى جانب المجاعة وانتشار الكوليرا وحمى الضنك، فالنظام الصحي في اليمن لا يسمح لاستيعاب هذا الفيروس في الوقت الذي ارتفعت فيه أعداد الإصابات بشكل متسارع مع دخول الموجة الجديدة.

كل من يعيش في اليمن يعاني من استنزاف مادي وصحي ونفسي، ومع ذلك استمر اليمينيون بالصيام خلال كل سنوات الحرب، بغض النظر عن المعاناة، لأنك إذا لم تصم، فستعتبر آثمًا. إذا ما لم تكن من ضمن هذه الفئات، فلا عذر لك لتخطي صيام رمضان. 

من هم المعفيّون من الصيام في الإسلام؟

المرضى
من عجز عن الصيام بسبب مرض جسدي أو عقلي. وكذلك أولئك الذين يتناولون الأدوية. 

النساء الحوامل/ المرضعات
لأنها مسؤولة عن إنسان آخر يعيش بداخلها ويعتمد عليها في الطعام، فلا يتوقع من المرأة الحامل ولا المرأة المرضعة أن تصوم في رمضان. 

إعلان

الأطفال وكبار السن
أنت لست ملزمًا بالصيام حتى تصل إلى سن البلوغ، إلا إذا كانت أسرتك متدينة جدًا وبدأت في إجبارك على الصيام مبكرًا قبل أن يُطلب منك ذلك. وكذلك كبار السن الذين قد يتعرضون لخطر الإصابة بمرض ما. 

السفر
أنت معفى عن الصيام، لكن عليك أن تصوم مرة أخرى الأيام التي فاتتك بعد أن تهبط وتستقر. 

الدورة الشهرية
لا يجوز للمرأة أن تصوم حتى تنتهي دورتها.

ولكن ماذا عن الفقراء؟ 
كيف يكون هناك استثناءات لهذه الفئات، لكن لا يتم شمل الفقراء. خلال نشأتي في اليمن، كنت أعتقد دائمًا أنني أصوم للتعاطف مع المحتاجين والشعور بهم. لم أفكر في يوم من الأيام أن بلدي ستصبح شديدة الفقر لدرجة أن نصبح نحن من نستحق التعاطف. أعلم أن أغلبية الكبرى من اليمنيين لن يتوقفوا عن الصوم والتقرب إلى الله خلال هذا الشهر على الرغم من كل معاناتهم. سيصومون ويمارسون جميع طقوس الدينية بغض النظر عن المشقة، وسيدعون في كل صلاة أن تنتهي الحرب وتعود الحياة إلى ما كانت عليه- مع أن السماء لا يبدو أنها تستجيب لدعواتهم.

أنا لا أدعو إلى عدم الصيام في رمضان، ولكن أدعو إلى التسهيل على البلاد المنكوبة واللاجئين والفئات الأقل حظاً وجعل خيار عدم الصوم مطروحاً لهم، "يُرِيد اللّه بِكم اليسر وَلاَ يرِيد بكم العسر." "ومَا جعل علَيكم في الدين من حرجٍ." نحن نعيش في ظروف استثنائية، واليمن ليس الوحيد في هذا الوضع، العديد من الدول العربية تعاني حاليًا من أوضاع مماثلة.

في رمضان يصوم الناس كي يشعروا بمعاناة الجوع والعطش، ولكن ماذا لو كنت تعيش هذا الواقع منذ سنوات؟