ألعاب فيديو

لماذا اعتبر The Last of Us Part II من أفضل التجارب التي خضتها في عالم ألعاب الفيديو

بعد كل الضجة التي أثارتها اللعبة وصلت اليوم إلى مكانها الذي تستحقه
2510225ed61038a780b9
The Last Of Us Part II. Credit: Naughty Dog

ملاحظة: هناك حرق للأحداث في هذا المقال.

كان إطلاق لعبة The Last Of Us Part II ظاهرة لن تتكرر على المدى القريب بسبب الإنقسام الكبير الذي صاحبها من قبل اللاعبين وردّ الفعل العنيف منهم في بعض الأحيان. ولا يمكن الحديث عن  "التجربة" ككل من نموذج اللعبة المصغّر دون التطرق إلى قيمتها الفنية، جرأتها في التطرق إلى جملة من المواضيع الإجتماعية الحساسة، والأهم من ذلك، الهالة الكبيرة التي خلقتها في عالم الترفيه ككل.

إعلان

صدر الجزء الأول لسلسلة الرعب و المغامرات The Last of Us في 2013 على جهاز Playstation 3 وبعدها بسنة على Playstation 4 في نسخة محسنّة ومطوّرة ولاقى نجاحًا كبيراً على المستويين التجاري والفني. وتدور قصة اللعبة في الولايات المتحدة بعد إنتشار وباء فطري يحوّل المصابين به إلى كائنات وحشية أشبه بالزومبي. في ظل هذه الظروف، يتم تكيلّف جول بمرافقة إيلي، التي لديها مناعة من هذا المرض والتي تمثّل آخر نقطة أمل للإنسانية. تتطوّر العلاقة بين الشخصيتين لتصبح علاقة متينة وسط أحداث متقلبة من إنفلات أمني وأخطار محدقة والعديد من الأسئلة الأخلاقية حول هذا العالم الجديد ومصير البشرية. 

تم الإشادة بالذات بعمق القصة والأداء الصوتي والتمثيلي للشخصيات بالإضافة إلى أسلوب اللعب الذي يتراوح بين التسلل والمواجهة. وقد تفاجأ الكثيرون بالإعلان عن جزء ثان سنة 2016 خوفًا من تنميط السلسلة والتأثير على جودتها فضلا عن عدم الحاجة لإكمال القصة التي بدت شبه مكتملة في نهاية الجزء الأول. قد أعلن المطور Naughty Dog عقب الإعلان بأن إيلي ستكون الشخصية الرئيسية القابلة للعب عوض جول وأننا سنكون مع موعد مع قصة إنتقام ملحمية ستتابع إنهيار العالم كما تعرفه شخصيات اللعبة.

جاء إطلاق الجزء الثاني The Last of Us Part II في يونيو ٢٠٢٠ على PS4 في وقت حساس عالمياً مع انتشار فيروس كورونا. على الرغم من ذلك، حققت اللعبة الكثير من الإنجازات، فقد أصبحت أكثر لعبة حاصلة على جوائز فنية ومحطمّة الرقم القياسي في تتويج "لعبة السنة" في التاريخ كما أنها أسرع حصرية مبيعًا على المنصة بعد بيع أكثر من أربع ملايين نسخ عند الإصدار.

كل هذه المعطيات مثيرة للإعجاب بحق، ولكن الطريق كان محفوفًا بالمطبات والمشاكل لتحقيق هذه الإنجازات. في هذا المقال أردت تسليط الضوء على كل الضجة التي أثارتها اللعبة وكيف وصلت اليوم إلى مكانها الذي تستحقه. أنا شخصياً، لم أقدّر التجربة كليًا إلا بعد إعادتها مؤخراً، ولكنني كنت دائما معجبًا بالشغف وقدرة المطورين على الدفع بنسق القصة إلى أبعاد قد لا يتجرأ الآخرون على معالجتها. ولا أخفي أيضًا  تأثر تجربتي الأولى بعدة عوامل بعضها موضوعي والكثير منها ذاتي. 

إعلان

هناك إنقسام شديد حول اللعبة مرتبط بظروف الإصدار وردود الفعل المتباينة حول بعض القرارات المرتبطة بالقصة

لنرجع إلى البدايات، لا شك أن المطور Naughty Dog كان على علم والمجازفات التي أخذها وردود الفعل السلبية التي كانت ستقترن باللعبة عند إصدارها، حيث اختار أن تكون إيلي المثلية الجنس بطلتها الرئيسية، كما ضمت اللعبة شخصيات من مختلف الفئات الإجتماعية، الهويات الجندرية والتوجهات الجنسية. في الجزء الثاني من اللعبة، تم إتباع بعض الخيارات القصصية المثيرة للجدل عبر قتل جول، الشخصية الرئيسية للجزء الأول، وجعل قاتله آبي الطرف الثاني القابل للّعب في منتصف اللعبة.

بعد تسريب بعض الأحداث، والتي كان بعضها مغلوطاً ومبنيًا على موجة رهاب المثلية والعابرين جنسيًا، قرر بعض اللاعبين الغاضبين مقاطعة اللعبة وانطلقت حملات الكراهية بعضها كان ضد قرار قتل الشخصية الرئيسية للعبة الأولى، وآخرين نشروا خطاب موتبط برهاب المثلية واعتبروا أن تمثيل اللعبة لتوجهات الهوية الجندرية "يعبث بأهمية ومستقبل السلسلة." ولا يمكن الحديث عن " المشكلة الأساسية " في القصة هنا دون ذكر موت جول، الشخصية الرئيسية للعبة الأولى والطريقة العنيفة جدًا لموته، حيث أنك ستكون مجبراً على لعب شخصية القاتل في نقطة النصف.

بسبب هذه الموجة، سارع الكثيرون في إسناد تقييمات منخفضة جدا للعبة قبل إصدارها في يونيو على موقع Metacritic حتى دون تجربتها مماّ دفع المنصة إلى إتباع سياسة جديد تقضي بالسماح بمرور مدة كافية منذ إصدار الألعاب لتقييمها. الغريب في الأمر أن The Last Of Us Part II قد حصلت على جائزة لعبة السنة من الموقع ذاته، أي Metacritic، بتصويت اللاعبين أنفسهم. ويعكس هذا إما تغيراً في الخطاب المحيط باللعبة أو على الأرجح إنتباه اللاعبين إلى جودة اللعبة وتجربتها عوض الهرولة إلى إصدار الأحكام المسبقة والمتسرعة.

إعلان

النقاش حول اللعبة محتد حقًا، ويبدو أنه من المستحيل الحديث عنها دون خلق دوامة من الاحتدام والصدامات حول بعض النقاط التي تتراوح ما بين الجاهزة والمسقطة إلى المفصلة والمدروسة. كما يبدو أيضًا أن اللاعبين قد تموضوعوا على طرفي نقيض لا وسط لهما.

هناك من انتقد اللّعبة بسبب تسويقها لـ"أجندات سياسية" بحسب رأيهم، تتمثل في "إقحام" أسلوب عيش ليبرالي مدمّر للعادات و التقاليد، خاصة مع شخصية إيلي المثلية، وشخصية ليف العابرة جنسياً وآبي التي لا تنطوي تحت "التصور الكلاسيكي للشخصيات النسائية." ويأتي هذا النقد بموازاة تشجيع المطور Naughty Dog للتنوع ودعم نيل دراكمان، المدير الإبداعي للعبة لقضايا النسوية والجندر.

في المقابل، هناك من اعتبر اللعبة تحفة فنية لن تتكرر بسبب أسلوب اللعب السلس الذي تطوّر عن سابقه، الرسوم والجرافيكس العالية، الموسيقى التصويرية وثنائية السرد بين شخصيتي إيلي وآبي. وعليه، قام هؤلاء اللاعبين ببناء تصور مبني على أحقيتهم في النقد وعلى فوقية معرفية وذائقة فنية أكثر عمقاً. يسارع هؤلاء في تقزيم و"محاولة حماية " اللعبة من أي رأي سلبي قد يهدم تصورهم لها بسبب نزعة الكثيرين إلى رفض شخصية آبي والدور الذي تلعبه في هذا الجزء. ولحماية اللعبة من محاولات النقد، بنى العديد من محبي اللعبة منطقًا مبنيًا على ربط عدم الإعجاب بالتجربة بعدم فهمها بالضرورة.

من السهل إغراق الآراء الناقدة للّعبة وسط موجات الغضب والتي تحمل في طياتها أحكامًا قمعية وإقصائية للتصورات غير النمطية لشخصيات ألعاب الفيديو

هذا الإنقسام الشديد حول اللعبة لم يأت عبثًا بل هو إنعكاس واضح لظروف الإصدار وردود الفعل المتباينة حول بعض القرارات المرتبطة بالقصة، وقد يدفع الزمن مستقبلاً البعض إلى إعادة النظر في هذا الاحتدام الحاصل حالياً، فمن المؤكد أن اللعبة لن تغيب عن نقاشات اللاعبين لوقت طويل جدًا.

إعلان

لا يمكن الحديث عن The Last of Us Part II بشكل مبسط، ولعلّ هذا أبرز مثال على ذلك هو النقلة التي أحدثها المطور Naughty Dog في طريقة معالجته للّعبة والمجازفة الكبيرة التي أخذها عبر قتل جول، الشخصية الرئيسية المحبوبة  أيقونة الجزء الأول ثم قلب الخط القصصي رأسًا على عقب عبر إجبار اللاعب على تقمص رداء قاتله وعيش التجربة من خلال وجهة نظره. نحن أمام تجربة قابلة للنقد من زوايا عديدة ومتشابكة، لذلك أقول دومًا بأن The Last of Us Part 2 أكبر من نفسها ولا تقتصر تجربتها على معطيات اللعبة فحسب، فمن السهل إغراق الآراء الناقدة للّعبة وسط موجات الغضب والتي تحمل في طياتها أحيانًا أحكامًا قمعية وإقصائية للأقليات الإجتماعية والتصورات غير النمطية لشخصيات ألعاب الفيديو. 

الجزء الثاني من اللعبة ليس للاستهلاك السريع ومن السهل تبسيطه إلى قصة نمطية حول الإنتقام وبشاعته، ومن هذا المنطلق أيضاً من السهل فهم ردة فعل لاعبي الجزء الأول المحبوب جداً والذي كان نسقه أقل تعقيداً. كما أنه من المهم الإشارة إلى أن الإنقسام الشديد حول اللعبة هو إنعكاس واضح لظروف الإصدار وردود الفعل المتباينة حول بعض القرارات المرتبطة بالقصة، وقد يدفع الزمن مستقبلاً البعض إلى إعادة النظر في هذا الاحتدام الحاصل حالياً، فمن المؤكد أن اللعبة لن تغيب عن نقاشات اللاعبين لوقت طويل جدًا.

تجربتي للعبة مؤخراً بتركيز أكبر، وبعد مرور الوقت على الإصدار الأولي المتشنج، ساهم في خلق فهم آخر وصورة مختلفة عن أبعاد اللعبة وزيادة تقديري لها. قد لا أبالغ عند وصفي The Last of Us Part II بأنها من أفضل التجارب التي خضتها في عالم ألعاب الفيديو. لقد كانت تجربة صعبة، غير مريحة ومليئة بالتحديات التي وجب على اللاعبين تجاوزها أمام بساطة السرد واستسهال الألعاب الأخرى لقدرة اللاعب على التعامل مع المحتوى المطروح أمامه.

بالنسبة لي، لا تتمحور اللعبة في الحقيقة حول بشاعة الإنتقام بل عن الغفران وفقدان فرصة التسامح مع الآخر والذات وهو ما أبدعت Naughty Dog في نقله لنا على الرغم من المحاولات المتكررة لتشويه المجهود المبذول الذي تم تقديره أخيرًا بعد رحلة كرّ وفرّ متعبة مع اللاعبين.