صلاح ومنتخب مصر.. قصة حب من طرف واحد
نسخة صلاح الحزينة في مباراة مصر الأخيرة بنهائيات كأس العالم - التقطت الصورة بواسطة أيمن عارف

FYI.

This story is over 5 years old.

كأس العالم 2018

صلاح ومنتخب مصر.. قصة حب من طرف واحد

ماذا حدث في كواليس 3 مباريات وبدد ابتسامة "الملك المصري" الدائمة وحولها إلى عبوس مقيم؟

كانت الكرة المصرية تنتظر على فترات متباعدة لاعبًا شابًا يرحل إلى أوروبا ويظهر في أحد الدوريات الكبرى، أو يلعب دقائق قليلة في دوري أبطال أوروبا. وكانت تلك اللقطات بمثابة انتصار كبير للجماهير المصرية؛ حيث يُذكر اسم بلادها في أكبر المحافل الكروية العالمية. لكن الصورة تغيرت مؤخرًا مع بزوغ نجم لاعب أصبح معشوق الجماهير في مهد اللعبة الشعبية الأولى، إنجلترا، ليتصدر اسم مصر كبريات الملاعب الأوروبية لاقترانه باللقب الذي اختارته الجماهير الإنجليزية والأوروبية للاعب الأسطورة "الملك المصري".

إعلان

إنه محمد صلاح، أو "مو صلاح" كما تناديه الجماهير الإنجليزية. قدم صلاح موسمًا استثنائيًا مع فريقه الإنجليزي، وسجل 44 هدفًا خلال 52 مباراة، وبات من المرشحين البارزين للمنافسة على الكرة الذهبية نهاية العام الحالي.

لكنّ هذا اللاعب الذي وضع مصر مجددًا على خريطة الكرة العالمية، والذي باتت وسائل الإعلام والصحف تتعامل معه باعتباره سفيرًا لوطنه وللكرة العربية، تعرض لأزمات متتالية خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب مسؤولي اتحاد الكرة المصرية، حتى بات "قريبًا من اعتزال اللعب الدولي" كما قالت مصادر مقربة منه لشبكة سي إن إن الأمريكية.

الأزمة الأولى لصلاح مع المسؤولين ظهرت للعلن قبل افتتاح المونديال بأيام معدودة، بسبب تصميم الطائرة التي ستُقلُّ المنتخب إلى روسيا؛ حيث تم وضع صورة صلاح بمفرده إلى جوار شعار شركة الاتصالات الراعية للمنتخب، ما تسبب في حرج للاعب المحترف، لارتباطه بعقد إعلاني مع شركة اتصالات أخرى يُحظر عليه بموجبه الظهور في أي مواد دعائية للمنافسين.

انتهت الأزمة، كما هو معروف، بعد مداولات واتهامات متبادلة بين أعضاء الاتحاد المصري ووكيل أعمال صلاح، بعدما كتب الأخير على تويتر إن "طريقة تعامل المسؤولين معه جعلته يشعر بالإهانة"، ليتدخل بعدها هاني أبو ريدة رئيس اتحاد الكرة ويتم تغيير تصميم الطائرة.

لكنّ الأمور لم تنته عند هذا الحد، بل كانت الأزمة التي جرّت على الاتحاد المصري لكرة القدم انتقادات واسعة، بمثابة مقدمة لما سوف يحدث خلال مشاركة المنتخب المصري في المونديال الذي تحتضنه روسيا حاليًا.

تغريبة جروزني
قبل المونديال بأشهرٍ أعلن مسؤولو المنتخب اختيارهم مدينة جروزني عاصمة الشيشان مقرًا لبعثة الفراعنة خلال المونديال مؤكدين أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وافق على هذا الاختيار. وقال إيهاب لهيطة مدير المنتخب إن هناك ثلاثة أسباب لهذا الاختيار؛ أولها القرب المكاني من مباريات المنتخب، والثاني وجود أغلبية مسلمة بالمدينة، أما الثالث فهو اعتدال الطقس فيها.

إعلان

ومنذ اللحظة الأولى للمنتخب في جروزني بدت هناك حفاوة كبيرة في استقبال اللاعبين لكنّ العيون كلها كانت ترقبُ صلاح. في التدريب الأول للمنتخب لم يكن صلاح حاضرًا بين اللاعبين بسبب الإصابة التي تعرّض لها في الكتف، لكنّه ظهر فجأة داخل أرض الملعب يرافقه الرئيس الشيشاني رمضان قديروف في مشهد احتفالي بالنجم المصري المتألق. واتضح لاحقًا أن الرئيس الشيشاني ذهب إلى صلاح في فندق الإقامة واصطحبه معه إلى الملعب.

الميزة الأولى لاختيار جروزني لإقامة المونديال وهي "قرب المسافة من المباريات"، حسب مدير المنتخب، اتضح أنها لا تمت بصلة إلى الواقع، فاللاعبين اضطروا إلى قطع مسافات طويلة لحضور المباريات، وبدلًا من أن يقرر المسؤولون بعد المباراة الأولى أمام أوروجواي التي أقيمت في مدينة ايكتيرنبورج أن يتوجه المنتخب مباشرة إلى مدينة بطرسبيرج التي تستضيف المباراة الثانية أمام المنتخب الروسي قرروا العودة إلى جرزوني ثم السفر من جديد إلى مقر إقامة المباراة الثانية.

وأصبح مجموع ما قطعه المنتخب المصري خلال منافسات المونديال 11722 كيلو مترًا. وهو رقم كبير للغاية بالمقارنة مع المنتخبات الأخرى؛ فعلى سبيل المثال قطع المنتخب التونسي مسافة 3241 كيلو مترًا. وقطعت المغرب 5720 كيلو مترًا. أمّا السعودية فقطعت مسافة 8410 كيلو مترًا.

صلاح كان يجذب الأنظار إليه أينما حل. في المباراة الأولى أمام أوروجواي حين بدا إنه سيقوم بعمليات الإحماء تدافعت الكاميرات لتلتقط الصور. وفي المباراة الثانية التي خاضها بعد تعافيه من الإصابة كانت أيضًا العيون ترقبه والكاميرات تتابعه لكنّ الوضع في جروزني كان أكثر حماسة.

بعد الهزيمة أمام روسيا، وبعد عودة بعثة المنتخب إلى جروزني وجّه الرئيس الشيشاني دعوة إلى المنتخب لحضور حفل عشاء وهناك كانت المفاجأة. أخلّ الرئيس الشيشاني بالبروتوكول المتعارف عليه، حيث وجّه الدعوة إلى صلاح ليجلس إلى جواره بدلًا من أن يتواجد بين اللاعبين وسط دهشة الجميع. حرص رمضان قاديروف على التقاط الصور مع اللاعب المصري وعلى منحه الجنسية الشيشانية أيضًا. بدا المشهد بأكمله معدًا لصلاح وحده دون غيره.

إعلان

صور صلاح وقاديروف انتشرت في مختلف وسائل الإعلام، وبسبب اتهامات متعددة للرئيس الشيشاني بانتهاك حقوق الإنسان طالت صلاح انتقادات كثيرة في وسائل الإعلام الغربي.

وبين زيارة قاديروف الخاطفة لصلاح ودعوة العشاء المثيرة للجدل، كان "الفرعون المصري" على موعد مع فصل جديد من فوضى التنظيم، وسوء الإدارة، متمثلًا في شحن وفد من الفنانين والإعلاميين ورجال الأعمال، عبر الراعي الرسمي للمنتخب، لـ "دعم" اللاعبين قبيل المباراة الحاسمة مع روسيا، بعد الهزيمة الخاطفة من الأوروجواي في المباراة الافتتاحية، لكن هذا الدعم لم يكن في حقيقة الأمر إلا واحدًا من أكبر مشاهد البطولة سبيلة ومخالفة لكل البروتوكولات المعمول بها في المباريات الدولية، إذ أحدث "وفد الدعم" حالة من الهرج والمرج في مقر إقامة المنتخب، حيث نزلوا أيضًا، فيما حرص أعضاء الوفد وأقاربهم ومرافقيهم على التقاط الصور مع اللاعبين في غرفهم، ما أثار موجة من الغضب بين اللاعبين، وصلت إلى ذروتها مع صلاح الذي انتشرت أنباء عن انفعاله على مسؤولي المنتخب واتحاد الكرة، حسب تقارير إعلامية متطابقة.

وكانت النتيجة الطبيعية لحالة الهرج والمرج التي سبقت المواجهة المهمة، ضياع المباراة الثانية أيضًا من الفريق الذي فقد لاعبيه تركيزهم، ليصبح في حكم المؤكد أن المنتخب الذي صعد أخيرًا لنهائيات المونديال بعد 28 عامًا من الغياب، قد ضمن تذكرة خروجه بهزيمتين متتاليتين انعكست تبعاتهما على وجه الفرعون الباسم في معظم صوره، قبل مشاركته المونديالية؛ إذ تبدلت الابتسامة التي كانت تبدو وكأنها إحدى ملامح وجه صلاح التي ولد بها، إلى وجوم دائم، تداول معه المصريين عشرات الصور التي تظهر انعكاس الأزمات على وجهه، بطريقة "قبل وبعد" الشهيرة.

هنا ظهر رامي عباس وكيل محمد صلاح الذي حضر أيضًا بقوة في أزمته الأولى مع اتحاد الكرة بسبب تصميم الطائرة. ووقتها انتقده مسؤولو الاتحاد بقوة. وهذه المرة بعدما شعر عباس أن لاعبه تم استغلاله لأغراض سياسية لم يكن له علاقة بها كتب على تويتر "دع تلك الأيام تمر، وبعدها سوف نرى ما سيحدث". ورغم أن الكلمات بدت غامضة، كعادة تدوينات عباس في الظروف المماثلة، إلّا أن مجدي عبد الغني عضو الاتحاد المصري لكرة القدم شنّ عليه هجومًا حادًا في أحد البرامج التليفزيونية وقال إنه يشتت انتباه اللاعبين.

حتى هذه اللحظة كانت الأزمات شبه مكتومة، مع حرص اللاعب المحترف على عدم خروجها للعلن، حتى جاءت أزمة "عشاء قاديروف"، التي جرّت عليه انتقادات واسعة في الصحافة البريطانية والعالمية، ليرتبط اسم "الفرعون المصري" بتقارير إعلامية سلبية للمرة الأولى، لم يخفف حدتها إلا ما كشفت عنه شبكة سي إن إن، حول اعتزام اللاعب الذي أكمل بالكاد عامه السادس والعشرين، اعتزال اللعب الدولي عقب نهاية منافسات كأس العالم. وأسندت الشبكة الأمريكية هذه المعلومة إلى مصدر مُقرّب من اللاعب لكنّها لم تكشف عن هويته، لكن كثيرون رجحوا هذا المصدر هو عباس ذاته، في محاولة لتخفيف الهجمة المحمومة على اللاعب من الصحافة الإنجليزية والعالمية.

صلاح، الذي أعلن في كثير من المناسبات فخره وسعادته بكونه مواطنًا مصريًا لا يتحدث عن الأزمة. ووكيله يفضّل الغموض. ومسؤولو الاتحاد ينفون أي رغبة للاعب في اعتزال اللعب الدولي، لكن انطفاء حماسه وتبدل ملامحه بين المباراتين الأولى والأخيرة للمنتخب، تكشف حجم ما لاقاه صاحب أكبر إنجاز عربي في الكرة العالمية، وإن لم يصرح. وأيًا كان ما ستشهده الأيام المقبلة فالمؤكد أن مسيرة صلاح الأوروبية والشعبية الكبيرة التي حصدها باتت مهددة وفي حالة من عدم الاتزان والسبب، الاتحاد المصري لكرة القدم.