حصل الفيلم القصير للمخرجة السعودية سارة مسفر، "من يحرقن الليل" على تنويه خاص من لجنة الحكام في مهرجان بالم سبرينجز السينمائي الدولي في الولايات المتحدة أواخر يونيو الماضي، والذي يعدّ واحدًا من أهم المهرجانات السينمائية للأفلام القصيرة في إطار جولات الفيلم العالمية مع المهرجانات.
"من يحرقن الليل" من بطولة جنى قمري وهيا مرعبي، ومن تأليف وإخراج سارة مسفر، ومن إنتاج جواهر العامري، وتدور أحداثه حول الأختين "سلسبيل" و"وسن" في ليلة خطوبة، بعد أن طلبت إحداهنّ الخروج للذهاب إلى البقالة المجاورة فتم رفض طلبها، لنشاهد تطوّر الشخصيات من الملل إلى الغليان.
الفيلم السعودي القصير قد شارك مؤخرًا في مهرجان الفيلم العربي في تورنتو، وحصل على تنويه خاص من لجنة تحكيم مسابقة سينما الغد للأفلام القصيرة، وذلك بعد منافسته في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته 42 العام الماضي. تحدثت مع سارة، ٢٥ عامًا، عن فيلمها، التحديات التي واجهتها وخططها المستقبلية.
سارة مسفر. جميع الصور مقدمة منها.
VICE عربية: بداية. "من يحرقن الليل " أول أفلامك ويحصل على تنويه من أهم مهرجانات الأفلام القصيرة بالعالم " بالم سبرينج." كيف استقبلتِ ذلك؟
سارة مسفر : (تضحك) من شدة عدم توقعنا بهذا التنويه، لم نتحرك من مقاعدنا رغم مناداة أسمائنا على المسرح. غمرتنا سعادة كبيرة. لقد تم اختيار فيلمنا من بين 300 فيلم مشارك بالمهرجان، ويتمتع معظمهم بجودة فنية عالية. عمومًا تأسرني رحلة سفر الفيلم لمهرجانات مختلفة ومشاهدته من جمهور متنوع الثقافات ومتابعة ردود أفعالهم، فهي تجربة ممتعة. أما أهمية "بالم سبرينج" تعود لكونه شهد العرض العالمي للفيلم بعد عرضه الأول الشرق أوسطي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي العام الماضي.
عادة الأفلام القصيرة تكون جزء من تجربة شخصية للمخرج، هل هذا حدث معك في أول أفلامك؟
لم أصنع شيئًا عشته 100 % بالفيلم، ولكن من المؤكد أن العمل الفني جزء لا يتجزأ من صانع الفيلم، نقلت جزء معين عن مشاعري. ولكن في إطار قصة هنا مثًلا بفيلم "من يحرقن الليل" تكون رفض العائلة ذهاب الفتاة للبقالة، بينما الفيلم المُقبل عن علاقة بنت بوالدها وهكذا. ولكن لصناعة فيلم صادق يجب أن يكون المخرج قد مر بالمشاعر والأحاسيس التي تنقليها على الشاشة، وأنا عشت مشاعر مماثلة لبطلاته من حيث الرفض والتقييد كما شاهدتها تحدث مع فتيات أخريات بمجتمعي.
رحلة الفيلم الحقيقية تبدأ من شخصية تُثير اهتمامي أو مشاعر تُسيطر عليَ مثل تلك التي ناقشها في "من يحرقن الليل" حيث كانت تشغلني للغاية فكرة الرفض والتقييد، وخُضت رحلة بحث عن كيفية المعالجة العنيفة لهذه المشاعر التي انبثق عنها عدة قصص لمدة 4 شهور حتى اختمرت الفكرة النهائية للفيلم. صنعت هذا الفيلم عن هذه الرغبة المُلحة لأشياء صغيرة وصعبة الوصول؛ ولدت منها الشخصية الأولى سلسبيل، التي تريد الذهاب للبقالة رغم رفض العائلة، ثم انبثقت الشخصية الثانية "وَسَن" الأخت المعاكسة لها تمامًا، وبدأت المشاعر والشخصيات تتشابك حتى اكتملت قصة الفيلم.
ما أوجه الشبه بينك وبين " سلسبيل" المتمردة في الفيلم؟
اتوقع أن كِلانا يحمل في داخله غضب شديد وأسئلة ليس لها إجابات واضحة من كل الأطراف المحيطة.
الغضب هنا من المجتمع والأسرة؟
الغضب لدى شخصية "سلسبيل" يمكن وصفه بـ "السخيف" أو البسيط الذهاب للبقالة ولا تستطيع. ولكن سواء كانت الأسباب صغيرة أو كبيرة هي نفس حالة المشاعر المتراكمة لديها بسبب هذا الرفض.
ولكن أعتقد أن أفكارك بالفيلم أبعد من رغبة سلسيبل "السخيفة" كما اسميتها للوصول للبقالة ..أليس كذلك؟
ربما فسر البعض البقالة بأنها رمز لمعاناة كل فتاة للوصول لحلم بسيط أو هدف معين بسهولة، ولكن بصراحة أنا مهتمة جدًا برصد كافة التفاصيل والرغبات السخيفة منها والجدية، لا يمكن أن تتفهمي صعوبة الوصول لشيء كبير.
حدثينا عن اختيارك لعنوان الفيلم؟
لا افُضل إعطاء معنى واضح للعنوان، واترك لكل مشاهد تأويله الخاص بعد مشاهدة الفيلم، ولكن وصلتني تفسيرات متنوعة من الذين شاهدوا الفيلم، أن الفتيات نَجحن فى إنارة الطريق المظلم، أو حاجتهن لمزيد من النور، أو هن من غيَرن الليل وحرقن العادات والتقاليد البالية.
كيف اخترتِ الفتيات/الممثلات؟
هن وجوه جديدة تمامًا، بحثنا عن الطالبات المهتمات بالتمثيل في المدارس المختلفة، ذهبنا لهن وجلسنا معهن في وقت الاستراحة لنشرح فكرة الفيلم، ثم انتظرنا حضورهن لتجارب الأداء، حتى وقع الاختيار. ادهشوني بتلقائيتهن وتمثيلهن. واتوقع الاعتماد في جميع أفلامي القادمة على وجوه جديدة.
ما هي التحديات التي واجهت الفيلم؟
الفيلم كان بدون ميزانية صفر، واجهنا تحديات مع الفتيات لارتباطهن بمواعيد الامتحانات بالمدرسة تسببت في تأجيل التصوير عدة مرات، وكذلك سوء الأحوال الجوية وهطول أمطار غزيزة على غير العادة، وهو ما عرقل مواعيد التصوير في أغلب مشاهد الفيلم الخارجية.
لاحظت أن معظم الأسماء خلف الكاميرا بالفيلم نساء، مساعدة المخرج، casting manager، مدققة النص، المديرة الفنية، منسقة الاكسسوارات، فضًلا عن المنتجة جواهر العامري.. هل نعتبره فيلم نسائي بامتياز؟
صراحة الأمر صدفة، ولكنها صدفة حميدة، صحيح لدينا أجندة لدعم العنصر النسائي بالأفلام، ونحقق المناصفة 50/50، ولكن الاختيار وقع عليهن لأنهن كفؤوات، ووثقت بخبرتهن.
ضمن هذا الإطار، هل تصنفين فيلمك كنسوي؟
بداية أنا امرأة سعودية وحريصة على تناول قضاياها، فهذا أصدق شيء ممكن سويه. لا اُفضل تصنيف أفلامي، ولا أُحِب أن أثقلها بأشياء أخرى، بل اترك للجمهور الواسع المختلف حرية تصنفيها وهضمها. أرفض توجيه الجمهور أو تلقينه. الفيلم رحلة مشاعر يتلقاها الجمهور، ودوري كمخرجة نقل هذا الصدق إلى الشاشة.
ماهو تقييمك للمشهد السينمائي السعودي الآن؟
ما زالت ناشئة؛ هناك الكثير من التجارب والتجريب، كثير من المشاعر الصادقة وأيضاً الكثير من العراقيل، ولكني متأكدة أن حماس المخرجين/ات ستنضُج في وقت ما وستتمكن من المنافسة عالميًا. نواجه تحديات تتعلق بالتمويل وغياب كوادر العمل المحترفة ومواقع التصوير المجهزة. ولكن في النهاية، شغفنا كصناع/ات أفلام هو الذي يُحركنا لمقاومة التحديات.
ما هو مشروعك القادم؟
متحمسة لعرض فيلمي القصير "الضباح" في الدورة المقبلة لمهرجان البحر الأحمر الدولي، الذي يدور حول علاقة أم بابنتها، في ظل محاولات إجهاض الفتاة لطفلها. وهو يأتي ضمن مشروع تعاونت فيه مع أربع مخرجات سعوديات لإنتاج فيلم طويل بعنوان" بلوغ" يضم أفلامنا القصيرة.
ملاحظة: تم تعديل المقال بطلب من المخرجة لأسباب شخصية.