image00006
منطقة الأهوار مع انحسار وجفاف الماء. أهوار الجبايش، العراق. ٢٤ أغسطس ٢٠٢٢.
بيئة

أهوار العراق تصارع الجفاف والموت

تتعررض الأهوار لتجفيف، يعد هو الأقسى والأشد، منذ أكثر من مئة عام

مع ارتفاع درجات الحرارة وشح الأمطار بفعل ظاهرة التغير المناخي، تتزايد المخاوف من تعرض منطقة الأهوار في العراق لجفاف تام.

الوضع الصعب الذي وصل إليه جفاف الاهوار، قضى تقريبًا، على الثروة الحيوانية، حاملًا معه كارثة بيئية وانسانية، إذ تبدو ملامح العطش، والجفاف الحاد، وحتى الموت، واضحة على المسطحات المائية الموجودة في العراق منذ آلاف السنين، والممتدة على مساحة ثلاث محافظات جنوبية عراقية، وهي ميسان، الناصرية، والبصرة.

إعلان

وتعتبر الأهوار، من أبرز المناطق السياحية العراقية وقد تم إدراجها على قائمة التراث العالمي الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة للعلم والثقافة والتربية (اليونسكو) باعتبارها واحدة من أكبر المسطحات المائية الداخلية في العالم في بيئة جافة وشديدة الحرارة، وكونها تمثل ملاذًا بيولوجيا متنوعًا وموقعاً تاريخيًا لحضارة ما بين النهرين. ويعتقد أيضاً أنها "جنة عدن" المذكورة في التوراة.

الأهوار هي محمية طبيعية، للعديد من الحيوانات النادرة والمعرضة للانقراض، ومكان استقرار الكثير من الطيور المهاجرة بين سيبيريا وإفريقيا. ويقطن عرب الأهوار في المنطقة منذ آلاف السنين، يقدر عددهم بنحو ٣٠٠ ألف شخص تم تصنيفهم بالسكان الأصليين للعراق منذ نشوء الحضارة السومرية، بحسب مجموعة العمل الدولية لشؤون السكان الأصليين.

تتعرض اليوم الأهوار لتجفيف، يعد هو الأقسى والأشد، منذ أكثر من مئة عام في ظل أزمة الجفاف التي تتفاقم عاماً بعد الآخر. بين عامي 2020 و2022، تسبب انخفاض مستوى المياه والرطوبة في تجفيف 46% من المسطحات المائية في الأهوار، بحسب مسح قامت به منظمة "باكس" الهولندية غير الحكومية معتمدةً على صور من الأقمار الاصطناعية. 

إعلان
image00002.jpeg

صبي يجلس فوق سقف منزله، وهو ضمن من العوائل القليلة المتبقية في الاهوار بعد نزوح أغلبها. أهوار الجبايش، العراق. ٢٤ أغسطس ٢٠٢٢.

يعاني العراق من وضع بيئي قاس نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وقلة سقوط المطر بل وانعدامه في بعض مناطقه خلال الأعوام السابقة. ويشير الخبير البيئي أحمد صالح نعمة، أن هناك عدد من الأسباب المتراكمة، والتي أدت بنهاية الأمر، لترحيل ونزوح مئات العوائل قسراً، ونفوق الحيوانات وتهديد الأمن الغذائي بسبب الهبوط الكبير في إنتاج المحاصيل الحقلية مثل الحنطة والشعير والرز.

ويضيف في حديثه لـ VICE عربية: "الجفاف الذي تعاني منه منطقة الأهوار مرتبط بعدة عوامل واحد منها تغير المناخ، حيث يعد العراق خامس الدول الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية. العامل الثاني هو قيام تركيا ببناء العديد من السدود على نهري دجلة والفرات، مما سبب انخفاضاً بنسب إطلاقات المياه حتى أدنى درجاتها، وصارت لا تمنحه حصته المتفق عليها من المياه، فيما تساهم إيران من جهة أخرى، بقطع سريان المياه للروافد العراقية، وتحويلها إليها."

image00003.jpeg

راعي يحاول إيجاد مياه لأجل حيواناته، بعد جفاف ارضه. أهوار الجبايش، العراق. ٢٤ أغسطس ٢٠٢٢.

ويكمل: "هناك كذلك عامل سوء الإدارة، فقد أهدرت وزارة الموارد والمياه العراقية في النصف الأول من العام، كميات ضخمة من المياه، ولم تقم بتخرين المياه بشكل كاف خلال مواسم هطول الأمطار السابقة وساهمت بحفظ المتبقي، لبحيرات وسدود شمال ومنتصف العراق فقط."

تغير المناخ وشح المياه والنزاع مع تركيا وإيران حول حصص العراق المائية، جميع هذه العوامل أدت لتصحر أكثر من ٥٠٪؜ من الأراضي الزراعية في العراق، خصوصاً في مناطق الوسط والجنوب، وجفاف الخزانات المائية السطحية مثل بحيرة حمرين التي تمد ما يقارب 65 بالمئة من الأراضي الزراعية في محافظة ديالى. وفي الإجمال، تضرّر سبعة ملايين عراقي من 40 مليونًا، من "الجفاف والنزوح الاضطراري" وفق ما ذكر الرئيس العراقي برهم صالح في تقرير أصدره عن التغير المناخي.

إعلان
image00001.jpeg

آخر ما تبقى من الجواميس بعد نفوق غالبيتها نتيجة انحسار الماء. أهوار الجبايش، العراق. ٢٤ أغسطس ٢٠٢٢.

image00004.jpeg

سيدة أهوارية تحاول رعاية ما تبقى من جواميسها في ظل تغير المناخ ونقص المياه وزيادة ملوحتها. أهوار الجبايش، العراق. ٢٤ أغسطس ٢٠٢٢.

استمرار هذا الوضع بدون وضع أي خطط بديلة، سينتج عنه هجرات جماعية لسكان مناطق الأهوار نحو مدن ومناطق عراقية أخرى. ويعتمد سكان الأهوار على مياه نهري دجلة والفرات، لرعي وسقي جواميسهم وصيد السمك والزراعة وخاصة زراعة الأرز. وحذرت منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة في تقرير نشر في يوليو من أن الأهوار "واحدة من أفقر المناطق في العراق وإحدى أكثر المناطق تضرراً من تغير المناخ ونقص المياه."

إعلان

تلوث المياه في نهري دجلة والفرات بمياه الصرف الصحي أدى كذلك إلى رفع مستوى الملوحة في الأراضي الزراعية مما أدى كذلك لقتل المحاصيل الزراعية ونفوق الحيوانات نتيجة للتسمم، حيث تلقى 70 في المئة من نفايات العراق الصناعية مباشرة في الأنهار أو في البحر، وفقا لبيانات جمعتها الأمم المتحدة.

وتعرضت الأهوار، لتجفيف قاس، في منتصف الثمانينات، من قبل نظام صدام حسين، حيث قام النظام السابق بتجفيف الأراضي لمنع معارضيه من الاختباء فيها وتوظيف طبيعتها التضاريسية لصالحهم، مما اضطر العوائل للنزوح إلى القرى، أو المدن القريبة. بعد سقوط نظام صدام في 2003 قام سكان بتدمير الكثير من السدود للسماح باندفاع المياه مرة أخرى.

image00001 (2).jpeg

سيدة وزوجها، على ظهر "المشحوف/القارب" الأهواري، ومحاولات صيد يائسة. أهوار الجبايش، العراق. ٢٤ أغسطس ٢٠٢٢.

انخفاض مناسيب المياه انعكس سلبًا على مجمل الحياة في مناطق الأهوار. أحمد عباس، ٢٤ عاماً، الذي يسكن في هور الحويزة، فقد مهنة أجداده، وهي صيد الأسماك، كما خسر أكثر من سبع جواميس تمتلكها عائلته. ويبين عباس لـ Vice عربية، أنه واقاربه فقدوا كل ما يملكون: "لا تتوفر لدينا مهن حكومية، ولا رواتب ثابتة، أننا نعيش على مهنتنا الطبيعية الخاصة ولم نكن يوماً عالة على الحكومة، بل بالعكس، كانت الأهوار مصدراً سياحياً منعشاً، أن نزحت قسرًا من بيئتي، ماذا سأعمل؟ هل يفكر أحد بنا؟"

إعلان

في هذا العام نفقت جواميس صادق مصطفى، ٢٢ عاماً، الذي يشير إلى أن الدمار الذي يلحق بالأهوار يؤثر على كل مفاصل حياتهم الاجتماعية ويدمرها، ويقول: "هناك زيجات تتدمر بسبب عدم وجود عمل ومصدر دخل وأطفال تنفصل عن عوائلها التي ستبحث عن لقمة عيش من الصفر." 

ويعتبر نهر الفرات المصدر الأساسي لأهوار الجبايش، شرق مدينة الناصرية، الذين يعتمدون في معيشتهم على صيد الأسماك وتربية الجواميس، وتشير التقارير إلى انخفاض مستوى مياه نهري دجلة والفرات في العراق سيصل لما نسبته 73% مع ارتفاع درجات الحرارة لمعدلات أسرع بسبع مرات من الارتفاع العالمي.

إعلان

حسن محمد، من أهالي أهوار الجبابش الذين غادروها بعد تجفيف الثمانينات، وسكنوا في أفقر أحياء بغداد، قبل أن يعودوا إلى قريتهم بعد عام ٢٠٠٣، يؤكد لـ Vice عربية، أنهم خسروا كل جواميسهم عند تهجيرهم الاول. ويضيف: "بدأنا بمزاولة مهن مختلفة، مثل صناعة الحصير من القصب وصيد السمك، وتمكنّا من شراء الجواميس والعودة لممارسة حياتنا. ولكن أعاد التاريخ نفسه، ومرة أخرى، خسرنا كل شيء، فقدنا حتى اليوم عشرة جواميس."

image00008.jpeg

يبدو دلو حليب الجاموس الذي تحمله هذه المرأة فارغاً. أهوار الچبايش، العراق. ٢٤ أغسطس ٢٠٢٢.

"ما يحدث هو تغيير ديموغرافي هائل، وان ارتحلت هذه المجاميع من قراها وبيئتها، سيكون الخلل كبير جداً، لأنهم لا يستطيعون العيش في المدينة، وليس بإمكانهم، امتهان وظائف المدينة، هم ببساطة من وإلى الماء،" يضيف الخبير البيئي نعمة: "ما يحدث الآن، هو مزيد من النازحين، والبطالة، والجوع. بدأت الكثير من العوائل بالنزوح بعد أن قضى الجفاف بنسبة ١٠٠٪؜ من أهوار محافظة ميسان، و٦٠٪؜ على أهوار الناصرية والبصرة، وتنتظر التجمعات البشرية هناك، مصيراً مشابهاً."

وأطلق ناشطون عراقيون مؤخراً حملة لحثّ الحكومة على مساعدة أهالي الأهوار تحت هاشتاغ أنقذوا الأهوار في محاولة لتسليط الضوء على ما يجري هناك في ظل ما اعتبره البعض تجاهل تام من الحكومة، كما طالب مسؤولون وناشطون مؤخراً بإعلان الأهوار كمنطقة منكوبة.

وبحسب مقرّر لجنة المياه في البرلمان العراقي النائب عادل المختار، فإن هناك عدة حلول للتعامل مع قضية جفاف الأهوار من بينها، الضغط على دول الجوار لحملها على الانضمام إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المختصّة بتوزيع المياه بين الدول، ترشيد استهلاك المياه، تأمين إيرادات مائية كافية للأهوار من خلال دعم النقص في إيرادات نهر الفرات من نهر دجلة وتفعيل برامج إغاثية هادفة إلى إنقاذ السكان المحليين وثروتهم الحيوانية.