10 أسئلة

عشرة أسئلة لطالما أردت طرحها على شخص مصاب بعمى الألوان

هناك فكرة مغلوطة تقول إننا نرى الحياة بالأبيض والأسود فقط
الوان

الصورة من فليكر

تشكل الألوان جزءًا رائعًا من حياتنا، فتؤثر على مزاجنا ورؤيتنا واختياراتنا، لكن بعض الأشخاص لا يتمتعون بتلك الهبة البسيطة والعظيمة، بسبب إصابتهم بعمى الألوان. طالما كانت لدي أسئلة وتصورات عن عمى الألوان، وقد بدأ فضولي نحوه منذ تعرفت إلى صديقي محمد حمدي، 27 عامًا، الذي جمعتني به لعبة بالبطاقات الملونة فاعتذر عن اللعب لأنه لا يميز الألوان. وقتها جلست أستجوبه لساعات عن كيف يرى الحياة دون الألوان كما نعرفها. اليوم أوجه لمحمد 10 أسئلة طالما أردت سؤالها لشخص مصاب بعمى الألوان.

إعلان

VICE عربية: أي نوع من عمى الألوان تعانيه؟
محمد حمدي: لدي عمى اللونين الأخضر والأحمر Red-Green Blindness، وهو عدم القدرة على التفريق بين اللونين الأخضر والأحمر عندما يكونان متجاورين، ولكن إذا كان منفصلين يمكنني تمييزهما إلى حدٍ كبير. لا أعرف من أين ورثته، فعائلتي كلها تخلو من أي إصابة مماثلة، لكن ربما ورثته عن جدٍ ما لم يدرك إصابته به. دعيني أؤكد لك أن المصاب بعمى الألوان لا يدرك مشكلته بنفسه، لكن المحيطين به ينتبهون للأمر.

كيف اكتشفت إصابته بعمى الألوان؟
في طفولتي المبكرة عرفت أن هناك مشكلة ما، فقد كنت عاجزًا عن تفريق الألوان بشكل نهائي، وكنت أخلط بينها باستمرار، وقد اعتقدت عائلتي والمدرسون أنني بطيء التعلم، ثم بدأت أمي تكتب أسماء الألوان على أقلامها لأتمكن من التعامل مع مادة الرسم، ولاحقًا بدأت أتلقى الألوان كمعلومة لأعرف كيف أتعامل معها.. فتعلمت أن ورق الشجر لونه أخضر، والجذع بني، والدم أحمر، ويجب تلوين كذا بلون كذا.. إلخ. حين كبرت قليلًا بدأت أقرأ عن مشاكل تمييز الألوان واكتشفت خللًا اسمه عمى الألوان، وهنا فهمت ما أمر به.

ربط عدم معرفتك بالألوان ببطء التعلم، لا شك أنك تعرضت لمواقف كثيرة شبيه؟
في البداية، ساعدتني أمي على تخطي المشكلة بتوضيح الألوان وكتابة أسمائها على أدواتي، لكن مُدرسي الرسم لم يفهموا مشكلتي في البداية وأرجعوها لعدم رغبتي في التعلم وتقصيري الدراسي، وعندما فهموا لاحقًا استغربوا الأمر، ثم تجاوزوه لأني حفظت استخدامات الألوان وصرت قادرًا على اجتياز الامتحانات. أمَّا الأشخاص الغرباء فدائمًا ما يبدون استغرابهم، لأن المصريين عامة غير واعين بوجود (عمى الألوان) أصلًا، ومن سمعوا المصطلح من قبل لديهم فكرة مغلوطة تقول إننا نرى الحياة بالأبيض والأسود فقط، في حين أن هذه حالة نادرة جدًّا.

إعلان

كيف أثر غياب تمييز الألوان على حياتك؟
يقولون إن الألوان تؤثر في مزاج الإنسان العادي، وأنها تمنح بهجة وراحة وما إلى ذلك من مشاعر، وهو شيء يبدو فقده مأساويًّا، ولكن الحقيقة أنني لم أتأثر بغياب الألوان عن حياتي بالشكل الذي تتخيلينه، بالعكس، لقد وجدت الأمر مريحًا بالنظر لمحدودية خياراتي في أشياء كثيرة، فأصبحت قراراتي أسهل وأسرع. مثلًا: يضيع كثير من الناس ساعات للبحث عن قميص بلونٍ معين، أو يعذبون مهندس الديكور بدرجة لون محددة للحائط، ولكن معي كانت الأمور مختلفة. أختار ملابسي لأن تصميمها يعجبني في المقام الأول، وأختار اللون الأبيض لجدران بيتي مع أثاث خشبي داكن دون كثير عناء. هذا يوفر الكثير من الحيرة وتضييع الوقت والجهد.

كيف تتعايش الآن مع عمى الألوان؟
في المدرسة كانت دراسة مادة الرسم فقرة من التعذيب والإزعاج، ولكن بعد دخولي الجامعة، بدأت أتعايش مع الأمر. أصبح التعامل مع الألوان محدودًا في حياتي، فأعرف ألوان الأشياء الأساسية مثل الشجر والفاكهة والخضروات، وأتدرب على التفرقة بينها عندما تكون منفصلة. بدأت مؤخرًا في تمييز اللون البنفسجي. عندما يتعلق الأمر بالملابس يكون الأمر تحديًا آخر، وعندما أذهب للتسوق أختار ملابسي بألوان أساسية، فالبنطلونات مثلًا من الجينز الأزرق أو الأسود ليليقا على التيشيرتات مهما كانت ألوانها.

هل حاولت البحث عن علاج؟
لا، لم أستشر الطبيب مطلقًا بخصوص عمى الألوان، لأنني لا أشعر بأنني أخسر شيئًا بعدم تمييزها، واكتفيت بالقراءة عن الحالة وفهمها، والتعرض لكل اختباراته المتوفرة على الإنترنت للوقوف على تشخيصي، ثم تجاهلت الأمر برمته. قد تتخيلي أنني أتمنى الحصول على أعين طبيعية، لكن الحقيقة أنك يجب أن تمتلكي الشيء لتشعري بفقده، أمَّا أنا فلم أعرف ما تعنيه الألوان وبالتالي لا أشعر بأي خسارة. قبل سنوات أهداني صديقي نظارة تساعد المصابين بعمى الألوان على رؤيتها، وقد ارتديتها مرات قليلة، وبدت المشاهد أكثر صفاءً والألوان أكثر حدة وحيوية ووضوحًا، كان الأمر مختلفًا إلى حدٍ بعيد عمَّا اعتدته. مع هذا لم أفكر في ارتدائها باستمرار، لأنني بالفعل أرتدي نظارة طبية للتغلب على ضعف بصري، وسأحتاج جراحة لتصحيح الإبصار حتى أستطيع استعمال نظارة عمى الألوان بشكل جيد. بالنسبة لي هذا أمر مرهق جدًّا، ورؤية الألوان لا تغريني كفاية لأقدم عليه، كما أنني سأستعملها نهارًا فقط لأنه سيكون أمرًا غريبًا أن أسير بها ليلًا (فهي نظارة داكنة تشبه نظارات الشمس). ما الداعي للمشقة إذن؟! أنا بخير تمامًا هكذا.

إعلان

هل عرَّضك عمى الألوان للخطر أو أي مواقف سخيفة من قبل؟
قد تشكل إشارات المرور خطرًا بالنسبة للمصابين بعمى الألوان في ظروفٍ ما، لكن الأمر يختلف هنا في مصر حيث لا إشارات مرور أصلًا، لهذا: لا، لم أتعرض للخطر بسبب عمى الألوان، لكني أتعرض لبعض التظرف من أصدقائي أحيانًا، عندما نلتقي بشخصٍ جديد لا يدري شيئًا عن حالتي، قد يسألني صديقٌ قديم عن ألوان ملابسه على سبيل الدعابة. هذا لا يزعجني شخصيًّا، لكن بالنسبة لشخص آخر قد يكون تصرفًا جارحًا وغير مرحب به.

ما الجانب السيء لإصابتك بعمى الألوان إذن؟
أنا مدمن لألعاب المائدة Board Games وأستمتع بها جدًّا، لكن عندما تتحول اللعبة لتحدي قائم على تمييز الألوان أو التلاعب بها، أو أواجه لغزًا يتعلق باستخدامها أعرف أني سأخسر اللعبة، وهذا يعوق استمتاعي بهوايتي. في عملي أيضًا أواجه بعض التحديات بسبب الألوان، فأنا Customer Support Manager، وأدرس بيانات الشركة والعملاء طوال الوقت، وبعض هذه البيانات تأتيني في صورة انفوجرافات ملونة أو مخطوطات توضيحية قائمة على الألوان، وقتها أبذل جهدًا كبيرًا لتمييز الألوان من بعضها، وفي أحيانٍ قليلة اضطر لطلب تغيير لون معين بسبب إرهاقي من التعامل معه. اللون الأخضر الداكن يشكل لي تحديًا صعبًا حتى اليوم، ويختلط عليَّ مع الأحمر بشكل يسبب الصداع.

لديك ابنة الآن، هل تخطط لمتابعتها بشكلٍ معين لتتأكد أنها لم ترث خلل عمى الألوان مثلك؟
مممم.. لا، لو أنها مصابة بعمى الألوان فأنا آخر شخص يستطيع الانتباه للأمر، لكنني سأنصح زوجتي بالتركيز لتكتشف الأمر مبكرًا. لو أنها ورثت عمى الألوان مني فلن يكون خبرًا سيئاً بالنسبة لي، فقد تغلبت على الأمر وأعرف أنها ستتغلب عليه بالمثل.

هل فكرت كيف كانت حياتك ستتغير لو لم تكن مصابًا بعمى الألوان؟
ربما كانت علاقتي بالفنون ستكون ألطف قليلًا من القطيعة الحالية، فأنا لا أتذوق الفنون البصرية القائمة على الألوان نهائيًّا، وربما طوَّر غياب الألوان نزعتي إلى مَنطقة الأمور وتجريدها، والحكم عليها بشكل حسابي وهندسي بعيدًا عن التأويل الفني. ربما كان شكل بيتي ومكتبي والأماكن التي أعيش فيها عامة سيتغير، سيحتوي على ديكورات أكثر ثراءً وتنوعًا، بدلًا من الاعتماد على الألوان الأساسية فقط، مثل الأبيض والأسود والأزرق. بخلاف هذا لم يؤثر عمى الألوان على حياتي، بل إنني اجتزت اختبار كلية الفنون التطبيقية لاعتماده على الرسوم الهندسية وتوظيف الظل في الرسم، لكنني لم أوفق في الالتحاق بها بسبب مجموعي وانتهى بي الأمر إلى دراسة إدارة الأعمال. لا يمكنني الشكوى نهائيًّا من عمى الألوان. عندما تقل اختياراتك تصبح قراراتك أكثر فعالية، وهذا ما أعيشه كل يوم بسبب هذا الخلل الذي يراه كثيرون نقصًا وأراه أنا ميزة رائعة.