استيقظت منذ فترة في منتصف الليل، ولكني لم استيقظ فعلياً… استيقظ عقلي، وكأنني في كامل وعيي، الا أن جسدي رفض التحرك، ولم يكن يتجاوب مع أوامر عقلي. أردت أن أخرج من السرير، ولكن جسدي رفض ذلك كلياً، ولم أتمكن من تحريك ساقي أو ذراعي. حاولت طلب المساعدة، وأقول "حاولت" لأن المحاولة باءت بالفشل، وذلك لأنني لم أتمكن من تحريك فمي أيضاً. تخيل أنك عالق داخل تابوت لا يمكنك الخروج منه، جسمك هو هذا التابوت وعقلك هو أنت.
من اختبر ما مررت به، يعرف تمامًا عما أتحدث، إنما من لم يختبرها، فهو شخص يمكن وصفه بالمحظوظ، فما حدث معي كان أبشع شعور مررت به على الإطلاق. أتحدث عن هنا عن شلل النوم أو الـ Sleep Paralysis وهو باختصار، عجز مؤقت عن الحركة أو الكلام. يحدث شلل النوم عندما تكون مستيقظاً وتنتقل بالوقت نفسه الى مرحلة النوم الحالم، وهي مرحلة النوم التي نحلم خلالها (ومن هنا اسمها المبتكر)، حيث يكون الجسم غير قادر على الحركة، ما عدا العينين والعضلات المستخدمة في الجهاز التنفسي. هذه الظاهرة تصيب 7.6% من سكان العالم، كما تصيب الأشخاص من جميع الأعمار، وهي أكثر شيوعاً لدى المراهقين والشباب.عوارض شلل النوم ليست واحدة، وذلك بحسب هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية (NHS)، فيمكن لبعض الأشخاص فتح أعينهم، ولكن البعض الآخر لا يستطيع فعل ذلك. بعض الأشخاص يشعرون بضغط أو وزن على صدرهم، ما يجعل عملية التنفس صعبة، كما هناك من يشعر بوجود شيء أو شخص ما إلى جانبه. يمكنني التأكيد على بعض هذه العوارض من خلال تجربتي الشخصية.
حصل معي ذلك مرتين حتى الآن. في المرة الأولى، انتابني الهلع، ولم أفهم ما الذي حصل، هل أنا مستيقظ؟ هل هذا مجرد كابوس؟ ولكن في الكابوس، لا أرى الأمور بهذا الوضوح، قلت لنفسي. الجزء الوحيد الذي استيقظ مع عقلي هو عيني، وبالتالي، أمضيت فترة زمنية قصيرة (أظن أنها أقل من 5 دقائق) أبحلق في السقف، اذ لم أتمكن من تحريك رأسي حتى. بعد مزيج من الهلع والبحلقة في السقف لدقائق معدودة، قرر جسدي أخيراً التجاوب، لأخرج من سريري وأُكمل نهاري وكأن شيئاً لم يحصل.يعتقد البعض أن شلل النوم سببه ساحرة تجلس على صدرك وتمنعك من الحركة
إعلان
المرة الثانية كانت أسوأ من المرة الأولى، إذ كانت عيناي مغلقتين، ولكنني كنت أسمع كل شيء حولي، وشعرت كأن هناك أرواح تجلس إلى جانبي تهمسأ كلاماً لا افهمه. كأي إنسان طبيعي، أول ردّت فعل كانت محاولة مقاومة الأمر، وبدأت بالصراخ (في رأسي)، محاولاً "الخروج" من جسدي، غير أن الجسد لم يتجاوب، واستغرق الأمر بضعة دقائق قبل أن أتمكن من استعادة الحركة والهروب من هذه "الأرواح." طبعاً، لا أصدق بوجود أرواح، بل هي ألعاب ذهنية كان يمارسها عقلي… على نفسه.ولهذا كان من الطبيعي أن يتم خلق عدة خرافات حول شلل النوم. في مصر مثلاً، وبحسب دراسة منشورة على موقع المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية (NBCI)، تقول الخرافة بأن شلل النوم يحدث لأن الجن يجثم على صدر النائم ويمنعه من الحركة. في المناطق الجنوبية للولايات المتحدة، يعتقد البعض أن شلل النوم سببه ساحرة تجلس على صدرك - من هنا جاءت تسمية هذا الشلل المؤقت بالجاثوم أو عفريت النوم. وكما في اللوحة المرفقة في المقال تظهر امرأة نائمة وعلى صدرها جالس شيطان شبيه بالقرد، ويعتبر شلل النوم أحد التفسيرات العديدة لهذه اللوحة للرسام هنري فوسيلي (رسم زيتي، عام 1781).
لم يتوصل العلم إلى جواب نهائي وقاطع حيال أسباب شلل النوم، ولكن يتم ربطه بقلّة النوم (الأرق)، والتوتر النفسي، وأنماط النوم غير النظامية (لمن يعمل بنظام الشفت أو الورديات)، تناول أودية معينة، إضافة لوجود تاريخ عائلي لشلل النوم. وفي كثير من الحالات، يحدث شبلل النوم مرة واحدة أو مرة كل فترة طويلة.وبما أن أسبابه غير معروفة، ليس هناك علاج سحري لشلل النوم، والأمور التي ينصح بها الأطباء، بحسب NHS، هي تحسين جودة النوم، من خلال خلق بيئة نوم مريحة وتفادي أكل الوجبات الكبيرة أو التدخين أو شرب الكحول أو الكافيين مباشرة قبل الخلود الى النوم. أما في الحالات السيئة، أي عند التعرض لشلل النوم بشكل منتظم وبشكل يؤثر على حياتك اليومية، ينصح بالذهاب الى طبيب متخصص، فقد يكون الأمر أحد الأعراض المرتبطة بـ مرض النوم القهري Narcolepsy -اضطرابات في النوم أعراضها النعاس المفرط والهلوسة.في حديث مع صديقتي جنى التي اختبرت شلل النوم عدة مرات، قالت لي أن أفضل طريقة للتعامل معه هي ببساطة "التزام الهدوء وانتظار مرور هذه اللحظة المزعجة التي لا تتعدى الـ 5 دقائق عادةً." أظن أنني أصبحت مستعد لمواجهة هذه الظاهرة للمرة الثالثة من دون الإصابة بالهلع، وسأحاول إتباع نصيحة جنى-على أمل ألا أرى ساحرة تحاول الجلوس على صدري.لم يتوصل العلم الى جواب نهائي وقاطع حيال أسباب شلل النوم، ولكنه مرتبط بقلّة النوم، والتوتر النفسي، وأنماط النوم غير النظامية