Somaya_Abdelrahman_5
عادة ما يتم تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية من قبل إمرأة لديها القليل من المعرفة بالطب. لا يتم استخدام التعقيم ولا التخدير، ويتم قطع الأعضاء التناسلية باستخدام سكين أو شفرة.
مرأة

جُرحٌ دائم: مصورة مصرية توثق تجارب الختان في الريف المصري

ما زال الختان يتم بطرق بدائية دون تخدير الطفلة أو تطهير وتعقيم الأدوات والتي ينتج عنها فظائع تصل إلى الموت

بعيون نسائية ورؤية نابعة من تجربة شخصية، انطلقت المصورة المصرية الشابة سُميّة عبد الرحمن، ٢٤ عاماً، بشغّف حاملة كاميرتها إلى قرية صغيرة، توثّق واحدة من أعتى قضايا حقوق النساء الجنسية والإنجابية في مصر، وهو تشويه الأعضاء الجنسية الأنثوية والمعروف "بالختان." 

إعلان

وعلى الرغم من أن مصر حظرت وجَرمت الختان قبل أكثر من عِقد من الزمن، لكن الممارسة لا تزال مستمرة وخاصة في القرى. ووفق آخر إحصاء نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة، بلغت نسبة الفتيات والنساء اللواتي خضعن لعمليات ختان نحو 87 في المئة، وتراوحت أعمارهن بين 15 و49 عاما.

مدفوعة بإيمانٍ راسخ عن دور الفن في تسليط الضوء على قضايا النساء، قررت سُميّة أن تنقل صوّر حيّة لحيوات النساء اللواتي تعرّضنّ لهذه الجريمة، ناقلة بحرصٍ ما تراه عيون امرأة وجدت في الفن سبيلًا لكسر حواجز الصمت والتضامن مع نساء مررنّ بنفس تجربتها الشخصية. تحت عنوان "جرحٌ دائم" A Permanent Wound بدأت سُمية مشروعها عام ٢٠١٨، في قرية تابعة لمحافظة الفيوم، ليكون واحدًا من أبرز مشروعات الفوتوغرافية الوثائقية عن النساء في ريف مصر. تحدثت مع سمية التي تقيم في تركيا عن هذا المشروع، الذي كاسمه مازال جُرحاً دائماً حتى اليوم.

VICE عربية: لماذا اخترت الختان ليكون أحد مشاريعك الفوتوغرافية؟
سمية عبد الرحمن:
قررت أن يكون تشويه الأعضاء الجنسية للإناث أحد مشاريعي لأنه نابع من تجربة شخصية. فلقد تم ختاني في سن العاشرة. وبالتالي أنا أشعر بكل امرأة وفتاة تم تشويه أعضاءها التناسلية، وأقف معها جنبًا إلى جنب. وسبب اختياري لاسم مشروعي جرح دائم، هو أن ما يتركه تشويه الأعضاء التناسلية من جروح نفسية وجسدية يظل أثرها دائم ومستمر. بعض النساء تتعافى منه، وبعضهنّ تُلازمها الصدمة حتى الموت.

هل كان الوصول للنساء المتعرضات للختان سهلًا عليكِ؟ كيف تواصلتِ معهنّ؟
كان الوصول سهلًا للغاية لأن اغلب نساء الريف مختنات. تواصلت معهن عندما سافرت لقضاء الإجازة عند خالتي في إحدى قرى محافظة الفيوم. تعمل خالتي محفظة قرآن للفتيات والنساء في القرية، ومن خلالها تعرّفت على الفتيات اللواتي تعرضن للختان.

إعلان
Somaya_Abdelrahman_13.jpg

طالبات عائدات من المدرسة بإحدى قرى الفيوم. جميع الصور مقدمة من سمية عبد الرحمن.

هل واجهتكِ أي عقبات حول إقناعهنّ بالتصوير؟
بالنسبة للريف، فالحديث عن موضوع حسّاس مثل ختان الإناث لم يكُن سهلًا. حتى أنني عندما طرحت المصطلح كان رد فعلهنّ التلقائي هو توبيخي: "عيب اللي بتتكلمي فيه ده. انتي بنت. اتكسفي." لم أفقد الأمل. تابعت محاولاتي في فتح النقاش بطرق مختلفة. لم أعرض عليهن التصوير في البداية ولكن تعرفت عليهنّ وقمت بزيارتهنّ عدة مرات. تبادلنا الأحاديث عن ختان الإناث وآرائهنّ فيه. كان عليّ تقديم نفسي كواحدة منهنّ، لأنني واحدة منهنّ بالفعل. لذلك وثقنّ بي. ومن هنا بدأت رحلة التصوير. 

قمت بمشروعك في مناخ عام متحفّز ضد النساء.. امرأة شابة تحمل كاميرا وتجوب القرية بحثًا عن قصة لامرأة مختّنة لتصويرها... هل الأمر يستحق المخاطرة؟
بالتأكيد يستحق المخاطرة. النساء في مصر يتم انتهاك أجسامهنّ وبتر أجزاء منها بحجج ومُبررات مختلفة. يبترون أجزاء من أجسامهنّ ويتركون لهنّ ذكريات قاسية عن مرحلة الطفولة التي من المفترض أن تكون أفضل وأجمل مراحل العمر. يدمّرون طفولتهنّ. وهذا الانتهاك لا يتوقّف هنا. فهو مستمر بأشكال أخرى ومتعددة حتى نهاية عمر كل واحدة منهنّ.

لقد قضيت جزء من طفولتي في الريف وشهدتُ بنفسي العنف الأسري وما يسمى بـ"جرائم الشرف" التي لا يتم فيها مُعاقبة الرجال. وللأسف الشديد، مع تجريم القانون المصري لتشويه الأعضاء الجنسية للنساء منذ عام ٢٠٠٨، فما زال الختان مستمرًا حتى هذه اللحظة في الريف وخارجه. مازال يتم الختان بطرق بدائية بدون تخدير الطفلة أو تطهير وتعقيم الأدوات والتي ينتج عنها فظائع تصل إلى الموت بسبب النزيف أو العدوى. في الريف، القانون الوحيد هو العادات والتقاليد.

إعلان
Somaya_Abdelrahman_1.jpg

صابرين، ٢٣ عامًا، لا تعرف سبب ختانها، لكنها تعلم أنه أمر لا مفر منه.

من تجربتك، كيف يكون الفن وسيلة فعّالة لطرح قضايا النساء أو قضايا متعلقة بالتابوهات الاجتماعية؟
عرض قصة بصريًا من خلال التصوير الفوتوغرافي يوفر وسيلة لفضح حقيقة قبيحة أو لرواية قصة. أعتقد اعتقادًا راسخًا أن العناصر المرئية يمكن أن تعزز قضية. وهذه هي وسيلتي للمشاركة بشكل خلاق في قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. التصوير الوثائقي هو بالتأكيد إحدى الطرق لمعالجة هذه القضايا، على الأقل لبدء محادثة، وزيادة الوعي وتحسين التعليم بشأن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث. كما أنه يشجع الناجيات من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية والمزيد من الرجال على التوقف والتمرد ضد هذه الممارسة الإجرامية. ولا شك أنه يجذب انتباه الحكومات والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة والمعنية التي تعمل على مكافحة هذه القضايا الثقافية والاجتماعية المعقدة والعميقة الجذور مثل تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.

هل تنوين العمل على مشروع نسائي آخر قريبًا؟ 
أنا بالفعل أعمل على مشروع فوتوغرافي وثائقي عن حضور النساء الواضح منذ ثورة يناير المجيدة وحتى الآن. لذلك يقدم هذا المشروع القادم قصصاً لهؤلاء النسوة، سواء تعرضن لتجربة اعتقال وتم الإفراج عنهن أو ما زلن رهن الاعتقال. ويسلط الضوء على الانتهاكات والخسائر التي نجمت عن الاعتقال ويشرح التجربة المؤلمة التي مروا بها. 

مزيد من الصور من مشروع "جرح دائم" للمصورة سمية عبد الرحمن.

Somaya_Abdelrahman_2.jpg

بالنسبة لمن يقومون بهذه الممارسة، فإن تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية هو من ضمن طقوس مرور الفتاة من مرحلة الطفولة إلى البلوغ، حيث تصبح جاهزة للزواج.

Somaya_Abdelrahman_3.jpg

دعاء، ١٢ عامًا، أخذتها والدتها إلى جدتها أثناء إجازة الصيف حتى يتم ختانها، هذه هي العادات في القرى الريفية، تعتقد والدتها أن ذلك سيحميها من الخطيئة.

Somaya_Abdelrahman_4.jpg

أثناء ختانها، قامت إحدى الأقارب باسكات دعاء وشَدت على يديها حتى ينتهي الختان. لكن دعاء كانت تختنق وتصرخ من الألم حتى أغمى عليها.

Somaya_Abdelrahman_6.jpg

سعدية، قابلة تقوم بختان الإناث في قرية الفيوم. بالنسبة لها تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية هو الطريقة الوحيدة لكسب عيشها. ولكنها تقوم بذلك عن قناعة لحماية شرف المرأة، فقد قامت بختان بناتها وحفيداتها. ختان الإناث برأيها يساعد على تطهير الفتاة وبالتالي تكون فرصها بالزواج أعلى.

Somaya_Abdelrahman_7.jpg

غرفة القابلة.

Somaya_Abdelrahman_8.jpg

حتى في حال منح النساء حقوق مساوية في القانون، المجتمع المصري لا يزال يفرض قواعده الخاصة على النساء، ويعتقدون أن هذه هي الطريقة الصحيحة لحمايتهن.

Somaya_Abdelrahman_12.jpg

في مصر، تحمل الجدران آثار أيدي ملحظة بالماء احتفالاً بتقدمة الدم في عيد الأضحى، فيما تحمل أجساد النساء آثار أيدي ملطخة بالدماء للاحتفال بأخرى.

حصل مشروع "جرح دائم" على دعم الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) عام ٢٠١٩، وحصل المشروع على جائزة مؤسسة (Too Young to Wed) بالتعاون مع (Canon USA) عام ٢٠٢١. 

ملاحظة: قمنا بإزالة بعض الصور بعد نشر المقابلة، بسبب حساسية الموضوع.