Iraq

‎⁨الصورة على اليسار للمرشحة الشابة نور نافع الجليحاوي - الصورة مقدمة منها⁩. الصورة على اليمين للمرشح الشاب ضياء كاظم هندي - تصوير أزهر الربيعي.

سياسة

شباب حراك تشرين يترشحون للإنتخابات العراقية

"لقد خسرت نصف عمري، وأنا غير مستعد أن أخسر النصف الآخر لأعيش في مستقبل مجهول، ولهذا رشحت نفسي للانتخابات"

"تتصور الأحزاب السياسية ذات الصبغة الدينية إن صعود الأصوات الحرة، وخاصة النسوية منها، إلى السلطة، يشكل خطورة عليهم، وهذا ما زادني إصرارًا على ترشحي للدورة الانتخابية القادمة رغم الظروف الصعبة التي نمر بها لكوننا أبناء تشرين،" تقول أميرة الجابر، 42 عامًا، مرشحة عن حراك نازل آخذ حقي، عن الدائرة الثامنة ببغداد لـ VICE عربية. الجابر واحدة من عدة مرشحين شباب شاركوا في مظاهرات تشرين التي أحيت ذكراها الثانية هذا الأسبوع. وتشير الجابر إلى أنها كغيرها من المرشحين المحسوبين على الحراك تتعرض للكثير من المضايقات والتهديدات: "تصلني تهديدات من قوى حزبية متنفذة في الدولة الذين يعتبروننا خصومًا أقوياء لهم في هذه الانتخابات. من الواضح أن أحزاب السلطة الحالية لديها عداء واضح ضد المرشحين من حراك تشرين بعدما لقناهم درسًا في التظاهرات الماضية بسبب سياساتهم الخاطئة في إدارة الدولة."

إعلان
المرشحة أميرة جعفر الجابر

المرشحة أميرة جعفر الجابر خلال الترويج لحملتها الإنتخابية في بغداد، الصورة مقدمة من أميرة

ومن المقرر إجراء الانتخابات العراقية في 10 أكتوبر، بمشاركة 3،249 مرشحًا، يمثلون 21 تحالفًا و109 أحزاب، إلى جانب مستقلين، يتنافسون للفوز بـ 329 مقعدًا في البرلمان، وذلك وفق أرقام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. ويحق لنحو 24 مليون شخص الإدلاء بأصواتهم بشكل عام من أصل نحو 40 مليون نسمة، وفق أرقام رسمية.‎

وفي الأول من أكتوبر 2019، اندلعت مسيرات واسعة النطاق في أنحاء بغداد وجنوب العراق احتجاجًا على فساد الحكومة. وأسفرت أعمال العنف المرتبطة بالاحتجاجات عن مقتل ما يقرب من 600 شخص. إنتهت التظاهرات بإستقالة رئيس الوزراء الأسبق، عادل عبد المهدي وتولى مصطفى الكاظمي المنصب، رئيس الوزراء الحالي. ومنذ أكتوبر الماضي، لقي العشرات من النشطاء مصرعهم في عمليات قتل مستهدفة أو تعرضوا للاختُطاف، ولم يعلن أحد مسؤوليته ولم تكشف الحكومة العراقية عن الجهات التي قامت بهذه العمليات. 

إعلان

وطالب المتظاهرون بتوفير فرص عمل للشباب، القضاء على الفساد، منع التدخلات الخارجية في البلاد، وتحسين البنى التحتية ومحاسبة قتلة المتظاهرين وكشف مصير المعتقلين والمختطفين أو المغيبين. وحققت تظاهرات تشرين مطلبين فقط، هما الإنتخابات المبكرة، وتعديل قانون الانتخابات. وبحسب القانون الذي صادق عليه رئيس الجمهورية برهم صالح، في نوفمبر 2020 مُغايراً تماماً للقوانين الانتخابيّة التي أقرّها العراق منذ 2003، وأجرى بموجبها أربعة انتخابات نيابية بين 2005 و 2018. فبدلاً من اعتماد البلاد كدائرة انتخابية واحدة، مثلما حصل في انتخابات 2005 - وهي الأولى بعد إحتلال العراق - أو اعتماد كل محافظة من محافظات العراق الـ18 كدائرة انتخابية، كما حصل في الانتخابات الثلاثة اللاحقة، فإن القانون الجديد يقسّم العراق إلى 83 دائرة انتخابية، ويعتبر الأقضية والنواحي كدوائر انتخابية مختلفة، وكل مرشح يقع في مركز المدينة أو القضاء، يحق لناخبيه الساكنين في نفس المنطقة من التصويت له. 

وفيما يقاطع عدد من الناشطين الانتخابات، قرر آخرون المشاركة ومحاولة تغيير الوضع من الداخل. يقول ضياء كاظم هندي، 31 عامًا، مرشح حركة إمتداد، من محافظة كربلاء، لـ VICE عربية: "لقد خسرت نصف عمري، وأنا غير مستعد أن أخسر النصف الآخر لأعيش في مستقبل مجهول، ولهذا رشحت نفسي للإنتخابات وأخذت على عاتقي التصدي لهذه المسؤولية بعد تشجيع الأهل والأصدقاء. أن ترشيحي بالانتخابات سيكون حافز لبقية الشباب بأن يرشحوا أنفسهم في الدورات الانتخابية القادمة."

إعلان

وتشكلت حركة إمتداد عام 2020، بقيادة د.علاء الركابي، أبرز قادة التظاهرات العراقية، وترفع الحركة شعارها: "لا طائفية، لا قومية، ولا عنصرية. تهدف إلى بناء دولة المواطنة والمؤسسات." ويضيف هندي: "أن ما دفعني لترشيح نفسي في الإنتخابات هو أن الحكومات السابقة والحالية تخلوا من التمثيل الشبابي وتغييب لدور الشباب في صناعة القرار السياسي، لهذا، من الضروري تواجد الشباب داخل قُبة البرلمان." 

احد صور ضياء كاظم هندي تتوسط شوارع محافظة كربلاء

احد صور ضياء كاظم هندي تتوسط شوارع محافظة كربلاء، تصوير أزهر الربيعي

في برنامجه الإنتخابي، وضع هندي قائمة من المطالب التي سيعمل عليها، حال فوزه، وهي: توفير فرص العمل للشباب، تغيير نظام الشكل من برلماني إلى شبه رئاسي ينتخب الشعب رئيسه والمحافظين بشكل مباشر، كشف قتلة المتظاهرين، وكشف ملفات الفساد الكبرى في البلاد ومحاسبة الفاسدين.

ويشير هندي إلى أنه تم تمزيق صور حملته الإنتخابية التي وضعها في محافظة كربلاء بعد ساعات قليلة فقط من تعليقها، دون معرفة الأسباب، أو الجهات التي تقف وراء الحادث: "بأعتقادي أن الأصوات الشبابية تزعج الأحزاب الفاسدة، ولكوني أحمل هموم الشباب العراقي، لهذا تحاربنا الأحزاب من السلطة الفاسدة." 

تمزيق صورة المرشح ضياء كاظم هندي من قبل جهات مجهولة بعد الساعات الأولى من وضعها في كربلاء

تمزيق صورة المرشح ضياء كاظم هندي من قبل جهات مجهولة بعد الساعات الأولى من وضعها في كربلاء، الصورة مقدمة من ضياء

بالإضافة إلى محاربتهم من قبل الأحزاب الرئيسية، يشكل ضعف التمويل اللازم للترويج للدعاية الإنتخابية، واحد من الصعوبات التي يواجهها شباب تشرين، كما تقول الجابر: "أن قوة المال السياسي التي تتمتع به الأحزاب السياسية المرشحة تُصعب من قدرتنا على منافستهم، فنحن شباب مستقلون لا نملك الأموال الطائلة لصرفها على حملاتنا." 

ويشير هندي إلى أنه قد رصد مبلغ لا يتجاوز 7 ملايين دينار عراقي (نحو 4،800$)، لحملته الانتخابية، فيما يخصص عدد كبير من المرشحين مبالغ تتجاوز مليارات الدنانير لحملاتهم الانتخابية، بحسب تقارير، ويضيف: "نحن نعتمد على أموالنا الخاصة، على جمهورنا الحقيقي، وأصوات الشباب التشرينية وغير التشرينية، المؤمنة بنا وبقدراتنا على تمثيلهم والحديث عن مطالبهم داخل قبة مجلس النواب."

إعلان

وتشير المرشحة الشابة نور علي الجليحاوي، 29 عامًا، من محافظة الديوانية، مرشحة حركة إمتداد، إلى أن نقل الصوت الاحتجاجي من ساحة التظاهرات إلى داخل قبة البرلمان، هو الحافز الذي قادها للتفكير بالترشح للإنتخابات للعمل على تحقيق مطالب مظاهرات تشرين. وتضيف الجليحاوي لـ VICE عربية: "أن دخول العملية الإنتخابية هو أمر يشبه تمامًا الدخول في حقل ألغام، والدخول للمعترك السياسي مع أحزاب فاسدة لا تحترم شرف الخصومة، بالتأكيد يرافق كل ذلك تهديدات مسبقة لنا ومضايقات لإيقافنا عن الترشح، لأن أحزاب السلطة تخشى الصوت الاحتجاجي الشبابي الذي أرعبهم من قبل."

المرشحة الشابة نور نافع الجليحاوي

المرشحة الشابة نور نافع الجليحاوي - الصورة مقدمة منها.

ولا تخلو أيّ انتخابات عراقية من التشكيك والمخاوف من التلاعب بنتائج الإنتخابات، ففي عام 2018، أعلن الممثل الخاص للأمم المتحدة في العراق يان كوبيتش بأن إنتخابات عام 2018 شهدت عمليات "تزوير وترهيب" من مجموعات مسلحة. تشعر الجابر بتلك المخاوف: "لا أستبعد أن حصل عملية تزوير في الأصوات الانتخابية على الرغم من اعتماد البطاقة البايومترية، المحتوية على بصمات الأصابع لكل مرشح، حيث يشتري بعض المرشحين أصوات الناخبين مقابل 100 دولار، لإعطائه صوتهم في يوم الاقتراع."

شكوك الجابر من إحتمالية تزوير نتائج الإنتخابات يتفق معها هندي، ويقول: "بالتأكيد هناك شكوك بحدوث خروقات في العملية الإنتخابية. ومن أجل السيطرة على عملية التزوير، قمنا بتشكيل لجان شبابية متطوعة من الأصدقاء والجماهير الشبابية، للتواجد في المراكز الإنتخابية في يوم التصويت ومراقبة سير عمليات الانتخابات داخل المراكز، وهذا باعتقادي أنه سيُحجم من عملية التلاعب بالأصوات."

إعلان

وتمر العملية الإنتخابية في العراق بمرحلتين، الأولى مرحلة التصويت الخاص، يُدلي فيه كل من رجال الأمن والنازحين والنزلاء في السجون، بأصواتهم قبل 24 ساعة، والمرحلة الثانية هي مرحلة التصويت العام، في يوم 10 أكتوبر، حيث يصوت فيه عامة المواطنين. 

لمعرفة تفاصيل أكثر عن الانتخابات، أجرت VICE عربية مقابلة هاتفية، مع جمانة الغلاي، الناطقة الإعلامية باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي تحدثت عن الإجراءات التي اتخذتها المفوضية للحد من إمكانية تزوير بالانتخابات: "اتخذت المفوضية عدة إجراءات للسيطرة على العملية الانتخابية، ومنها يحق للناخب التصويت مرة واحدة فقط ببطاقته، وسيتم إيقافها فور التصويت، ولا يحق له استخدامها إلا بعد مرور 72 ساعة. هذا يعني أن الناخب الذي يدخل المحطة (س)، على سبيل المثال، لا يحق له الدخول والتصويت في محطة أخرى."

وتضيف الغلاي: "وفرض قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020 الفصل الثامن الأحكام الجزائية المادة 31، غرامة تتراوح من 250 ألف دينار عراقي  (171 دولار أميركي) إلى مليون دينار عراقي (685 دولار أميركي)، وسجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر، لكل من تعمد التصويت باسم غيره أو تكرر أسمه في أجهزة الإقتراع."

لدى الجليحاوي المخاوف ذاتها عند هندي والجابر حول احتمالية تزوير نتائج الانتخابات، لكنها تعتقد أن الوعود التي صُدرت من قبل المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات تبعث على الاطمئنان: "نتمنى أن تتمتع الإنتخابات القادمة بالشفافية والإشراف الدولي، الذي سيساعد على التقليل من نسبة التزوير وتمنع وصول الفاسدين إلى السلطة من جديد."

وقد بلغت نسبة المشاركة في إنتخابات عام 2018 نحو 44.52%، ويتوقع هندي أن تكون المشاركة في الإنتخابات القادمة أكبر بسبب مشاركة الشباب وقادة التظاهرات في الإنتخابات الحالية.

وفقًا نظام الكوتا النسائية فإن حصة المرأة من المقاعد البرلمانية هي 83 مقعدًا، بواقع 25% من المجموع الكلي للمقاعد البالغ عددها 329 مقعدًا. ولمن لا تزال المرأة في العراق تواجه الكثير من التحديات المجتمعية بسبب ذكورية المجتمع الذي دائمًا ما يُحجم من دور المرأة، وإن كانت هناك نساء لهنّ بارز، فعددهنّ لا يتجاوز عدد أصابع اليد مقارنة مع صانعي القرار من الرجال. تحدِ آخر تواجهه المرأة في المناطق ذات الطابع العشائري الذي تضفي عليه الصبغة الدينية، الذي لا يسمح للمرأة الاختلاط مع الرجال أو المشاركة في صنع القرار.

وتقول الجليحاوي: "الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تنظر للمرأة نظرة دونية هي أبرز التحديات التي تواجه نساء العراق اليوم. في حال نجحت بدخول البرلمان، أريد العمل على تعديل القوانين الخاصة بالمرأة، لأن القانون الموجود لا يوفر الحماية الكافية، وخصوصًا فيما يتعلق بسن قانون العنف الأسري." وشهد عام ٢٠٢٠، 15 ألف حالة عنف منزلي في العراق بحسب إحصاءات، فيما قالت ناشطات عراقيات إن الأعداد الحقيقية هي أكثر من المسجل بكثير. ولا يمتلك العراق – حتى الآن – قانونًا للعنف الأسري، ويعتمد على مواد قانونية تسمح للزوج والأب بـ" تأديب" الأبناء أو الزوجة ضرباً "مادام لم يتجاوز حدود الشرع."

أما الجابر فتقول أنها حلمها برؤية بلد آمن هو المحرك وراء ترشحها للإنتخابات: "أسعى أن يكون العراق بلد يستوعب الجميع، وينفتح على دول العالم على أن تكون مصلحة البلاد هي العليا، كما أسعى إلى أن تحصل المرأة العراقية على حقها في المناصب السيادية، مثل مناصب الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء، رئاسة مجلس النواب)، حيث دائمًا ما تمنح المرأة مناصب شكلية لا تأثير لها على أرض الواقع."

بين مؤيد للعملية الإنتخابية وداعم لها، وأخر لا يرى أي فائدة من المشاركة في الإنتخابات، يتطلع العراقيون ومنهم الشباب إلى فوز المستقلين والوجوه الشبابية الجديدة التي يأملوا أن تقود البلاد إلى طريق أكثر عدلاً وتخرجه من أزماته السياسية والاقتصادية.