VICE Climate Change (1)
بيئة

فيضانات وحرائق -ما هي العلاقة بين التغير المناخي والكوارث الطبيعية التي شهدتها المنطقة

ارتفاع مستوى سطح البحر سيؤدي لغرق عدد من المدن الساحلية من بينها البصرة والإسكندرية

تعرضت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعدد من الكوارث الطبيعية خلال الأسابيع السابقة، من السودان الذي تعرض لفيضانات كبيرة الشهر الماضي خلفت 138 حالة وفاة وانهيار قرابة 99 ألف منزل، إلى موجة جديدة من الحرائق ضربت مناطق متفرقة في سوريا ولبنان وفلسطين، وخلفت أضرارًا كبيرة وصفت بأنها ضمن "أكبر سلسلة حرائق على مر السنين" كما أجبرت آلاف الأشخاص على ترك ديارهم.

ونسب كثير من الخبراء سلسلة الكوارث الطبيعية التي تضرب المنطقة إلى التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، ولتوضيح العلاقة بين الأمرين التقينا بالخبير البيئي خالد سليمان، وهو إعلامي متخصص في قضايا البيئة، ومدرب على قضايا البيئة ببعض المنظمات والهيئات الدولية بينها المركز الفرنسي cfi لتطوير الإعلام، ومؤسسة internews، وهو أيضا مؤلف كتاب "حُراس المياه.. الجفاف والتغير المناخي في العراق."

إعلان

Vice عربية: إلى أي درجة تعتقد أن الحرائق والفيضانات التي تحدث في المنطقة العربية حاليًا لها علاقة بالتغيرات المناخية؟ 
خالد سليمان: بالتأكيد هناك علاقة مباشرة، علاوة على أنه قد يكون هناك أنشطة بشرية تتسبب في اندلاع شرارة الحرائق، وتنتشر من منطقة لأخرى بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي ينتج عنها جفاف مساحات كبيرة بهذه الغابات بسبب قلة المياه وندرة الأمطار وتذبذب مواعيد هطول الأمطار. وبالنسبة للفيضانات فإن تغير كميات سقوط الأمطار على الأرض وتغير مواسم هطولها يتسبب في تصلب طبقات الأرض، وبالتالي فإن هطول أمطار غزيرة يتسبب في حدوث فيضانات لعدم قدرة الأرض على امتصاص كميات المياه الكبيرة التي سقطت عليها.

كوكب الأرض يحكمه نظام طبيعي وبيئي متوازن وخلاق، يعمل وفقا لآليات ذاتية وطبيعية وعندما يحدث خلل في أيً من جوانب هذا النظام البيئي تحدث الكوارث الطبيعية، على سبيل المثال عندما تتعرض الأرض إلى التدمير بسبب النشاط البشري والزراعة غير السليمة واستخدام المبيدات الحشرية، وإقتلاع الغابات والتوسع في المساحة العمرانية على حساب المساحات الخضراء، فهذه العوامل جميعها تؤدي إلى تدمير الأرض وتلوث ثالوث التوازن البيئي على الأرض: المياه والتربة والهواء، فأي تلوث أو تخريب بأحدها ينتج عنها كوارث طبيعية. استخدام البشر المفرط للمبيدات الحشرية من أجل الزراعة، أدى لجعل التربة غير قادرة على امتصاص الغازات الدفيئة في الهواء، أو تنقية أو تغذية نفسها وهي مهمة تقوم بها الأحياء الدقيقة، وهلاك هذه الأحياء مرتبط بعدد كبير من الكوارث الطبيعية، بينها ارتفاع درجات الحرارة وكثرة الغازات الدفيئة التي تؤدي إلى تسخين وتدفئة الجو.

إعلان

ماذا عن تأثير النشاط البشري؟
هناك أجزاء من البحر الأبيض المتوسط نشهد ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة بسبب التغير المناخي، وأصبح صيفه طويلاً، ما يؤدي إلى تَيَبس مساحات واسعة من الأشجار والأحراش. وأدى التغير ذاته إلى تدني مستوى الرطوبة وزيادة التيارات الهوائية الجافة، مما يؤدي إلى زيادة قوة الحرائق. هذا من جانب بيئي، ولكن النشاط البشري هو عامل مهم في زيادة كل هذه التأثيرات، ابتداءً من الإدارة الفاشلة للغابات والأحراش والنشاط البشري المتمثل بالزراعة، التحطيب، التفحيم، والعمران. وتشير نقاط توزيع نشوب الحرائق، إلى أن مصادرها متنوعة ولا تتصل بالضرورة ببعضها بعضاً، أي أن العامل المناخي يساعد على سرعة تفشيها ولكن ليس على إطلاق شرارتها.

ما هي أبرز الأضرار البيئية التي لحقت بمناطق اندلاع الحرائق؟
الحرائق التي ضربت مناطق عدة في سوريا ولبنان فاقت المعدلات الطبيعية، التهمت النيران أشجار معمرة عمرها مئات السنوات ونباتات أصلية مستوطنة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وأعداداً هائلة من أشجار الزيتون وبساتين الفواكه. ففي بلدة حب نمرة وحدها في محافظة حمص احترقت 1،000 شجرة زيتون تقريباً، إضافة إلى أشجار مثمرة أخرى مثل الرمان والتين وعرائش العنب. وزارة الزراعة السورية أشارت كذلك إلى أن النيران التهمت غابات عذراء تحتوي على نباتات متنوعة ونادرة. في محافظة اللاذقية وحدها، احترق نحو 600 هكتار من الأراضي، بعدما نشب فيها 79 حريقاً، وهو الرقم الأكبر في تاريخ الحرائق في سوريا.

ما هو تأثير هذه الحرائق على النظام البيئي بمنطقة الشرق الأوسط؟
للحرائق عدة أضرار على النظام البيئي، إذ تخزن كل شجرة في دورة حياتها 22 طناً من ثاني أكسيد الكربون في جذعها وأغصانها، علاوة على إنتاجها الهيدروكربون كوقود للنمو ودورها في سقوط الأمطار. ويتسبب موت الغابات جراء الحرائق في إطلاق المزيد من ثاني أكسيد الكربون، ليس في سوريا ولبنان فحسب، بل في عموم المنطقة، إذ أن الغابات والحرجيات المتوسطية لها تأثير مناخي من ناحية الرطوبة والأمطار والرياح على عموم المناطق الداخلية جنوب البحر الأبيض المتوسط. وبشكل عام، فإن الأشهر الستة الأولى من عام 2020 هي بالفعل الأسوأ على الإطلاق في مجال إزالة الغابات وارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون بشكل غير مسبوق.

ما هي أكثر الدول العربية المهددة بكوارث طبيعية بفعل التغير المناخي؟
الدول العربية باتت تعيش آثار التغيرات المناخية في الوقت الراهن، كما نرى الأوضاع في العراق ومصر وبلدان المغرب والمشرق العربي، إذ باتت غالبية الدول العربية مهددة وتتعرض حاليًا لآثار التغيرات المناخية بشكل مباشر، لأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أفقر منطقة بالعالم من حيث المصادر الطبيعية المتجددة، هناك 6% من سكان الأرض يعيشون داخل هذه المنطقة، بينما كمية المياه العذبة المتجددة الموجود بهذه المنطقة لا تكاد تصل إلى 1% من كمية المياه العذبة الموجود على سطح الأرض. لاحظ الفرق الكبير بين كمية السكان والمياه المتوافرة لهم، وبالتالي هناك مزيد من الطلب على المياه وعلى الغذاء وعلى الطاقة، وجميع هذه المطالب بحاجة إلى المياه والبيئة الصحية والمصادر الطبيعية المتجددة.

هناك أخطار جدية إذا استمر درجات الحرارة في الارتفاع، يمكننا القول إن بعض الدول والمدن العربية ستشهد كوارث بيئية، فعلى سبيل قد تغرق مناطق في جنوب العراق وفي مقدمتها مدينة البصرة. وفي مصر باتت مدينة الإسكندرية معرضة للغرق بشكل كبير، لأن ارتفاع درجات الحرارة والاحتباس الحراري يتسببان في ذوبان كميات هائلة من الأنهار الجليدية بالعالم، وبالتالي يرتفع مستوى سطح البحر ما يعرض مدن ساحلية كثيرة بالعالم إلى الغرق. وقد بدأت ولايات أمريكية فعليًا في بناء جدران حديدية ضخمة لصد المياه لكن الحكومات العربية لا تفكر في هذا الأمر حتى الآن. التغيرات المناخية ستتسبب كذلك في نزوح أعداد هائلة من السكان المحليين بهذه المناطق إلى مناطق أخرى، وبالتالي سيحدث ضغط على الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية بهذه المنطقة.

كيف يمكن تجنب التأثيرات السلبية لتغير المناخ على المدى القريب؟
هناك آليات حل محلية وثانية إقليمية وثالثة دولية، فالشعوب العربية لا تستطيع أن تواجه التغير المناخي لوحدها، لكن بإمكانها أن تضع خطط محلية وطنية لتقليل الأضرار التي يحدثها التغير المناخي من بينها: العمل على نشر وزيادة الوعي العام والاهتمام بإدارة المياه بطرق سليمة، وتجديد وإصلاح أنظمة الصرف الصحي والاستفادة من النظم البيئية الموجودة داخل البلدان، في جنوب العراق مثلاً تعتبر الأهوار العراقية منطقة بيئية خصبة جدًا، تمتاز بقدر عالي من التنوع الإحيائي تشمل الطيور والحيوانات والأشجار، هذه الأهوار تمتص كميات هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون، وتوفر الأكسجين في الهواء، كما أنها تعتبر رئة للمنطقة المحيطة بها، لذا علينا المحافظة على هذه الصفات الموجودة في الأنظمة البيئية.

من المهم كذلك الاهتمام بالتعليم وإدخال مادة التغير المناخي على التعليم لتنشئة جيل جديد قادر على فهم والتعامل مع التغيرات المقبلة. كما على الدول العربية أن تفكر في وضع استراتيجية إقليمية مع دول الجوار، خاصة بين دول منابع الأنهار ودول المصب، لوضع سياسات حاكمة تحمي شعوب المنطقة بالكامل. وفي النهاية، أرى أن على البلدان العربية أن تفكر جديًا في اتخاذ خطوات جادة نحو التنظيم السكاني، لأنه كلما ازداد عدد السكان تزداد الضغوط الاقتصادية ويزداد الضغط على المياه والغذاء والسكن والطاقة.