تونس
فليكر

FYI.

This story is over 5 years old.

مرأة

كيف تتابع امرأة من صعيد مصر الانتصارات النسوية لنظيراتها في تونس؟

"الضرب ليلة الدخلة أمر شائع وعادي جدًا في قريتنا، البنت بتكون مكسوفة وخايفة فلازم تتضرب علشان تفك​"

بينما كان النقاش محتدمًا حول ما أحرزته تونس من تقدم في القضايا النسوية، وبالأخص فيما يتعلق بالمساواة في الإرث؛ كانت امرأة من صعيد مصر تتابع الموقف بضحك أشبه بالبكاء. المشهد بالنسبة لها يبدو كوميديًا، لكنها كوميديا سوداء، فالحديث عن الإرث – التى لا تحصل عليه المرأة الصعيدية في أغلب الأحيان - يعد مستوى متقدم من النقاش حول حقوق المرأة في مجتمع تفتقد فيه النساء والفتيات للكثير من الحقوق البديهية للإنسان.

إعلان

منذ أن تستقر في بطن أمها، تبدأ في مواجهة سلسلة من الرفض والاضطهاد، فما أن يعرف الأب أن زوجته تحمل في أحشائها أنثى حتى يبدأ في عقابها معنوياً على أقل تقدير، إذ قد يمتد الأمر للومها أو ربما سبها، وإذا تكرر الأمر سيكون عقابها زوجة أخرى. تروي إحداهن:" عندما كانت نسيبتي حاملاً كانت تلاقى معاملة كريمة وكان زوجها يدللها، حتى عرف أنها تحمل في رحمها أنثى، فبدأ يتجاهلها تماماً ويعاملها بقسوة كما بدأت أمه تحملها الكثير من شغل البيت على عكس ما كان قبل علمهم بنوع الجنين".

بعد الوضع، يذهب الجيران للوالدة لمواستها كما هو الحال مع الأب، فيستبدلون كلمة "مبروك" بـ"ربنا يعوض عليكم"، كما يحرم الوالدان من تلقى النقطة (مبلغ من المال يمنح في مثل هذه المناسبات على سبيل الهدية التي ترد في مناسبة مماثلة)، أو إقامة حفل "السبوع"، على عكس الذكر الذي تستقبله العائلة بالزغاريد والنقود والذبائح، وذلك أول القصيدة.

رغم ما تعانيه فتيات ونساء الصعيد من "استخدام غير عادل" حتى اليوم ترى أم "عبد الرحمن" أن فتيات هذا الجيل هن المدللات، يكفى أن أهاليهن لا يحلقن رؤوسهن كما حدث معها.

رغم ما تعانيه فتيات ونساء الصعيد من "استخدام غير عادل" إلى الآن، ترى المرأة الستينية أم عبد الرحمن - إذ لا تنطق المرأة الصعيدية اسمها الحقيقي باعتبار ذكره علنًا نوع من العار - أن فتيات هذا الجيل هن المدللات، يكفي أن أهاليهن لا يحلقن رؤوسهن كما حدث معها، إذ اعتاد أهل قريتها بسوهاج (إحدى محافظات صعيد مصر جنوبي العاصمة القاهرة)، أن يحلقن شعر الفتاة عندما يشرع في التدلي معلناً عن أنوثتها، وذلك حتى لا تفسد أخلاقها، إلى أن يبدأ أهلها في طرحها للزواج، بمجرد بلوغها، وربما قبل ذلك.

إعلان

لدى أم عبد الرحمن الكثير من التفاصيل التى تراها عادية نظراً لاعتيادها ونساء قريتها على تلك الأمور، منها مثلاً: "البنت عندنا بتتفطم قبل الولد، نفطم البنت على سنة و3 شهور، لكن الولد لابد أن يرضع من أمه عامين كاملين وربما يتجاوز ذلك لأن الولد يحتاج غذاء أكثر من البنت"، هذه هي قناعة أم عبد الرحمن وبقية نساء القرية، بعد أن استطاع الذكور فرض الإحساس بالدونية عليهن حتى أصبحت يتعاملون مع الأمر باعتباره من المسلمات.

حتى الطفولة التى تكاد تكون خالية من الحنان، تحسد أم عبد الرحمن فتيات هذا الجيل عليها:" زوجنى أهلى قبل أن تظهر على جسدى علامات الأنوثة لكن جوزي كان رجل طيب سافر الخليج ورجع بعد سنة، وقتها كان صدري كان قد برز ففرح ودخل عليا، دلوقتي البنات بتتجوز بعد بلوغها".

أم أحمد ( إحدى بنات أم عبد الرحمن)، زوجة وأم لثلاثة أبناء في الثالثة والعشرين، وهي ابنة هذا الجيل الذي تصفه أمها بـ"المدلل". تتذكر أم أحمد طفولتها : "كنت أغار كثيرًا من أخى الولد، كنت أفتقد الحنان لا أحد يدللني ولا يسمعنى، على عكس أخي الذي كان يقاربني في السن، كان يتلقى الدلال والاهتمام كله، حتى بلغت 10 سنوات، فبدأ حجزي.. والحجز عندنا هو أن تمنع الفتاة من الخروج من المنزل إلا في حالات الضرورة القصوى كالمرض الشديد وحتى المدرسة منعت منها بعد حصولي على الشهادة الابتدائية".

تقدم ابن عم "أم أحمد" لخطبتها وهي في الرابعة عشر من عمرها، فتوسلت إليه أن تكمل تعليمها أسوة بفتيات قرى أخرى حظين بمزيد من التعليم، ونظرًا لكونه جامعيًا وافق،وأتفق مع أهلها على الزواج بعد إتمامها الإعدادية، على أن تحصل على دبلوم تجارة بعد الزواج (شهادة متوسطة). وتم الأمر بنجاح. تقول أم أحمد: "كنت أتمنى أن أدخل الجامعة لكنها أمنية بعيدة في بلدنا الآن أتمنى فقط أن يمهلني زوجي وأهله استراحة من الحمل والولادة بعدما أنجبت لهم 3 ذكور متتاليين".

إعلان

الضرب ليلة الدخلة أمر شائع وعادي جدًا في قريتنا، أمال الرجل يعمل إيه؟ البنت بتكون مكسوفة وخايفة فلازم تتضرب علشان تفك!

بعد سنوات الحجز ومن قبلهم طفولة جافة وميلاد غير مرغوب فيه، يحين خروج البنت من منزل أهلها إلى منزل زوجها، وهنا يأتي دور ليلة الدخلة لتضع بصمتها على روح وجسد الفتاة، ثمناً لإنتهاء حجزها.

ليلة الدخلة، وفقاً لأم أحمد، محفوفة بالكثير من الألم والعنف بالنسبة للفتاة في الصعيد، لكنه الزواج فقط ما يخلصها من قيد الحجز، إذ يمكنها من الخروج من المنزل بصحبة زوجها وستتحرر نسبياً من الخوف على شرف العائلة، أو كما يقولون "هتتستر". تروى أم أحمد: "الضرب ليلة الدخلة أمر شائع وعادي جدًا في قريتنا، أمال الرجل يعمل إيه؟ البنت بتكون مكسوفة وخايفة فلازم تتضرب علشان تفك". هكذا تحدثت ابنه الثلاثة وعشرون ربيعًا عن الاغتصاب الزوجي باعتباره ضرورة وأمرًا عاديًا ومستساغاً. وتستطرد: "لي جارة أخذها أهلها للطبيب في حالة صعبة ليلة دخلتها بسبب الضرب من ناحية ودخول زوجها عليها بشدة من ناحية أخرى، أصيبت بتهتك في الرحم، وكانت بين الحياة والموت".

الذهاب إلى الطبيب هو ضرورة بالنسبة للذكور لكنه رفاهية بالنسبة للإناث أياً كان عمرهن. تقول أم أحمد: "عندما تمرض البنت حتى لو رضيعة يتم علاجها بالطرق التقليدية، ولا يتحمل أهلها عناء مراجعة الطبيب إلا في حالات المرض الشديد، لكن للذكور شأن آخر، السعال وحده كفيل بأن يهرع به أبيه إلى الطبيب، فالولد لدينا أهم ويجب الحفاظ عليه، أما البنت حتى عندما تموت لا يحزن عليها سوى أمها". وتضيف: "لكن ضرب ليلة الدخلة لا يفضى إلى الطبيب، فقط الحالات الحرجة والمصابات بالنزيف هن اللواتي يحملهن أزواجهن إلى الطبيب".

إعلان

تتذكر أم عبد الرحمن، والدة أم أحمد، عندما كادت أن تفقد إحدى بناتها دون أن يغير ذلك من قرار عدم اللجوء للطبيب. فتقول: "بعد ميلادها ظلت نائمة 3 ايام بلا رضاعة، ظننت أنها ستموت وجميع نسيباتي قلن لي يا خسارة كانت حلوة. بالفعل هي أحلى بناتي، وكنت أقول يلا مليش نصيب فيها، ثم فوجئت بها في اليوم الثالث تضع إصبعها في فمها فحملتها وأرضعتها وعاشت الحمد لله، لو كان ولد كان أعمامها سارعوا به من أول ليلة إلى الطبيب".

تلك الرضيعة التى صارعت الموت بمفردها وهي ابنة 3 أيام، تبلغ من العمر اليوم 28 عامًا، وهي أم لأربعة أطفال، أخذت عن الذكر فيهم كنيتها "أم عبد الله". عندما تزوجت أم عبد الله من صديق أخوتها، الذي اختاروه لها، ظنت أنها ستتخلص من قيد "الحجز" لتعيش حياة أفضل، لكنها فوجئت بأعباء لا يستطيع جسدها النحيل تحملها، فإزدادت نحافة، وازداد انزعاج زوجها من هذا الأمر.

في العادة يرتبط مجئ الرجل من الخليج في الصعيد بمهمة تلقيح الزوجة، لذا يتحدد الفرق بين الأبناء وفقًا لعدد السنوات التي يغيبها الأب!

تحكي أم عبد الله: "الرجل الصعيدي لا يحب المرأة النحيفة، لكن ما بيدي حيلة، أقضى يومي كله أخدم في البيت وأراعي أبنائي الأربعة وحدي، لأن زوجي يعمل في الخليج. لدي ولد و3 بنات، منهن بنت تحتاج لمجهود مضاعف نظراً لعجزها عن المشي. أجريت لها 7 عمليات جراحية، كنت وحدي معها وقت أن أجرتهم لأن أبوها كان مسافر، وكنت حامل، لأن زوجي يريد ولد آخر ولا يكتفي بواحد، لكن مع الأسف طلعت بنت.. والآن هو يطالبني بحمل خامس لكنني أشعر أن جسدي لا يتحمل".

تستطرد أم عبد الله:" طلبت من زوجي أن يمهلني بعض الوقت، لكنه أكد لى أن وسائل منع الحمل حرام، لأن الرسول قال: (تكاثروا فإني مباهي بكم الملائكة يوم القيامة)، قال لى أيضًا إن لم أفعل سيتزوج بأخرى، حتى أنه هددني بألا يرجع في إجازة هذا العام طالما أن قدومه سيكون عديم الفائدة مادمت لن أحمل".

إعلان

في العادة يرتبط مجئ الرجل من الخليج في الصعيد بمهمة تلقيح الزوجة، لذا يتحدد الفرق بين الأبناء وفقًا لعدد السنوات التي يغيبها الأب، فإن غاب عام يصبح الحمل التالي في العام التالي، وإن غاب ثلاثة يصبح الفرق بين الحمل والآخر ثلاث سنوات، وهو ما تحسد عليه أم عبد الله أختها:"زوجها قعد 3 سنين مينزلش إجازة لدرجة أنها هددته بالعودة لمنزل أهلها.. فأضطر للنزول".

تشكو أم عبد الله من نقص حاد في الحديد وفيتامينات آخرى، يبدو نقصانها على وجهها الشاحب وشعرها الذي تساقط معظمه، وجسدها الذي ازداد نحافة بعد وضع 4 أطفال متتالين، لكن ما يؤرقها هو عدم رضا زوجها الدائم، تقول: "أحياناً يؤنبني إذا وجد الولد ضعيف في إحدى المواد يقول لي لو كنتي بتقومي بدورك وتذاكريله لأصبح مستواه الدراسي أفضل، لكن كيف لي برعاية طفلين في مدارس ورضيعة ومريضة وحدي وأنا صحتي على قدي، وكمان متابعة دروس الولد بالأخص؟".

لكن حال أم عبد الله أفضل من والدتها التى فقدت معظم أسنانها في عمر الـ40 بسبب إنجاب 8 أطفال متتالين، ما أفقد جسدها معظم العناصر الغذائية، خاصة أن المرأة في الصعيد لا تهتم بغذائها هي فالأهم أن يأكل الرجال. تقول أم عبد الله: "إذا جلست المرأة على مائدة مع رجال، زوجها وأخوته مثلاً، لا يصح أبداً أن تأكل لحماً أحمر، فالأولى به الرجال، أما هي فتأكل ما تبقى أو القليل، أما إن وجد لحماً أبيضًا (دجاج) على المائدة ،فيكون من نصيب النساء، الرجال لا يعترفون بالدجاج، لذا فهو للنساء".

الخبز والتنظيف والعناية بالبهائم والأبناء هي مهمة الزوجة الصعيدية، أياً كان حالها، خاصة أن وجود خادمة بالبيت الصعيدي أمراً مسئ لكلاهما - الخادمة وصاحبة المنزل - لذا ترفض العائلات أياً كان مستواها الاجتماعي تشغيل نسائها بالبيوت، وإن فعلت، يلوم أهل القرية صاحب البيت لاستقدام خادمة في ظل وجود فتيات ونساء بالمنزل. لذا عندما تكون المرأة حامل يصاب جسدها بالضعف الشديد نظراً لقيامها بكل تلك المهام بجانب حملاً تلو الآخر، إلى أن تفقد المرأة القدرة على الإنجاب، لكنها حينئذ تكون قد فقدت الكثير من صحتها،وربما تفقد زوجها أيضاً. وفقًا لسيدات القرية، يتزوج الرجل بأخرى ويصبح ذلك مستصاغاَ إجتماعياً إذا ضعفت زوجته فلم تعد قادرة على الوفاء بواجبتها الزوجية، سواء كانت خدمة أو جنس، أو إذا عجزت المرأة عن ولادة ذكر.

لم يهتم رجال الصعيد بالحديث الدائر عن ميراث المرأة في الأيام الأخيرة، فهم يرون أن منع الميراث عن النساء، كما يحدث في أغلب الأحيان في الصعيد، يصب في مصلحتهن، ولا يشعرون بتأنيب ضمير أو مخالفة لشرع الله في ذلك، يقول محمد السيد، أحد رجال القرية :"نحن نحفظ لهن حقهن، فلو أخذن ميراثهن يصبح ملكاً لزوجها، وقتها إذا طلقها أو طردها لن تجد مالاً ولا بيت يأويها، لذا نحتفظ لأخواتنا البنات بحقهن في بيوتنا وأراضينا حتى نرى أنهن يحتجنه بالفعل".

لا ينكر السيد دور الضغينة في حرمان المرأة من ميراثها في الصعيد: "بصراحة لا أقبل أن يتحول جزء من أملاك عائلتي لعائلة أخرى، منذ أن تتزوج الفتاة تصبح ملكاً لزوجها وعائلته.. فلماذا يشاركني رجلاً من عائلة أخرى ملكي وملك عائلتي؟".